«خلال الفترة الماضية اقتحم ما يسمى بـ «الذكاء الاصطناعي» العديد من المجالات، بل وأثبت قدرته على التفوق أحياناً على البشر، والآن جاء الدور على عالم الغناء، إن كان في مجال التأليف أو الإبداع الموسيقي، الذي ظل لسنوات طويلة حكراً على الإنسان، لكونه يحتاج إلى ابتكار وإحساس، وهما صفتان لا تتوافران إلا في الكائن البشري.
هذه القفزة الجديدة جاءت مع إعلان معمل OpenAI المتطور لأبحاث الذكاء الاصطناعي، والذي أسهم في تأسيسه رجل أعمال التكنولوجيا الشهير، «إيلون ماسك»، عن إطلاق نظام حمل اسم Jukebox، القادر على توليد أغنيات كاملة بمجرد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة.
ما تسبب بحالة جدل واسعة بين أوساط العاملين في مجال الموسيقى والغناء، خصوصاً بعد إقدام البعض على استخدام هذه التقنية، ومن أبرزهم المطرب والملحن المصري عمرو مصطفى، حيث استعان بـ «الذكاء الاصطناعي» مستخدماً صوت الفنانة الراحلة أم كلثوم «كوكب الشرق»، أو حين قدم البعض عدداً من أغنيات الفنان عمرو دياب بصوت الفنان الراحل عبد الحليم حافظ.
إبداع أم انتهاك للحقوق؟
هذه الأمور طرحت العديد من الأسئلة، أهمها: هل يعدُّ دخول الذكاء الاصطناعي مجال الموسيقى والغناء ثورة إبداعية أم انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية؟ للوقوف على هذا الأمر تواصلت «سيدتي» مع عدد من المطربين والمطربات وصناع الموسيقى، لمعرفة آرائهم.
نورا بالألف: أرحب، ولكن بشروط
رحبت الفنانة نورا بالألف، بالثورة التكنولوجية في مجال الموسيقى والغناء، ولكن بحدود وشروط معينة، ألا وهي عدم تعديها على الحقوق البشرية، خاصة وأنها وجدت فقط لخدمة البشر، مثل الاعتماد عليها في التوزيع الموسيقي بشكل أسرع، كما يمكن استخدامها في حال تعرض المطربة أو المطربة لوعكة صحية، تمنعه من استكمال جملة في أغنيته الجديدة، هنا من الممكن الاعتماد على هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لاستكمال هذا المقطع أو الجملة المقرر إضافتها للعمل الغنائي، ولكن أن يكون بديلاً للإنسان أو لصوته، فهذا أمر ترفضه.
واستطردت قائلة: «الذكاء الاصطناعي عبارة عن صناعة ثورة بعيداً عن الحقيقة، لأنه لا يمكن الاستغناء عن الإنسان في هذا المجال، وفي حال الاستغناء عن العامل البشري بشكل عام ستظهر عيوب الذكاء الاصطناعي، وفي حال استمراره لفترة ما لن يستطيع أن يستمر بالروح نفسها التي بدأ بها، فهو مثل الكمبيوتر لا يستمر للأبد بحالته نفسها وقدرته عينها».
نورا بالألف: الذكاء الاصطناعي عبارة عن صناعة ثورة بعيداً عن الحقيقة، لأنه لا يمكن الاستغناء عن الإنسان
ياسمين علي: من المستحيل أن يتفوق على صنع الله
من جانبها أشادت الفنانة ياسمين علي بفكرة الذكاء الاصطناعي في مجال الغناء والموسيقي، إلا أنها رأت أنه من المستحيل أن تتفوق هذه التقنية الحديثة على صنع الله عز وجل.. قائلة: «من المستحيل أن يكون بروح وحلاوة صوت الإنسان الحقيقي».
وعن الجدل الذي أثاره «الذكاء الاصطناعي»، وخاصة حول حقوق الملكية التي تتعلق بالمطربين الراحلين، كان للفنانة ياسمين علي رأي آخر، حيث أوضحت أن الموهبة التي تتمتع بها في صوتها العذب منحة من الله عز وجل، إذاً فهي ليست ملكاً لها، وفي حال رغبة أي شخص أن يقوم بالاستعانة بصوتها على أغنية أخرى مستخدماً في ذلك الذكاء الاصطناعي فلن تمانع، ولكن في النهاية لا يستطيع أن يقدمه بالطريقة التي تتبعها في الغناء مهما كانت درجة التكنولوجيا المستخدمة في هذا الأمر... «في النهاية لن يكون مثل صوتي لأنه غير حقيقي، أو بمفهوم اللغة الدارجة سيكون بلاستيك أو وهمي، وبرأيي من الممكن أن نجعله للترفيه فقط وليس أكثر».
واستشهدت في حديثها بفكرة المطرب والملحن عمرو مصطفى التي وصفتها بـ «العبقرية»، وذلك عندما استعان بصوت الفنانة أم كلثوم «كوكب الشرق»، ولكن في النهاية التجربة على الرغم من كونها رائعة ومميزة، إلا أنها لم تصل إلى جودة وروح الفنانة أم كلثوم.
واستطردت في حديثها قائلة، إن حقوق الملكية دائماً تقف أمامنا عائقاً، خاصة عندما يريد الفنان أن يقدم أغنية قديمة لفنان أو فنانة، سواء في البرامج التي يكون فيها ضيفاً، أو في الحفلات التي يشارك بها، حيث نجد أصواتاً ترفض تقديم أي أغنية قديمة تجنباً للمشاكل التي تسببها حقوق الملكية.
مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يعيق الإبداع، خاصة وأن تقديم الأغاني القديمة مرة أخرى أمر يسهم في الحفاظ على التراث.
واختتمت ياسمين علي حديثها قائلة: «الفنان محمد عبد الوهاب، أو الفنانة أم كلثوم، أو الفنانة وردة، لو كانوا معنا حتى الآن، كانوا سيرفضون هذا الأمر لأنهم ليسوا ضد الإبداع».
خاص لـ "سيدتي".. مركز إثراء ينظم جلسة حوارية على هامش فعاليات مهرجان كان السينمائي
حسام حسني ورأي مختلف
من جانبه رأى الفنان حسام حسني، أن ما يسمى بـ «الذكاء الاصطناعي»، ليس إبداعاً، ومن ناحية أخرى لا يمثل انتهاكاً لحقوق الملكية، فهو نوع من أنواع التطوير. على سبيل المثال عندما تقوم بعمل أغنية للفنانة أم كلثوم، فالجميع يعرف أن «كوكب الشرق» لم تقدم هذه الأغنية في الحقيقة، لأن هذا الأمر في النهاية عبارة عن «كمبيوتر» ووسائل تكنولوجية حديثة، مثلها مثل أصوات الآلات الموسيقية التي يتم عزفها بوساطة «الكمبيوتر» كصوت «الأورج» و«الكمان»، فهو نوع من أنواع استغلال جيد للتكنولوجيا الحديثة.
حسام حسني: ليس إبداعاً ولا يمثل انتهاكاً لحقوق الملكية فهو نوع من أنواع استغلال جيد للتكنولوجيا الحديثة
متى يكون «الذكاء الاصطناعي» انتهاكاً لحقوق الملكية؟
عن ذلك، أوضح الفنان حسام حسني، أن الأمر يصبح انتهاكاً لحقوق الملكية في حال قيام أحد الأشخاص بغناء أغنية خاصة بالمؤلف والملحن من دون الحصول على إذن منه، ولكن في حال الاستعانة بصوت أم كلثوم، أو صوت قريب منها، ويتم استخدامه على سبيل المثال في غناء أغنية «جبار» الخاصة بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فهنا لا يوجد أي مشكلة على الإطلاق، لأن الموضوع عبارة عن استخدام للتطور التكنولوجي.
وتابع قائلاً: «الصوت ليس له ورثة.. لأن الصوت تم دفنه مع صاحبه، الوحيد الذي يملك صوت أم كلثوم هي أم كلثوم نفسها، وأيضاً من يملك صوت عبد الوهاب هو عبد الوهاب نفسه».
وأشار إلى أنه في حال قيامه باستخدام أغنية في هذا الإطار، من الطبيعي أن الورثة سيكون لهم حقوق ملكية، لافتاً إلى أنه في حال تواجد السيدة أم كلثوم في هذا الوقت، وأبدت موافقتها على استخدام صوتها هنا الأمر سيحدث من دون أي مشاكل.
وأضاف: «على أي حال المغني أو المطرب له عمر افتراضي، مثل الفنانة وردة عندما تقدم بها العمر أصبحت غير قادرة على الغناء كما في الماضي، لذلك عندما يتم اختراع وسيلة تكنولوجية حديثة تجعل الصوت قريباً جداً من صوتها فإن هذا الأمر يعدّ إنجازاً حقيقياً، لأنه كما أشرت فصوت المطرب أو المطربة له عمر».
وشدد الفنان حسام حسني، على ضرورة مراعاة الآداب العامة والمستوى الرفيع عند استخدام «الذكاء الاصطناعي»، لأنه لا يجوز على الإطلاق الاستعانة بكلمات أغنية غير لائقة أو دون المستوى، ووضعها على صوت لكبار المطربين أو المطربات، خاصة وأن النجوم والنجمات الكبار كانوا دائماً يحرصون على اختيار كلمات مناسبة وجيدة للأغاني التي يقدمونها.
هاني شنودة: يجب سن قانون يحكم استخدام «الذكاء الاصطناعي»
أبدى الموسيقار هاني شنودة رأيه هو الآخر في موضوع «الذكاء الاصطناعي»، حيث طالب بضرورة توفير أو وجود شيء يوثق من خلال فيه المبدعون، والقائمون على جميعة المؤلفين والنقابة، والأشخاص الذين ينتمون لمجالس الشعب ولا سيما المتخصصون في المسائل القانونية، حتى يتم وضع قوانين تحدد الأمور المتعلقة باستخدام وسيلة «الذكاء الاصطناعي» في مجال الموسيقى والغناء.
وضرب الموسيقار شنودة مثالاً: «ماذا سنفعل في حال الاستعانة بصوت فنانة كبيرة، يتم وضعه على كلمات غير مناسبة، هنا سيتم تدمير الماضي الجميل، والتاريخ والحضارة، الأمر نفسه لو تم الاستعانة بفنانة أخرى لتقدم وصلة رقص استعراضي من خلال خاصية الذكاء الاصطناعي.. ماذا سيكون الأمر هنا؟، لذلك لابد من أن يكون هناك ندوة موسعة تتناول جميع المواضيع، ومن خلالها يتم وضع قانون خاص لهذا الأمر تفادياً لحدوث أي مشاكل تتعلق به».
وأضاف، في حال تقنين ما يسمى بـ «الذكاء الاصطناعي» من الناحية القانونية، سيكون الأمر لصالح الفن في المقام الأول والبشرية، ولكن في حال عدم تقنينها ستكون ضد الفن والتراث والإنسانية وكل الأعراف الفنية.
وشدد هاني شنودة في نهاية حديثه على ضرورة خضوع وسائل التكنولوجيا الحديثة والتي تستخدم في مجال الموسيقى والغناء مثل «الذكاء الاصطناعي» للقانون، بحيث من يريد استخدامها لابد من أن يحصل على التصاريح الخاصة بها، والتي يكفلها ويحددها القانون الخاص بهذا الأمر، كل ذلك حتى لا يتم استخدام «الذكاء الاصطناعي» بشكل سيء من قبل أشخاص غير محترفين يختلقون في النهاية مشاكل عديدة يصعب السيطرة عليها أو وضع حل لها، أبرزها الاعتداء على الماضي وتشويهه.
يمكنك الاطلاع عمرو مصطفى يعلن عن أول مطرب بالذكاء الاصطناعي
هاني شنودة: في حال عدم تقنينها ستكون ضد الفن والتراث والإنسانية وكل الأعراف الفنية
الملحن مدين: الفكرة في كيفية الاستخدام
أي شيء جديد من الممكن استخدامه في الخير والشر، هكذا بدأ الملحن مدين كلامه، ضارباً مثالا بالسلاح الأبيض »السكين» فمن الممكن أن تستخدم في تقطيع الحلوى وقطع «الكعك» ويمكن استخدامها في أشياء يعاقب عليها القانون، لذلك فإن الفكرة هنا في كيفية الاستخدام، مشيراً إلى أن خاصية «الذكاء الاصطناعي» هي نتيجة مجهود كبير بذله مجموعة من الأشخاص، الذين نجحوا في التوصل لهذا الأمر.
وأضاف، أن «الذكاء الاصطناعي» هو اكتشاف جديد ومن الطبيعي أن يكون معرضاً للأخطاء، مثل الاكتشافات والأدوية الطبية الجديدة، التي تُحدث في بداية استخدامها أعراضاً جانبية.
وطالب مدين بضرورة ايجاد حلول لسلبيات الذكاء الاصطناعي، حتى نستطيع الاستفادة من الأشياء الأخرى الجميلة والمميزة، التي تقدمها هذه الخاصية.
وأشار مدين في حديثه، أن لديه أغنية حديثه بعنوان «ظروف معنداني» للمطرب وائل جسار، يتم إرسالها له بصورة شبة يومية بصوت أكثر مطرب ومطربة منهم الفنان أحمد سعد، والفنانة أصالة.. مضيفاً: «سعيد جداً بهذا الأمر لأنه متعة جميلة للغاية والجميع يشعر بسعادة بها».
وأضاف مدين، أن التكنولوجيا شيء يجعلك تشعر بنوع من أنواع الرعب فعلاً، لكن من المؤكد أن لها استخدامات مفيدة، والمهم أن نضعها في قالبها السليم، واستشهد بمثال في هذا الأمر قائلاً: «لننظر لتسجيل شكل الأغنية قديماً، أيام الفنانين عبد الحليم، والسيدة أم كلثوم، فقد كانت صناعة الأغنية من أصعب ما يكون، خاصة لأنهم كانوا يأخذون الفرقة كاملة للأستديو ويسجلون تراك تراك، ثم بدأت قفزات أخرى تحدث في هذا العالم مثل تقنية «أوتو تيون»، التي تضبط صوت المطرب، وكانت في البداية تستخدم على أصوات ليست متمكنة من الغناء جيداً، ثم أصبحنا نستخدمها على أصوات أعظم المطربين بشكل كبير».
واستطرد قائلاً: «الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يجعل شكل الموسيقى أفضل، خاصة وأننا مازلنا في مرحلة التجارب الأولى».
وشدد الملحن مدين في حديثه إلى ضرورة التواصل بشكل رسمي مع أي مطرب أو مطربة، أو مع ورثة الراحلين منهم، حال استخدام أصواتهم ووضعها على كلمات أغاني أخرى، للحفاظ على حقوق الملكية الخاصة بهم، وتجنباً لحدوث أي مشاكل.
الملحن مدين: التكنولوجيا شيء يجعلك تشعر بنوع من أنواع الرعب، لكن من المؤكد أن لها استخدامات مفيدة والمهم أن نضعها في قالبها السليم
كيف تفاعل المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي؟
شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً حول مسألة الذكاء الاصطناعي، لاسيما عبر الحسابات الرسمية للمشاهير والنجوم، ومن أبزر النجوم الذين تفاعلوا مع تقنية «الذكاء الاصطناعي» الفنان الإماراتي حسين الجسمي، الذي قام بإعادة نشر مقطع من أحدث أغانيه «يا خبر» باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، بعدم ضم صوت المطربة شيرين عبدالوهاب.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كرر حسين الجسمي التجربة مرة أخرى من خلال أغنية «أهواك»، وشارك الجسمي مقطعاً من الأغنية، التي فاجأت الجمهور بظهور كل من مغني الراب الأمريكي كانييه ويست، والمغنية الإنجليزية دوا ليبا.
زاد من عنصر التشويق والمفاجأة أيضاً أن كلا النجمين العالميين كان يغني باللغة العربية، وتحديداً باللهجة الخليجية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وعلّق حسين الجسمي على مقطع هذه الأغنية، الذي شاركه مع متابعيه عبر حسابه الرسمي على «إنستغرام» قائلاً: «مو عادي»، في إشارة على ما يبدو إلى إعجابه بالفكرة.
وبالتزامن مع التجربة التي قام بها الجسمي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع من أغنية «يا ريت فاهمني» للمطربة أنغام، بعد ضم أصوات المطربات أصالة وإليسا، بطريقة الذكاء الاصطناعي، وظهرت أغنية «أسعد واحدة» للمطربة إليسا بصوت المطربة أصالة بالتقنية نفسها.
يمكنك الاطلاع على "أحمد خالد توفيق".. الكاتب الذي تحققت أمنيته بعد وفاته