بجهود فنانين معاصرين، لم يظل الخط العربي حبيس الكتب والمتاحف، والتراث بصورة أشمل، بل هو يتجدد بطرق كثيرة، ويرافقنا في يومياتنا ويجمّل منازلنا ويتوافر على «الموبايلات» والألواح الذكية أي هو يواكب التقنية.
إياد نجا فنان معاصر مهووس بالخط وجمالياته وبكيفية تقديمه بصور محدثة، بالاتكاء على البحوث والتقنيات الصناعية، كما رؤيته الفنية. كان المصمم والفنان نال شهادة البكالوريوس في التصميم الجرافيكي من الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت LAU قبل العمل في مجال الإعلانات وتأسيس شركة للتصميم من نشاطاتها الرئيسة تسليط الضوء على الخط العربي، ثمّ نيل البكالوريوس في الفن والعمارة الإسلامية.
تصاميم نجا معروفة وجذابة وتحاكي العين؛ ليس الخط فيها عنصر يزوقها، بل هو أساس لها. من بين «التحف» المشهورة بتوقيع نجا، طاولة منقوشة بالنحاس ومدون عليها بخط الثلث عبارة «عشرة لن ننساها فأنتم من صانها وأحياها» حلت في «إكسبو 2020» بدبي، ووضعت في اللقاء الذي جمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني.
في لقاء مع «سيدتي»، استُهِل بسؤاله عن طريقة العمل، عند الشروع في صنع أي عمل فني (أو قطعة ديكور) عماده الخط العربي؛ هل يختار الفنان الخط أوّلاً أم العبارة المراد كتابتها أم الخامة التي ستحضنها؟ يُجيب أن «الكتلة (المساحة المتاحة للكتابة على الخامة) مُقرّرة لنوع الخط المستخدم، وإلا يمكن أن تدون العبارة بصورة دائرية وليس مستقيمة على الخامة. لكن، في أحيان أخرى، يتقدم الخط الكتلة، كاختيار الكوفي الخط الأول في التاريخ الفني الإسلامي، والقادر على الإيحاء بطابع مُعاصر من صاحب المنزل الذي أسس منزله وفق الطراز المعاصر أو «المينيماليست». قد يختار آخر الخط الثلث أو النستعليق، في حالة الطابع الفني أو التقليدي». ويزيد: «تحل العبارة في المرتبة الثالثة على الدوام، فإذا كانت عديدة الكلمات، فيما الكتلة صغيرة، سيفتقد العمل إلى أي غنى ويبدو غير متوازن، لذا أقلل عدد الكلمات أو أحرّر العبارة المرغوبة حتى تدل على المعنى ذاته عبر كلمات أقل، وذلك حتى يصبح الكلام موزوناً». ويُضيء الفنان والمصمم على نقطة مفادها أنه من الطبيعي أن يسعى الناظر إلى العمل إلى أن يقرأ العبارة المدونة، إلا أن الرؤية الفنية بحسبه تتقدم ذلك أي كيف تخاطب القطعة العين وتحيط بالكلام؟
تجربة الفنان تدور حول نقل الخط العربي من طابعه التراثي وجعله يواكب اليوميات والحداثة
أنواع الخط
في الرد على السؤال عن الخطوط العربية الشائعة في الاستخدام في أعماله الفنية، سواء كانت الثلث أو النستعليق أو الكوفي أو غيرها أم هو ابتكر خطّاً جديداً، يقول: «الديواني والكوفي والثلث والنستعليق خطوط أكتب بوساطتها العبارات على أعمالي، فكل منها مساعد في إبراز رؤيتي بطريقة ما»، مضيفاً أن «الثلث مناسب للعبارة التي تحل داخل قطعة ذات شكل هندسي (مربع مثلاً، أو دائرة)، لتبدو الحروف كأنها «مغزولة» أو «محاكة»، أما الكتابة بخط النستعليق فتتطلب حضور كتلة حرة غير مؤطرة، لتبدو الحروف كأنها «تطير». الكوفي، بدوره، مناسب ليحل داخل أي شكل هندسي، كما بصورة حرة لأن الأحرف تمتلك زوايا حادة». الجدير بالذكر أن نجا ابتكر، مع فريق عمله، خطّاً، وهو يصف الأخير بأنه «يبدو كأنه يخترق الجماد ومتأثر بروح كل من الثلث والنستعليق». يرى الناظر إلى هذا الخط كأنه كتلة أحد طرفيها مفتوحاً والآخر مغلقاً.
من عالم الديكور نقترح عليك قراءة اللقاء مع المصممة الداخلية والفنانة الإماراتية مريم السويدي: أعشق تقديم الفن الإسلامي في شكل معاصر
النحاس
عن اختيار المواد التي تبدو في أعمال الخط، يقول إنه «عُرف بتصاميمه المعدة بالنحاس الأصفر والأحمر و«الستاينلس ستيل» الشبيه بالفضة وتقنية PVD أي الترسيب الفيزيائي للبخار لجعل المواد مضادة للعوامل الخارجية»، ويضيف أنه «قد يدمج إحدى المواد المذكورة آنفاً بأخرى ثانوية، مثل: الرخام أو الخشب أو الأسمنت». اختيار المعادن والتحكم في علاجها بتقنية محددة يميزان الفنان، كما الألوان؛ يقول: «أنا مصمّم ومدير إبداعي، أوجه العمل منذ أن يكون فكرة تدور في خاطري حتى التنفيذ. مع حسن اختيار فريق العمل الموهوب أقرب بصورة أسرع إلى الهدف أي جعل فكرتي فنّاً قائماً، الأمر الذي قد يستغرق أشهراً».
الخط العربي «حي» ودائم التجدد
بعيداً من الصور النمطية
وعن مدى اهتمام العامة بالخط العربي، يقول إن «الأخير، في بدء اشتغالي به، كان يوظف بطريقة حِرفية أو تاريخية أو هو مجرد خط جميل يكتب عبارة أو آية مؤطرة على الحائط في المنزل. لذا، قررت خوض التحدي المتمثل في تعريف الجيل الجديد عن المزيد عن غنى تراثه وأهمية الخط العربي، بعيداً من التعامل مع الأخير، وفق الصور النمطية والقديمة، بل جعل الخط يرافقنا في يومياتنا لإبراز جمالياته أي ألا يظل حبيس المتاحف». ويضيف «وظيفتي هي نزع التخيلات المرافقة للخط العربي والحرص على أن يُتداول به، وإخضاعه لبحوث واستخدام تقنيات صناعية حتى يستمر بصور حديثة».
الخط «حي» يُعبّر عن ثقافة غنية، وعلى الرغم من قدمه ظل يتجدد، وهو سيصمد في عالم التقنية، بحسب الفنان لأن هناك أعمال بالجملة في العالم المعاصر التي تسيطر التقنية عليه قد يؤديها الخط، سواء منحوتات بوساطة الخط تراعي العالم الرقمي ليأخذ الفنان في الاعتبار كيف ستظهر في «الموبايل» أو الخوارزميات أو في عالم الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والمعارض الافتراضية. نجا يجهز معرضاً افتراضيّاً من «بطولة» الخط العربي.
قد يهمّك أيضًا، الاطلاع على في أسبوع دبي للتصميم الفنان الإيرلندي Joseph McKeever: أعتمد الأنماط الإسلامية والخط العربي في أعمالي
___