من أعسر المواضيع المطروحة اليوم في المجتمع التونسي، والمحددة لنوعية العلاقة بين الأزواج، هو موضوع ميزانيّة البيت، التي أصبحت عاملاً أساسياً ومحدداً لاختيار الشريك، فأكثر الشبان التونسيين يختارون عند التفكير في الزواج فتاة موظفة؛ لمساعدتهم بمرتّبها وبدخلها المالي على تحمل أعباء المعيشة التي أصبحت هذه الأيام في تونس لا تطاق، فالنساء اليوم في تونس يشكّلن -على سبيل المثال- نحو 75 في المائة من الصيادلة، و30 في المائة قضاة، وأكثر من أربعين في المائة في التعليم، إلا أن القوامة تبقى من مسؤولية الرجل وحده، وأن فقه القضاء في تونس استقر على عدم تحميل الزوجة والأم واجب النفقة، باعتبار أن ذلك الواجب محمول على الأب فقط؛ بصفته رئيس العائلة، وأن الزوجة ليس عليها إلا المساهمة.
فالفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصيّة أشار إلى إمكانية أن تسهم الزوجة في الإنفاق إن كان لها مال، وعلى الزوج أن ينفق على الزوجة والأبناء على قدر حاله.
الأولى عربياً في الطلاق
ولأن تونس -حسب العديد من المصادر- أصبحت تحتل المرتبة الأولى عربياً والرابعة دولياً في نسبة الطلاق (مقارنة بعدد السكان)، فإن الكثير من علماء الاجتماع انكبوا على دراسة أسباب هذه النسبة المخيفة من قضايا الطلاق في المجتمع التونسي، وتبيّن أن هناك من الأسباب ما هو معلن عنها، وأخرى كثيرة مسكوت عنها، ومن بينها أن الكثير من الرجال يطلبون الطلاق؛ بسبب عدم قبول الزوجة الموظفة المساهمة بمالها في الإنفاق، وتم التأكد من خلال بعض قضايا الطلاق المعروضة على المحاكم التونسية أن بعض الأزواج يتقدمون بقضايا للطلاق متعللين بأسباب معلنة ليست هي دائماً الأسباب الحقيقية، وقد يكون من أسباب طلب الزوج الطلاق عدم مساهمة الزوجة في مصاريف البيت، لكنه لا يبوح علناً بهذا السبب المباشر؛ حتى لا يظهر بمظهر الرجل الطامع في أموال الزوجة، أو الساعي إلى الاستحواذ عليها، وهي صورة تَنزع عنه -بالمقاييس الاجتماعية السائدة- صفة «الرجولة»، ففي تونس لا يزال الرجل يستنكف ظاهرياً من أن تصرف عليه امرأة، ولكن الحقيقة أن الكثير من المشاكل داخل الأسر، التي تكون فيها المرأة عاملة، تدور حول مدى مساهمة كل من المرأة والرجل في الإنفاق، فهناك زوجات موظفات يؤكدن أنهن يتحملن بمفردهن الإنفاق على البيت؛ لأن أزواجهن يعولون عليهن، والعكس موجود؛ فالكثير من النساء الموظفات ينفقن كل راتبهن على ملابسهن وخصوصياتهن ولا يساهمن في ميزانية الأسرة.
القوانين والحقوق
ويرى بعض علماء الاجتماع في تونس أن المرأة التونسية اليوم تريد أن تتمتع بكلّ ما توفرها لها القوانين من حقوق، ومن أهمها حق التعليم والعمل، وما توفرها لها الحداثة من امتيازات ومكانة، وفي الوقت نفسه فإنهن يردن الاستفادة من الموروث الاجتماعي، ومن العادات الموروثة أن يكون الرجل هو المسؤول عن الإنفاق.
كما أن الرجل -وفق رأي عالم اجتماع- يسعى هو أيضاً من جانبه إلى أن يستفيد من وضعية الرجل التقليدي، ومن الدور الذي يمنحه له المجتمع التقليدي؛ حتى يبقى هو صاحب الكلمة الأخيرة والمتحكم في كل شيء في بيته، كما أنه الآن يرغب بشكل مباشر أو غير مباشر في الاستفادة هو الآخر من الحداثة، ويميل إلى أن تكون زوجته متعلمة، ويودّ أن تسهر على تربية الأبناء، وأن تكون عصرية في شكلها وتعاملها مع الآخرين، وأن تسهم أيضاً بمرتبها ودخلها المالي في الإنفاق على البيت.
وخلاصة الأمر -في تونس اليوم- أن المرأة من جهة والرجل من جهة أخرى يحاول كل منهما أن يغنم ما استطاع من مكاسب على الوجهتين التقليدية والحديثة. وفي هذا السياق فإن هناك أكثرية من الأزواج يحسمون هذه المسائل بشكل مُرضٍ؛ عن طريق الحوار والتفاوض بين الطرفين؛ لتنظيم حدود العلاقة وأشكال التصرف بينهما. في حين تشهد العلاقة بين الطرفين لدى قلة أخرى من الأزواج توتراً قد يفضي في بعض الحالات إلى فشل العلاقة.