يعدُّ برنامج إقامة «مسك للفنون» من أهم برامج التبادل الفني الثقافي بين فناني المملكة العربية السعودية ونظرائهم العالميين، إذ يوفر فرصاً ومساحاتٍ، تساعد في تسهيل الحوار والبحوث والتجارب الفنية، ويقدم المساندة والدعم للفنانين على مختلف المستويات. وفي نسخته الخامسة، العام الجاري، ضمَّ البرنامج 11 فناناً وفنانةً وكاتبتَين، تعمَّقوا في مفهوم «التقاليد»، وخاضوا رحلة بحثٍ وتعلمٍ وتبادلٍ ثقافي وفني على مدار ثلاثة أشهر، وتلقوا عديداً من الدورات المختصَّة، والجلسات الإرشادية والنقاشية من تقديم خبراء ومحترفين محليين ودوليين، كما أتيح لهم العمل في استديوهاتٍ فنية مخصَّصة ضمن «مساحة» للخروج بمشروعاتٍ فنيةٍ مبهرة، رُصدت لها ميزانياتٌ جيدة.
يوفر البرنامج فرصاً ومساحات، تساعد في تسهيل الحوار والبحوث والتجارب الفنية، ويقدم المساندة والدعم للفنانين على مختلف المستويات
مقيمو «مساحة»
تضمَّنت «مساحة مسك» 12 استديو، استخدمها المقيمون لإنجاز وعرض مشروعاتهم الفنية. وضمَّت مجموعة المقيمين أسماء معروفة، محلياً وعربياً وعالمياً، في مجالَي الفن والكتابة الإبداعية، وهم: عبير بامفلح، عالية مارديني، أريج قاعود، ضياء مراد، ميس ياسر، إلياس حجي، ناستيا إندريكوفا، لياو ليهونج، نورا الدخيل، علي الموسى، هيا الغانم، ألينا خان، وسارة المطلق.
«سيدتي» زارت معرض أعمال الفنانين المقيمين بصالة الأمير فيصل بن فهد للفنون في الرياض، واطلعت على الأعمال المعروضة، وتحدثت مع بعض المشاركين حول المشروعات الفنية التي عملوا عليها مع برنامج «إقامة مسك» للفنون.
الجانب التعليمي
لولوة الحمود: ما تقوم به مسك للفنون يسد فراغاً هائلاً في المجال التعليمي للفنون بأشكالها
في كلمةٍ تعريفيةٍ عن البرنامج، قالت الفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود، القيّم الفني على المعرض: «كان لي الشرف في أن أكون القيّم الفني لهذه الدورة من الإقامة الفنية. أنا مؤمنةٌ بالجانب التعليمي في الفن، ودور الإقامة في الإسهام بتطوير الأساليب الفنية والتبادل الثقافي المثري». مضيفةً: «ما تقوم به مسك للفنون يسدُّ فراغاً هائلاً في المجال التعليمي للفنون بأشكالها، وقد كان اختيار المقيمين من قبل مسك موفَّقاً سواء في تنوُّع التخصُّصات الفنية، أو خلفيات المشاركين».
تسجيلات فنية نادرة
الفنانة الكويتية هيا الغانم، ذكرت في حديثٍ خاصٍّ لـ «سيدتي»: «نحن اليوم في معرض إقامة مسك بنسخته الخامسة، وأنا هنا لأقدم مشروعي الفني الذي عملت عليه مع برنامج الإقامة طوال ثلاثة أشهرٍ، ويحمل اسم المصدر، ويعتمد على موادَّ فنية، تتضمَّن أول تسجيلاتٍ موسيقيةٍ في منطقة الخليج العربي، وتمَّ تصويرها في الكويت، والعمل عبارةٌ عن جزأين، هما أثر، وهي مجموعةٌ من المطبوعات بتقنية الطباعة الحريرية على شريط أفلامٍ لتشكيل لوحاتٍ متكاملة، وتأثير، وهو تركيبُ فيديو رقمي مقسَّم إلى ثلاث شاشات عرضٍ، وأشكر من هذا المنبر الإعلامي وزارة الإعلام الكويتية التي ساعدتني للحصول على هذه التسجيلات القديمة، إذ يعود تاريخها إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات الميلادية، ونرى من خلالها كيف كانت الفنون مزدهرةً، وكيف أنها، منذ القدم، طريقةٌ من طرق التعبير عن الثقافة، فمثلاً تظهر في أحد المقاطع الفنانة الكويتية الراحلة عائشة المرطة التي كانت من أبرز فنانات الخليج، ونطلق عليها اسم أم كلثوم الخليج».
تعرفي أيضاً على أسبوع مسك للفنون..عروض فنية لافتة من وحي الذاكرة والحنين
التحولات في البيئة المدنية
كذلك التقينا من الفنانين المشاركين في برنامج «إقامة مسك» الفنية اللبناني ضياء مراد، وهو مصورٌ فوتوغرافي وفنانٌ، تستهويه مشاهد الأبنية والتغيُّرات العمرانية، وهذا ما عبَّر عنه من خلال مشروعه. وفي حديثٍ لـ «سيدتي»، قال مراد: «شاركت في برنامج الإقامة الفنية لمساحة مسك الفنية بالرياض لتقديم مشروعٍ، يحمل اسم تقليد التغيير، ويتحدَّث عن التحولات في البيئة المدنية للمدينة في ظل رؤية 2030. المشروع يركز على أكثر من موقعٍ في المدينة، وهذه المواقع شهدت تغيُّرات في البيئة المدنية والعمرانية، لذا فمشروعي يجمع بين الذاكرة البصرية والذاكرة المادية للمواقع، ويقوم على توثيق المباني الموجودة والأحياء، وطباعة صور هذه المواقع على موادَّ وقطعٍ ناتجةٍ عن هدم هذه المباني».
وأضاف الفنان اللبناني: «برنامج الإقامة الفنية مع مسك، وفَّر لي فرصةً مميزةً للوجود في الرياض، وتقديم عملٍ مرتبطٍ بالمدينة، ويحكي عنها، كما قدَّم لنا دعماً من حيث ورش العمل والدورات التي تلقيناها، وكان الأمر مثرياً جداً، وتعلَّمنا تقنياتٍ جديدة، منها الطباعة الحريرية على الحجر، واستخدمت ذلك في قسمٍ كبيرٍ من مشروعي في المعرض».
فرصةٌ للتعلم وتبادل الثقافات
وتحدَّثت نورا الدخيل، وهي فنانةٌ سعوديةٌ معاصرةٌ ومصممة جرافيك، لـ «سيدتي» عن مشروعها ضمن برنامج «إقامة مسك» بالقول: «المشروع مقاربةٌ حديثةٌ لأسواق المزادات التراثية، كيف بدأت عام 1919، وكيف تطوَّرت، وتأثرت بوجودها في سوق الزل». وتابعت: «وجودي ضمن البرنامج شكَّل فرصةً عظيمةً للتعلم وتبادل الثقافات واكتساب مزيدٍ من الخبرات في المجال الفني، والتعرُّف إلى تقنياتٍ وطرقٍ فنيةٍ جديدة».
الفقدان الجمعي
الفنانة السعودية سارة المطلق، جسَّدت في مشروعها ضمن «إقامة مسك» الفنية مفهوم الذاكرة الجمعية، وعبَّرت عنه بطريقةٍ معاكسةٍ للدلالة على أهمية التدوين في حفظ تاريخ الأمكنة والشعوب. وذكرت المطلق: «مشروعي يتحدث عن حي الملز في الرياض، ويتمحور حول مفهوم الفقدان الجمعي، وهي فكرةٌ مضادةٌ للذاكرة الجمعية، وتقوم على كيفية فقدان المجتمعات والناس مجموعة ذكرياتها التي حدثت خلال حقبةٍ معينةٍ، أو في مكان تجمُّعٍ ما بسبب عدم التدوين، واستخدمتُ موادَّ مثل الورق والصحف، وخاماتٍ وجدتها في الموقع، وطبعاتٍ أخذتها من حي الملز، وأنتجت منها هذا العمل الفني».
من عالم الفن والإبداع نقترح عليك متابعة نظمه معهد مسك للفنون.. معرض «أحاديث الحنين»..تعزيز للمجتمع الإبداعي
توثيق ذكريات الطفولة
بينما حرص الفنان السعودي علي الموسى على توثيق ذكريات طفولته بطريقةٍ إبداعيةٍ مميزةٍ، تحدَّث عنها لـ «سيتي» قائلاً: «استمتعت كثيراً بالمشاركة في برنامج إقامة مسك العام الجاري، الذي يحمل موضوع العادات والتقاليد، والموضوع جذبني، لأنني أحببت أن ألقي الضوء على عاداتٍ وتقاليد مرتبطةٍ بي شخصياً، وكيف يمكن تقديمها من مفهوم أفكار طفلٍ».
وأضاف «المشروع حمل اسم هدف، ولخَّصت فيه ذكرياتٍ خاصة بطفولتي، حين كنت وأخي نزور مزرعة جدنا في القرية، ونمرُّ بين أشجار النخيل لنصل إلى هدفنا في نهاية المزرعة، وهو بركة السباحة، وهذا الانطباع الذي حاولت تجسيده هنا من خلال الطبعات الرقمية لشجر النخيل، والمجسَّم الأزرق في نهاية الغرفة، الذي يشبه بركة السباحة، واستخدمتُ ألواناً مرحةً وحيويةً، وانتهجت تعبيراً فنياً يدوياً ورقمياً، إضافةً إلى مجسَّمات 3D لشخصياتٍ كرتونيةٍ، ابتكرتها رقمياً، ثم نفذتها على شكل مجسَّمات».
سيكولوجية الشتات
وتحت عنوان «بديش أشبع»، جاءت مشاركة أريج قاعود في برنامج «إقامة مسك» الفنية، وحول العمل، قالت الفنانة الفلسطينية لـ «سيدتي»: «العمل مفاهيميٌّ عن سيكولوجية الشتات والسيكولوجية الطارئة والغربة، ويتضمَّن فيلماً ناتجاً عن الوقت الذي أمضيته مع المجتمع هنا، وتدور تفاصيل الفيلم في سياقٍ محددٍ، وهو السوبر ماركت، لأنني توصَّلت إلى نتيجةٍ من خلال حديثي مع الناس، أن الأكل، وشراء أغراضٍ، كان أهلنا يشترونها، أو نعرفها منذ الصغر، يشفيان حنينهم في الغربة». مضيفةً: «أخذت اللقطات في الرياض، كذلك الصور التي عرضتها، وهي صور أغراضٍ، أعطاني إياها الناس أثناء زيارتي أماكن مختلفة».
المساحة الفاضلة
في حين جاءت مشاركة الكاتبة السعودية ميس ياسر مختلفةً مع برنامج «إقامة مسك»، مبينةً في حديثها لنا، أنها «عملت على مشروعين، الأول هو نصٌّ مسرحي بعنوان المساحة الفاضلة، من منطلق المساحة، والمدينة الفاضلة لأفلاطون»، وقالت: «كما نعرف، استثنى أفلاطون من مدينته الفاضلة الفنانين والشعراء، لأنه يعدُّهم سارقين للأفكار، وليسوا مبتكرين، لذا أردت تقديم صورةٍ معاكسةٍ بأن الفنان له فضلٌ على الناس من خلال تقديم الرسائل الهادفة، والتعبير عن المشاعر والأفكار التي لا يستطيع الشخص العادي التعبير عنها. أما المشروع الثاني فكتابٌ، نشرت منه بعض النصوص على بطاقات عرضٍ».
وذكرت ميس: «التجربة كانت مختلفةً وجميلةً وممتعةً وثريةً ومليئةً بالمعلومات والتجارب الجديدة، وهذه أول إقامةٍ لي، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، خاصةً مع مسك التي أحبُّ دائماً أن أشارك في أعمالها ومشروعاتها».
إقرئي المزيد 13 مبدعاً ومبدعة من السعودية والعالم في إقامة "مسك" الخامسة في الرياض