يترقب المجتمع السعودي وسط حالة من الجدل بين مؤيد ومعارض صدور قرار لإغلاق محلات التجزئة في تمام الساعة التاسعة مساء بدلاً من امتدادها إلى الحادية عشرة والثانية عشرة بعد منتصف الليل، مع استثناء المطاعم والصيدليات ومحال المواد الغذائية التي تمتلك رخصة البيع لمدة 24 ساعة من القرار، وذلك وفقاً لدراسة تقدمت بها جهات حكومية سعودية، والمرفق بالنقاط الإيجابية المتوقعة في حال تنفيذه.
«سيِّدتي» بدورها أجرت استطلاعاً على القرار وخرجت بالآتي:
بداية يشير الدكتور نمر السحيمي إلى أن من أهم ثمرات القرار هو أنه يتوافق مع توجهات وأنظمة العمل فيما يخص السعوديين والسعوديات، ويساوي العاملين في القطاع الخاص بغيرهم من العاملين في القطاع العام، إضافة إلى أنه استثمار للوقت والطاقات، وتصحيح للكثير من السلبيات والأخطاء باعتبارنا مجتمعاً مسلماً يحقق مفهوم الآية القرآنية التي جعلت النهار معاشاً والليل سباتاً، كما أنه سيخفف من الزحام المروري والضوضاء والتوتر في الشوارع، وسيفسح المجال لسيارات الإسعاف والدفاع المدني والأجهزة الأمنية وغيرها من الجهات ذات الاختصاص؛ للوصول بسهولة وأداء مهامها على أكمل وجه، بشرط أن تكون ساعات العمل ثماني ساعات يومية، حسب ما هو متبع عالمياً.
وترى الكاتبة والإعلامية القديرة مريم الغامدي أن أي قرار يحمل التغيير في المجتمع لابد أن يجد في بدايته الاعتراض، ثم ما يلبث أن يتقبله المجتمع ويتكيف معه، وتضيف الغامدي: «هذا القرار تحديداً كنا ننادي به منذ زمن بعيد؛ لما له من الأبعاد والإيجابيات التي لمسناها من خلال وجودنا في دول الخارج، ولعل من أهمها استمرار افتتاح المحلات في فترة الظهيرة، وهو ما سيجذب عدداً من الفئات، خاصة فئة ربات البيوت؛ لاستغلال هذا الوقت في قضاء احتياجاتهن بشكل مبكر لا يتعارض مع مهامهن الأسرية، ومتابعة دراسة الأبناء في الفترة المسائية، إضافة إلى التقليل من الزحام الذي تشهده الطرق والمحلات مساء، ولا شك أن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على العائد المادي لتلك المحلات».
• إنصاف العاملين
وفي الإطار ذاته، ترى سيدة الأعمال لمى يونس أن من الإيجابيات الأخرى للقرار في حال تطبيقه تقليص ساعات العمل بدلاً من امتدادها إلى ساعات متأخرة من الليل، وسيعمل ذلك على الإسهام في زيادة إقبال السعوديين والسعوديات للعمل في القطاع الخاص وإدارة المحلات التجارية، إضافة إلى إتاحة الفرصة للباعة لمزاولة حياتهم الاجتماعية بشكل طبيعي والقيام بالأنشطة الرياضية، أما للمعترضين على القرار بحجة عدم مراعاته للموظفين في بقية القطاعات، والذين تمتد ساعات عملهم لوقت متأخر، ولن يتمكنوا من تلبية احتياجاتهم، فيمكن السماح للمحلات في عطلة نهاية الأسبوع العمل لأوقات إضافية من ساعة إلى ساعتين لحل هذه الإشكالية.
• يوم التسوق والترفيه
ولا يؤيد نواف المغامسي، طالب في كلية التربية الفنية بجامعة أم القرى، إغلاق المحلات بشكل مبكر، ويبرر ذلك بقوله: «إن غالبية الناس ونتيجة الانشغال بالوظائف أو ظروف دراسة الأبناء، يفضلون تأجيل عملية التسوق إلى إجازة نهاية الأسبوع، حيث يتم استغلال يوم الإجازة بالذهاب إلى مراكز التسوق والمجمعات التجارية لشراء احتياجات المنزل، إضافة إلى قضاء جزء من ذلك الوقت في الترفيه عن الأبناء في المدن الترفيهية التي تحتضنها تلك الأسواق، واختتامها بتناول وجبة العشاء».
• مشكلة موظفين
فيما تؤيد عواطف خوجة إغلاق المحلات بشكل مبكر؛ مراعاة لظروف الموظفين والموظفات الذين تمتد ساعات عملهم إلى العاشرة مساءً، ما يحرمهم من الحصول على احتياجاتهم من تلك المحلات، لذا حبذا لو استمر العمل في المحلات التجارية من الثامنة صباحاً وحتى التاسعة دون توقف، مما يسهم في إعطاء فرصة أكبر لهؤلاء الموظفين.
• حرارة الأجواء
وتتوقع هلا العنزي، مالكة مشغل نسائي، عدم تطبيق القرار، وأن يكون مصيره الفشل في حال تطبيقه؛ نتيجة الأضرار والخسائر التي سيتكبدها أصحاب المحلات التجارية، ومن وجهة نظرها أن تقليص ساعات التسوق لا يتماشى مع عادات المجتمع السعودي؛ الذي يميل للسهر إلى ساعات متأخرة من الليل».
• الرأي الاقتصادي
ويعتقد عبد الحميد العمري، المحلل الاقتصادي، أن تطبيق القرار سيؤدي إلى إحداث وتصعيد المشاكل بطريقة أو بأخرى من دون وجود حلول بديلة في الوقت القريب، ومنها: زحام الشوارع كنتيجة طبيعية لتقلص فترة التسوق، وبالتالي افتقاد خاصية المرونة للخروج للأسواق في أوقات متباعدة، مما سيؤدي إلى ضغط على الشوارع، مع عدم توافر الحلول والبدائل الأخرى للنقل.
ومن جهة أخرى سيؤدي القرار في حال تطبيقه إلى انخفاض في نسبة دخل المحلات لفترة من الزمن، ولكن لاحقاً ستعود الأوضاع كما هي مع تكيف المتسوقين على الوضع، واجتهاد التجار في إيجاد الحيل البديلة لمعالجة المشكلة.
ويضيف العمري: أما من يرى أن للقرار إيجابيات من حيث زيادة نسبة العمالة الوطنية التي تعمل في هذه المحلات، وتحديداً محلات التأنيث النسائية، وما سيجدنه من تقليص ساعات العمل الذي كان يمتد لوقت متأخر، ويعرضهن لمخاطر أمنية، فنقول لهؤلاء: «لم تكن هناك مشاكل بالأصل، حتى مع زيادة ساعات العمل إلى وقت متأخر، وإنما هي ذريعة للدفع بالسعوديات اللاتي دفع في تعليمهن المليارات من الريالات، فقط من أجل زيادة نسبة السعودة والتوظيف، ومن دون النظر للخسائر التي يتكبدها قطاع التجزئة».
ويشير العمري إلى ضرورة الالتفات إلى نقطة مهمة؛ وهي أن الأسر السعودية والمقيمة تتجه للأسواق ليس للتسوق فحسب، بل باعتبارها المكان الأول والوحيد للعائلة في ظل انعدام الوسائل البديلة من مسرح وسينما وسياحة.
• الرأي الاجتماعي
تؤكد الاختصاصية الاجتماعية سلوى العريكان أن تغيير مواعيد إغلاق المحلات التجارية من الطبيعي أن يلقي بظلاله في إعادة تشكيل الحياة الاجتماعية في السعودية، وإعادة ترتيب الأوقات المفضلة للتسوق لدى كثير من النساء، اللاتي عادة ما يفضلن القيام بذلك في الفترة الصباحية أو بعد صلاة العشاء، إذ لن يكنَّ مضطرات حينها إلى قضاء مزيد من الوقت والانتظار إلى حين إغلاق المحلات وإعادة افتتاحها لحين أداء الصلوات، ولاشك أن في ذلك الكثير من الأضرار، ومنها: تكدس النساء أمام أبواب المحلات وفي الشوارع لحين معاودة تلك المحلات للعمل.
وتشير العريكان إلى أن نجاح هذه التجربة يعتمد بالدرجة الأولى على طريقة التطبيق، فمن المناسب أن يكون افتتاح المحلات من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساء، مما سيسمح باستغلال الوقت الذي كان يتم فيه إغلاق المحلات في الفترة ما بين صلاة الظهر إلى العصر، كما هو الحال في شهر رمضان المبارك، حيث تفضل النساء التسوق في تلك الفترة؛ تفادياً للزحام الذي تشهده الشوارع والأسواق خلال الفترة المسائية.