«نورة»، سعودية عاشت حياة صعبة منذ طفولتها حتى كبرت، مرت بالعديد من المصاعب في حياتها، والتي استطاعت أن تجتاز الكثير منها، لكنها وصلت الآن إلى وضع تحتاج فيه لمن يلتفت إليها، فهي بلا مأوى يحتويها، وتقضي يومها بالجلوس في المساجد الموجودة بالمجمعات التجارية أو الحدائق العامة، بعد أن عجزت عن دفع أجرة الغرفة التي كانت تسكن فيها.
«سيِّدتي» التقت «نورة» التي تحدثت عن معاناتها منذ طفولتها إلى أن أصبحت بلا مأوى، وما تعرضت إليه بالتفصيل، كما تحدثت عن مطالبها من خلال السطور الآتية.
عادت «نورة» بذاكرتها سنوات إلى الوراء لسرد قصتها منذ البداية، حيث قالت: «عشت مع أبي وأمي وشقيقي وشقيقتي حياة متواضعة جداً، وكانت والدتي هي الزوجة الثالثة لوالدي الذي كان يمتلك القليل من المال، وكنت كأي فتاة أتمنى أن أتزوج وأستقر بحياتي، ولكن لم يكتب الله لي ذلك، حيث تقدم لي شخص طالباً يدي، وعندما أردنا إتمام أمور الزواج، أصبت بمرض مفاجئ لم يعرف الأطباء أسبابه، وأقعدني لمدة 4 أعوام طريحة الفراش، ما جعل الشاب الذي تقدم لي يصرف النظر عني، وداومت على العلاج حتى تعافيت والحمد لله، وعدت أمشي على قدمي من جديد، وبعد ذلك توفي والدي، وكذلك والدتي، وتولى أهل الخير دفع إيجار منزلنا، وكنا نسكن أنا وشقيقي، الذي يعاني منذ صغره من عدة أمراض منعته من العمل، كما أوصتني والدتي قبل وفاتها بأن أعتني به، وطلبت مني أن أحاول تزويجه بامرأة تهتم به، ولم يكن أمامي إلا أن أستدين 10000ريـال لأنفذ وصية والدتي، وبالفعل نجحت في ذلك، وتزوج أخي، ولم يعد لي أحد بعد وفاة والدي ووالدتي وزواج شقيقي، فقررت أن أذهب إلى الرياض، حيث تسكن شقيقتي الوحيدة بعد زواجها من رجل متزوج بامرأة أخرى».
معاناة في الرياض
تواصل «نورة» حديثها قائلة: «قدمت إلى الرياض، ولكن بسبب ظروف حياة شقيقتي، وعدم تقبل زوجها بأن أبقى لديها في المنزل نفسه، اضطررت أن أستأجر مكاناً يحتويني بمساعدة أهل الخير الذين ساعدوني في استئجار ملحق بعد أن علموا بقصتي، وبأنني لا أملك المال، ولم أجد وظيفة، خاصة أنني لم أكمل دراستي، ولكن عندما طالت مدة بقائي بالرياض تخلوا عني».
وأضافت: «ذهبت إلى شقيقتي، وطلبت منها أن أستأجر باسمها ملحقاً قريباً؛ حتى أتمكن من زيارتها أثناء ذهاب زوجها إلى زوجته الأولى، وطلبت منها ألا تخبره بالأمر؛ لأنه يكره وجودي بجانب شقيقتي، خشية أن أطالبها بتزويدي بالمال، أو مساعدتي بأي طريقة، فقد كان بخيلاً جداً، وبالفعل ساعدتني، وأعطتني بطاقتها، واستطعت أن أستأجر غرفة ودورة مياه قريبة من المكان الذي تسكن به شقيقتي، وعلى مدى عامين لم أتمكن من تسديد الإيجار، وتراكمت عليَّ الديون، فأصبح صاحب الملحق يطاردني ويهددني بالطرد، فالضمان لا يمنحني سوى 800 ريـال كمصروف لأكلي وشربي ولبسي وأدويتي التي أتناولها».
طرد وتشرد
وعن طردها من الغرفة التي كانت تسكن فيها تقول: «مع استمراري بعدم دفع الإيجار، منعني صاحب الغرفة من الذهاب نهائياً إلى غرفتي حتى أدفع الإيجارات المتأخرة، وخرجت من غرفتي التي كنت أسكن فيها، وهنا شعرت بقمة الضياع، فأنا لا أملك مكاناً ألجأ إليه، ولم يكن أمامي سوى التوجه إلى أحد المجمعات القريبة مني، وجلست كعادتي، وبدأت أتذكر ما حدث لي، وأتساءل: أين سأمضي يومي؟ وهل سأنام في الشارع أم في مكان آخر؟ ولم أستطع التحمل، فبدأت بالبكاء، فجاءت امرأة وسألتني عن السبب، فسردت لها تفاصيل ما تعرضت له، فقالت لي: «تعالي معي إلى منزلي»، بالرغم من أنها لم تكن تعيش وحدها، بل لديها 4 بنات يعشن معها في المنزل، فجلست مع هذه المرأة الطيبة على مدى 5 أيام، وعلمت بأن لديها ابناً يعمل خارج الرياض، وسيأتي في نهاية الأسبوع، ثم يذهب، وهنا فضلت ألا أبقى في ذلك الوقت لديها؛ حيث ذهبت إلى إحدى حدائق الحي القريبة من منزل هذه المرأة، وبدأت أصلي وأدعو الله أن يفرج ما بي من هم، فأقبلت عليَّ امرأة، وسألتني عن سبب وجودي بمفردي في الحديقة، وأخبرتها بتفاصيل قصتي؛ فطلبت مني أن أذهب معها إلى بيتها في نهاية كل أسبوع مقابل مبلغ بسيط من المال الذي أحصل عليه من الضمان، فزوجها يعمل خارج الرياض، ويأتي عدة أيام من كل شهر ثم يذهب، وحياتها بسيطة، وبقيت على هذا الوضع لعدة أشهر، ولكن دوام الحال من المحال كما يقولون، فقبل أسبوع اعتذرت المرأة التي كانت تستضيفني لمدة 5 أيام من الأسبوع؛ بسبب ظروف صادفتها، وشكرتها على الفترة التي استضافتني بها، كما أنني انسحبت من منزل المرأة التي كانت تستضيفني في نهاية الأسبوع مقابل 200 ريال قبل أن تعتذر عن عدم استضافتي؛ لأنني لم أعد أتمكن من دفع هذا المبلغ؛ بسبب ازدياد أدويتي ومصاريفي».
التعرض للابتزاز
تتابع حديثها والحزن يملأ عينيها قائلة: «بعد 13 عاماً قضيتها في الرياض، قالت لي امرأة كانت حاضرة أثناء وجودي في جمعية خيرية: «لماذا لا تلجئين إلى رجال الأعمال علّهم يساعدونك؟»، فهي سمعت عن عدة حالات مثلي قاموا بمساعدتها واستئجار منزل لها، ولم يكن لديّ حيلة إلا أن أنفذ ما أسمعه؛ لأنني وصلت إلى مرحلة لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، وقصدت عدداً من رجال الأعمال الذين سمعت عن أياديهم البيضاء بمساعدة الآخرين، لكنني لم أتمكن من الوصول إليهم مباشرة، بل كنت أتوجه إلى مكاتبهم، وأجد موظفين متخصصين لأخذ طلبات المساعدات، ومنهم من كان يأخذ أوراقي ويطلب مني المغادرة ويقوم بالاتصال على هاتفي إذا قرر مساعدتي، ومنهم من يلقي بأوراقي على الأرض ويرفض مساعدتي منذ البداية، ومنهم من حاول استغلالي وابتزازي، ومنهم من عرض عليَّ الزواج بشرط أن يكون زواجاً مسياراً، لكنني رفضت ذلك، حتى إن سائق «الليموزين» الوافد أصبح يستغلني عندما أتصل به لإيصالي إلى الجمعيات الخيرية أو مكاتب رجال الأعمال، ويعرض عليَّ القيام بعلاقة معه حتى يوصلني إلى المكان الذي أريده من دون مقابل، لأنني أفاصله على المال، وكنت أبكي كثيراً عندما أتعرض لمثل هذه المواقف».
مطالب «نورة»
وبعد أن سردت «نورة» قصتها لـ«سيِّدتي» قالت: «لا أريد من هذه الدنيا سوى مكان أو بيت لأسكن فيه، فقد تعبت كثيراً من الظروف التي مررت بها، ونظرة الشفقة من الناس أصبحت تقتلني، وأنا أؤمن بأن الله سيعوضني خيراً، وأنه سيبعث لي من يساعدني».
المزيد:
سجينات يعدن إلى الجريمة بقرار عائلي
قصة: فستان زفافي والعريس الهارب