اتجهت السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة إلى شكل جديد للأعمال الفنية المعروضة للجمهور، والتي تنوعت بين الكوميدي والأكشن وحتى الدرامي من دون وجود الأعمال الرومانسية التي لطالما كانت «رقم واحد» على مائدة المواسم السينمائية منذ أول عمل فني رومانسي يعود لثلاثينيات القرن الماضي، والذي حمل اسم »معجزة الحب» للفنانة ثريا رفعت والفنان بدر لاما، فعلى الرغم من أنه عمل صامت قبل أن تدخل الصوتيات عالم السينما المصرية، إلا أنه كان فيلماً ذا طابع رومانسي، تمت إضافة بعض الأغاني الرومانسية إليه عقب طرحه بسنوات. والسينما المصرية قدمت بعد ذلك مئات الأعمال المنتمية لعالم الرومانسية، والتي كانت تنجح بشكل أولي قبل أن تتراجع وتصبح فكرة صناعة عمل رومانسي أمراً لا يفكر به صناع السينما في وقتنا الحالي. «سيدتي» تحدثت مع عدد من النقاد والفنانين الذين عاصروا جيل الرومانسية في الماضي، وكشفت العديد من الكواليس التي تسببت بتراجع الدور الرومانسي في الأعمال السينمائية.
المجتمع يحتاج إلى الرومانسية
الفنانة ليلى علوي، قالت إن المجتمع يحتاج إلى الرومانسية حتى تتغير أفكار الناس، ولابد من صناعة عدد كبير من الأعمال الرومانسية، التي يتم اختيار سيناريوهاتها بعناية جيدة، عبر مخرج واعٍ ومؤلف مخضرم وجيد الرؤية، لتصل هذه الأعمال للجمهور بالشكل الذي يحتاجه وبطريقة سهلة ومليئة بالتفاصيل الحياتية السعيدة أيضاً. وأشارت إلى أن الجمهور يحتاج إلى هذه النوعية من الأعمال التي تخطف القلب، وتجعله حاضراً في مكان راقٍ وجيد، والأعمال الرومانسية تعطيك أحاسيس متعددة، فتدخلك في أجواء حياتية لطيفة، والإنسان يحتاج إلى من يحنو عليه ويعطيه جرعة تفاؤل كبيرة، فالحب هو أسمى العبارات التي يحتاجها الإنسان ليحيا بشكل أفضل. وقالت: «لدينا الكثير من الفنانات اللواتي يستطعن تقديم مثل هذه الأعمال المميزة بشكل جيد، لكنهن يحتجن إلى السيناريو والتوقيت الجيد لعرض هذه الأعمال، بقصص حياتية جديدة ومليئة بالطاقة والمناظر المبهجة، فالأعمال الرومانسية اختفت بشكل كبير عن عالمنا السينمائي الساحر، لكن وجودها مهم ولابد أن تظهر على السطح بشكل أقوى ليعود الجمهور إلى قاعات السينما باحثاً عن الحب والدفء بأعمال مهمة تدخل قلبه بشكل مميز».
لا وقت للحب
ورأت الفنانة إلهام شاهين أن السينما هي مرآة للواقع، وأن الواقع الحالي أصبحت أحداثه مختلفة تماماً عن السابق، لافتة إلى أنه على سبيل المثال فترة الستينيات كانت كلها أفلام رومانسية، وكانت المشكلة الوحيدة الموجودة في ذاك الزمن هي فكرة أن الشاب يريد أن يعمل عقب تخرجه من الجامعة مباشرة، ولم تكن المشاكل بمثل ما هي موجودة حالياً، فحجم العقبات المجتمعية كانت أقل للغاية وكانت لا تذكر أساساً، حتى أن المشاكل نفسها في تلك الفترة كانت تتمحور حول الشاب، فبعد أن يجد العمل، كان يرغب في الزواج حتى أن البنت كان هدفها الزواج أكثر من التفكير في العمل على عكس ما يحدث الآن، فالأرض كانت خصبة ومليئة بالتفاصيل المريحة نفسياً، والضغوط فيها كانت أقل وهو ما جعل التفكير بالرومانسية وقتها متاحاً. وتابعت: «المشاكل الحالية أصبحت أكبر. فالأمر الآن أصبح من الجانبين. فكلاهما يبحث عن عمل، ويبحث عن كيفية تكوين البيت ليتزوجا، ويجدان صعوبة شديدة في ذلك. فالمشاكل أصبحت مختلفة، فإذا عدنا إلى الماضي لحقبة الستينيات مثلاً، لم تكن المشكلة في الزواج نفسه أو عمل الأشخاص، فكانت المشكلة في هذه الحقبة، هي فكرة زواج غني من فقيرة، أو فقير من غنية، وعلى الرغم من ذلك كانت هذه المشاكل تحلّ بشكل أو بآخر، لكن الوضع الآن أصبح مختلفاً تماماً». واختتمت شاهين قائلةً: «المشاكل الآن تطورت وتعدت فكرة الزواج من الأساس، فهناك مشاكل العنف والإرهاب والمخدرات، وهذه الأشياء لم نكن نسمع عنها في الستينيات، فالواقع مختلف، والحروب التي حولنا أصبحت في كل مكان، ولعل مشاكل اللاجئين أيضاً من المشاكل الكبيرة في الواقع، لأنهم أصبحوا مضطرين للعيش خارج بلادهم، فالمشاكل أصبحت سياسية، بجانب المشاكل الاقتصادية التي أصبحت كبيرة للغاية، وبما أن السينما تنقل الواقع، وهي مرآة للواقع، فقد أصبحت بعيدة عن الرومانسيات، إذ لا يوجد وقت للرومانسية، والناس أصبحوا يعدّونها رفاهية، وأن في الحياة مشاكل أكبر بكثير من قصة حب».
يمكنك أيضاً الاطلاع أبرز الأفلام السينمائية التي تحولت إلى مسلسلات
المجتمع تحوّل عن مساره الطبيعي
الفنان القدير حسن يوسف، الذي عاصر حقبة الأفلام الرومانسية وقدم العديد منها في الماضي، أكد أن الأعمال السينمائية التي كانت تحتوي على الجانب الرومانسي في الماضي كثيرة للغاية، وكان ينتج أعمالاً رومانسية بشكل أساسي في كل موسم سينمائي، لكن حالياً ليس لها أي وجود يذكر كالسابق في السينما، وتابع: «أعتقد أن كل هذا حدث تزامناً مع شكوى الناس من غلاء الأسعار وجشع التجار، فالناس أصبحوا يجرون خلف لقمة عيشهم، وأصبحت الرومانسية غير موجودة، فلا يوجد لديهم وقت للتفكير فيها بكل أشكالها». ولفت الفنان حسن يوسف إلى أن في الماضي كانت الحياة أسهل، ومعاناة الحياة اليومية لا تُرى لقلتها، فكان الناس لديهم الوقت للحظات الرومانسية، ووقت للحب، وسماع الموسيقى الكلاسيكية، والأغاني العاطفية، وغيرها من الأمور التي عايشناها في الماضي، وهذه الأمور كانت حالة عامة في عقول وقلوب جميع الناس، فراحة البال وقتها كانت ظاهرة في وجوه البشر، قبل أن نصبح في عصر أسرع وتفاصيله مختلفة». وتابع «الولد الشقي»، وهو أحد ألقاب الفنان حسن يوسف، أن الوضع الحالي مع الغلاء وجشع التجار جعل الحالة مختلفة، والتفكير في الجانب الرومانسي أمر غير موجود بالمرة، وهو ما أثر بالضرورة على المؤلفين فهم بشر ويتأثرون بالحالة العامة، التي تجعلهم لا يشعرون بالأمور الرومانسية بشكلها التقليدي الذي عشناه في الماضي، وتحولت كتابتهم لأمور ومفردات أخرى تأثراً بمعطيات المجتمع والفترة الجارية، كذلك الحال مع المنتجين. فالمنتج في الماضي كان يقدم الفيلم الرومانسي ويعلم أنه سيكون هناك إقبال عليه، لكن في الفترة الحالية أغلبهم أصبح متخوفاً من عدم تقبل الجمهور للفكرة، ومن ثم يخسر ما دفعه من أموال يعمل من أجلها، وهو ما جعل المنتجين يهربون من هذه الفكرة، ويقدمون أعمالاً أخرى تميل للأكشن ليسير على الموضة، التي من ضمنها موضة الفنان محمد رمضان.
صناعة أعمال كوميدية
وأشار يوسف، إلى أن المنتجين أيضاً اتجهوا نحو فكرة صناعة أعمال كوميدية تتناسب مع هموم الجمهور، من دون التفكير في صناعة عمل مختلف ينتمي للأعمال الرومانسية والتي تعيش أكثر مع الجمهور، فمن منا لا يحب الحب، لكن أصبح تقبل هذه الأعمال الآن لا يتناسب مع الواقع، ولفت يوسف، إلى أن هناك أعمالاً رومانسية قديمة ذات قيمة كبيرة لاقت تفاعلاً مع الجمهور لسنوات عديدة مثل «بين الأطلال»، و«دعاء الكروان»، متسائلاً هل يستطيع الجمهور أن يتأثر بمثل هذه الأعمال في وقتنا الحالي؟
أسباب مجتمعية
قالت الناقدة ماجدة موريس إن الأسباب التي جعلت الأعمال الرومانسية تختفي بهذا الشكل هي أسباب مجتمعية بحتة، فالأفلام في الخمسينيات كان المجتمع خلالها مختلفاً بكل قيمه الأصيلة، فكانت هناك فكرة العائلة والتي كانت أهم ما يميزها عنصر الصداقة بين كافة شخصياتها، ومسألة المحبة، ومسألة الحفاظ على الآخر في كل شيء، واحترامه، واحترام النفس. فكان كل هذا موجوداً إلى جانب طبعاً العلاقات العاطفية التي كان فيها نوع من الوقار والاحترام. وعلى هذا الأساس، كانت تنتهي غالباً باجتماع الأسرتين ويقومون بالاتفاق وتنتهي المسألة بالزواج وتكوين أسرة جديدة، مثلما رأينا في أفلام مهمة في تاريخنا السينمائي مثل «أم العروسة» وغيره. كما أن المجتمع نفسه في الماضي، لم تكن توجد فيه مشاكل أسرية كبيرة تذكر، وإذا حدثت كان يلجأ الطرفان إلى أسرتهما لحل هذه المشاكل بطريقة هادئة وفيها الكثير من المحبة والسلام، لكن الوضع الحالي أصبح سيئاً والعلاقات الزوجية والأسرية أصبحت مشاعاً للجميع، وهو ما جعل حال المجتمع كله يتغير. وبالضرورة تأثرت السينما بمثل هذه الأمور التي لم تكن موجودة في الماضي.
يمكنك مشاهدة بالفيديو.. الكوميديا تنتصر بـ أفلام صيف 2023
الفترة الحالية أصبحت مختلفة
بداية قالت الناقدة ماجدة موريس: «إن الفترة الحالية أصبحت مختلفة، ولم تعد مبنية على الأسرة والترابط ومحاولة حل المشاكل بالطرق التقليدية باللجوء إلى الأم والأب، فأصبح الابن أو الابنة لا يلجآن لوالديهما لحل المشاكل، وأصبحت نصائحهما غير مجدية وغير مهمة بالنسبة لهما». وتابعت الناقدة ماجدة موريس: «في الوضع الحالي أصبح الأصدقاء والتكنولوجيا والسوشيال ميديا هم المؤثرون على خطوات الأفراد وحياتهم، من دون أي خبرة أو وعي يذكر، ومن دون الرجوع بأي شكل من الأشكال للعائلة أو حتى العاطفة، لافتة إلى أن الزمن أصبح مختلفاً تماماً عن سابقه، فعندما كانت تصنع الأعمال الرومانسية التي نعيش معها إلى وقتنا الحالي، كانت كل هذه القواعد تطبق بشكل طبيعي وبنسبة 100%. لكن الوضع الآن تغير وتغيرت المفاهيم. بالتالي أصبحت فكرة الرومانسية في حياتنا منعدمة تماماً، وغابت مشاعر السلام والمحبة بين البشر، وبالتالي أصبح المؤلفون يسيرون على النهج نفسه، وتفكيرهم بالجانب الرومانسي أصبح غير موجود بالمرة».
ماجدة موريس: ممثلة بمستوى منى زكي، أو دنيا سمير غانم، لديها القدرة على تقديم كل الأعمال
نجوم الجيل الحالي
وأكدت ماجدة أن الإيمان بالروح وبالمحبة أصبح معدوماً، فكيف ستكون هناك رومانسية، وكيف تصنع في مجتمع مليء بالمشاكل الأسرية، كذلك المنتج نفسه لا يستطيع أن يغامر ويقدم أعمالاً رومانسية، فعقلية الجمهور التي يعيش بها الآن ستجعله يضحك على ما يقدمه المنتج نفسه وسيعدّونه «دقة قديمة»، على الرغم من أن هناك فنانات يستطعن تقديم الجانب الرومانسي على أكمل وجه ممكن. واستكملت قائلة: «الفنان الموهوب أو الفنانة الموهوبة يمكن أن يقدما كل شيء، فممثلة بمستوى منى زكي لديها القدرة على تقديم كل الأعمال، كذلك دنيا سمير غانم لديها القدرة ذاتها، أي أن لدينا ممثلات متميزات، بمقدورهن أن يعدن بنا إلى زمن الرومانسية بشكله الكلاسيكي الجميل». وأضافت: «إن نجوم الجيل الحالي قدموا الأشكال الرومانسية بطريقة رائعة، ولعل منى زكي خير دليل على ذلك، لكن في الماضي كان الوضع مختلفاً وليس مشابهاً للوقت الحالي».
لسنا في زمن الرومانسية
من جانبه، أكد الناقد الفني طارق الشناوي أن فكرة اختفاء الأعمال الرومانسية أمر طبيعي في ظل احتياج الجمهور لأعمال مختلفة تنتمي أكثر للأكشن والكوميديا، فالسوق السينمائي يعتمد في الأساس على توجهات الجمهور. وهذا يعبر عنه من خلال الإيرادات وشكل الأفلام التي تجد قبولاً لدى قاعدة الجمهور الأكبر، حيث أصبح الفنان والمنتج يفكران بالتبعية نحو الأعمال التي تأتي بالإيرادات الأكبر وهي غالباً أعمال الأكشن والكوميديا، حتى إن الأعمال الدرامية المبنية على قصص حقيقية من الواقع أصبحت غير موجودة بشكل كبير، لعدم تقبل الجمهور لأعمال بمثل هذا الشكل. وقال الشناوي، إن السوق التجاري والتفكير في المغامرة فيه أصبح قليلاً جداً، وهذا ما جعل صناعة عمل رومانسي غير موجودة بشكل شبه كامل، لذا فالتفكير في اتجاهات السينما الآن أصبحت غير معتمدة على المنتج المغامر، فالسوق والجمهور هما من يحددان طبيعة الشكل المعروض، فصانع العمل أصبح يفكر هذه الفترة فيما هو ناجح ليقوم بتقليده، بعدما رأى الجمهور يتجه إلى هذه الأعمال». وأكد الناقد الفني، أن فكرة تلاشي الجانب الرومانسي تعدت مرحلة الفنان نفسه، فهناك مطربون اتجهوا للتمثيل وأحبهم الناس بفضل أغانيهم الرومانسية، أصبحوا يتجهون لصناعة أعمال كوميدية مثل الفنان تامر حسني، فكان في السابق يقدم أعمالاً رومانسية على شاكلة »عمر وسلمى»، لكنه الآن أصبح يظهر بأعمال كوميدية أكثر منها رومانسية، فالتوجه العام هو ما جعل فكرة صناعة عمل رومانسي أمراً غير موجود بالمرة.
يمكنك أيضاص الاطلاع على أفضل الأفلام الرومانسية التي عبرت عن الحب في أسمى معانيه