يعدّ النجم حسين فهمي صاحب تاريخ فني كبير مرصع بالنجاح. أعماله التي سطّر بها اسمه في مجال الفن، لم تأتِ بمحض المصادفة، وإنما من خلال خطط مدروسة. كانت الموهبة حليفته وسلاحه الذي صعد به سلم المجد حتى صار النجم، أو كما يلقبه الجمهور «دنجوان الشاشة المصرية». قرار ابتعاده عن الدراما لم يأتِ بإرادته، فهو يرفض العمل الذي لا يضيف لمسيرته الفنية المتوهجة بعدد من الأعمال السينمائية والدرامية، لهذا كان دافع الوجود في الماراثون الرمضاني الماضي بمسلسل «سره الباتع» لم يأتِ من باب الظهور فقط وإنما لما للشخصية التي يقدمها فيه من دور تاريخي وحضاري ورسالة يريد إيصالها، خاصة أن جدوله الفني مزدحم بين السينما ومنصبه الجديد كرئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. «سيدتي» التقته في الحوار الآتي:
أودّ أن أعبر عن امتناني لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي على دوره في إثراء المشهد الفني في السعودية
بعد سنوات من الغياب عن الشاشة الصغيرة، ما الذي وجدته في «سره الباتع» دفعك لخوض عالم الدراما من جديد؟
المسلسل يجمع الكثير من عناصر التميز والتشويق، إذ تمثلت فيه جميع عناصر الجذب التي تضمن نجاحه، أو بمعنى أدق أنه لم يمر مرور الكرام على المشاهدين، فضلاً عن أن العمل مأخوذ عن رواية للكاتب الكبير يوسف إدريس، ما يؤكد أننا أمام عمل مهم يستحق المشاهدة.
عمل مهم
هل يمكننا القول إن «سره الباتع» بداية تصالح النجم حسين فهمي مع الدراما؟
ابتعادي عن الدراما لم يأتِ بمحض إرادتي، ولكن الذي كان يعرض عليّ لا يضيف لمسيرتي شيئاً، من المهم أن يحافظ الفنان على تاريخه وأن يكون جديراً بالثقة التي وضعها فيه الجمهور، وافقت على «سره الباتع» لأنه عمل مهم مليء بالحبكات الدرامية، التي تجعل منه مادة دسمة وثرية بالتفاصيل والأحداث.
كيف جاءت مشاركتك فيه؟
عبر المخرج خالد يوسف، فهو صديق شخصي ليّ، تحدث معي عن الدور ورأى أنني المناسب لتقديمه، وبعد اطلاعي على الورق تحمست كثيراً له خاصة بعد معرفتي أنه مأخوذ عن رواية للأديب يوسف إدريس، خاصة أن هذا النوع من الدراما افتقدناه، وهو الدراما الأدبية.
مستقبل الفن في العالم العربي مشرق، حيث يوجد الكثير من المواهب الشابة والمبدعة التي تستحق الاهتمام والتشجيع
الأدب يضيف للدراما
سنوات طويلة غابت فيها الأعمال الدرامية والمسلسلات المأخوذة عن أعمال أدبية. برأيك لماذا؟
لأن الأمر ليس سهلاً، أن تنجح في تقديم عمل موازِ للنص الأصلي في الرواية يحظى بالاحترام والمتابعة، يتطلب جهداً كبيراً ومغامرة أيضاً من جانب صُناع العمل، لأنهم يعون جيداً أن الجمهور لن يرحمهم في حال تقديم عمل أقل في المستوى عن الرواية الأصلية، وأتمنى أن يلتفت صُناع الدراما للأدب من جديد، خاصة أن الأعمال الدرامية المأخوذة من روايات لاقت نجاحاً كبيراً، مازلت أرى أن الأدب يضيف للدراما، نحن نمتلك ثروة أدبية كبيرة لماذا لا يتم استغلالها وتقديمها للجمهور في شكل مادة مصورة غنية بالتفاصيل والأحداث؟
المسلسل يستعرض مصر في ثلاثة عصور. هل رأيت أن المشاهد يستوعب فكرة المزج هذه؟
هذا يتوقف على حرفية الكاتب، وفي الحقيقة المخرج خالد يوسف كاتب سيناريو محترم، استطاع أن يمزج ثلاثة عصور بسلاسة بشكل لا يثير فيه تشتت المشاهد، فخور أني ضمن فريق مسلسل مهم مثل «سره الباتع»، الذي أرى أنه يعيد اعتبار الدراما التاريخية من جديد.
تجسد خلال أحداث العمل شخصية حقيقية، وهو عالم فرنسي يدعى كليمان. كيف كانت التحضيرات له؟
البحث سمة من سماتي، فأنا أحب أن أطّلع بنفسي على الشخصية التي أجسدها خاصة لو كانت حقيقية من لحم ودم، مع أن الورق الذي كتبه خالد يوسف مليء بالتفاصيل عن الشخصية، لكن بطبعي أحب النبش، كليمان هو أحد العلماء الذين حضروا مع نابليون بونابرت إلى مصر، وأحب مصر كثيراً وعاش ومات فيها.
وما الذي وجدته في كليمان؟
هذا الرجل كان عاشقاً لمصر، وقف ضد شعارات الثورة الفرنسية، وتصدى للإمبراطور الفرنسي، ورفض طلبه بأن يغادر أرض المحروسة ويعود لبلاده، وقرر العيش في مصر يدافع عن شعبها واستقلالهم.
غياب الدراما التاريخية عن الساحة أثار العديد من التساؤلات عن سر تجاهل صُناع الدراما لهذه النوعية من الأعمال، على الرغم من دورها في تعزيز الثقافة التاريخية والهوية العربية. كيف ترى ذلك؟
هذه النوعية من الدراما كي تخرج بصورة مشرفة ومضيئة، وتؤدي دورها في إثراء حصيلة المشاهد المعرفية والثقافية، تحتاج إلى تكلفة إنتاجية باهظة، بالإضافة إلى أنها تتطلب بحثاً طويلاً ومختصين يجيدون البحث والكتابة عن الأعمال التاريخية، ورأينا محاولات جادة لإعادة الدراما التاريخية للمشهد الدرامي من جديد، والفضل في هذا يرجع لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي استطاعت أن تعيد البريق والتألق للدراما بأعمالها الدرامية التي تناقش وتعالج قضايا بعينها.
وكيف وجدت الجدل التاريخي حول المسلسل؟
انقسام الآراء حول العمل هو في حد ذاته نجاح، وهو أمر اعتدنا عليه في الدراما التاريخية، التي دائماً ما تكون محل نقد وتشكيك للجمهور، فهناك مسلسلات تاريخية أخرى تعرضت لجدل كبير على سبيل المثال «الملك فاروق»، فعلى الرغم من إلمام مؤلفة العمل الدكتورة لميس جابر بالتفاصيل الدقيقة للعمل والشخصية، لكن انقسمت حوله الآراء، وفي «سره الباتع» لا يتناول المخرج خالد يوسف الحملة الفرنسية على مصر بحذافيرها، فهو أخذ جزءاً معيناً مرتبطاً بالسلطان حامد، وأراد المخرج أن يربط بين أزمنة متعددة بشكل سلس.
هل مسموح بإقحام الخيال في الأعمال التاريخية؟
حسب التناول والطرح والقصة كونها تسمح بدخول خيال المؤلف من عدمه.
يمكنك الاطلاع حسين فهمي ضيف شرف الدورة الـ 49 لمهرجان جمعية الفيلم
تحقيق التوازن
كيف تستطيع التوفيق بين عملك كفنان ومهام منصبك كرئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟
الفنان بداخلي لم يعطلني عن مهامي كرئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، خبرتي الطويلة والكبيرة في المجال ساعدتني على تحقيق التوازن، نحن نعمل على قدم وساق كفريق عمل لتقديم دورة متميزة تليق باسم مصر وتاريخها الفني، وأحرص على وجودي في كافة المهرجانات السينمائية العالمية لمعرفة آخر التطورات والمستجدات في المشهد الفني، في محاولة لتقديم وجبة سينمائية دسمة للجمهور والمحبين للسينما في المهرجان.
«يحيى» هو أحدث مشروعاتك السينمائية الذي كان يحمل اسم «الملحد». متى يرى النور؟
حتى الآن لم يتم تحديد موعد رسمي للعرض.
في النسخة السابقة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، عمد القائمون على المهرجان إلى معالجة وترميم نسخة فيلم «خلي بالك من زوز»، كيف استقبلت ذلك؟
بداية أودّ أن أعبر عن امتناني لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي على ما يقدمه من أفلام ذات قيمة ورسالة، وعلى دوره في إثراء المشهد الفني في السعودية، وإلقاء الضوء على النماذج المضيئة في مجال الفن، وسعيد أنهم اختاروا فيلم «خلي بالك من زوز» لعرضه في المهرجان بعد ترميمه، لأن هذا الفيلم تربطني به ذكريات عديدة، فقد استمر عرضه في دور السينما على مدى 53 أسبوعاً أي أكثر من عام، وهو ما لم يحدث لأي فيلم آخر على مدى تاريخ السينما المصرية.
وهل لك أن تقصّ علينا ذكرياتك مع الفيلم؟
المشاركة في بطولة الفيلم كانت حلماً وأمنية، كنت حينها خارج مصر، وفي طريق عودتي من مطار القاهرة إلى المنزل لفت انتباهي أفيش يحمل عنوان الفيلم، واسم المخرج حسن الإمام، وبمجرد وصولي إلى المنزل تلقيت اتصالاً هاتفياً من المنتج تاكفور أنطونيان وتمّ ترشيحي للبطولة، وافقت على الفور. وكان هناك كيمياء حلوة بين طاقم العمل، والكواليس كانت مليئة بالمواقف والذكريات الرائعة، أتذكرها وكأنها حدثت بالأمس القريب، رغم مرور 50 عاماً على الفيلم.
برأيك ما أسباب نجاح الفيلم وتربعه على العرش حتى الآن؟
الفيلم اجتمعت به جميع عناصر الجذب، فهو فيلم استعراضي غنائي، وفيه قالب درامي ورومانسية وتراجيديا، مع كوميديا خفيفة، فهو متعدد الحبكات الدرامية، ليرضي جميع الأذواق ويخاطب الجمهور بمختلف طبقاته.
ما هي المعايير التي تستند إليها في اختيار الأدوار التي تقوم بها؟
أستمدّ الإلهام من الحياة اليومية، والثقافة الشعبية، والفنون الجميلة الأخرى. أحاول دائماً البحث عن الجمال في الأشياء البسيطة والتعبير عنها بطريقة فنية.
كيف ترى المشهد الفني حالياً مقارنة بالزمن الجميل؟
كل زمن وله جماله ورونقه، السينما لابد أن تواكب العصر الحالي، وتجسد أحلام وتطلعات الجيل الجديد، أعتقد أن مستقبل الفن في العالم العربي مشرق، حيث يوجد الكثير من المواهب الشابة والمبدعة التي تستحق الاهتمام والتشجيع.
يمكنك الاطلاع بعد عرضه في مهرجان كان.. حسين فهمي يهنئ أبطال فيلم "وداعاً جوليا"