يقول ابن قيم الجوزية: "اعلم أن حاجتك إلى أجر الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه"، ربما لو تعرّف الناس إلى مكنون هذه العبارة لتحول العطاء إلى متعة لا تضاهيها متعة أخرى، لكن الإشكالية قد لا تكون في الشخص المعطاء بقدر ما تكون في الشخص الذي تعود العطاء، وكأنه حق خالص له حتى إذا تغير هذا العطاء لظرف ما تغيرت المعاملة.
من المؤكد أنّ العطاء من دون مقابل سلوك إنساني كبير تمثل بصورة ناصعة في سلوك الأنبياء عليهم السلام، وبقدر ما يمارسه الفرد منا بقدر ما ترتقي مكانته الإيمانية، ولكن طبيعة العصر الذي نعيش فيه ومتطلباته المتناثرة بكل الاتجاهات تجعل الصمود في التمسك بتلك الممارسة الفاضلة أمراً شديد الصعوبة، لكن المسألة تبقى نسبية بين الأفراد كل حسب قناعاته ودرجة إيمانه.
"سيِّدتي نت" يستطلع بعض الآراء حول الموضوع.
بداية تقول المذيعة أماني السماوي: "إن العطاء الغير مشروط هو أسمى أنواع العطاء وأكثرها روعة لتهذيب النفس وصقل الصفات الحميدة لدى الإنسان، وأتمنى أن أصل فعلاً لهذه الدرجة من العطاء، ولكن المشكلة تكمن بأننا بعد فترة من العطاء نصل لنقطة اصطدام، إذ يتحول العطاء الخيري إلى واجب ومسؤولية، وما أن يتوقف المعطي عن هذا العمل يقابل رفضاً وتمرداً وغضباً"، مبينة أنّ أكثر أنواع العطاء إلزاماً وإرهاقاً هو العطاء للأبناء.
في حين يرى الموظف عبد الله القوزي أنّ العطاء يجلب الحرج لصاحبه في كثير من الأوقات، ويقول: "اعتاد أحد أقاربي على أنه عندما يطلب مني أي مساعدة تكون وبتوفيق الله مسهلة وموجودة، لكن في إحدى المرات لم تكن كذلك، فكانت النتيجة أنه ظل يتهمني بأنني لا أريد مساعدته، رغم أنني أوضحت له الأمر لكن من دون جدوى".
فيما قررت إحدى المعلمات السعوديات والتي تدعى سما عبد الله استرداد قيمة عطائها المستمر لمدة 20 عاماً، حيث كانت تنفق على زوجها الفقير دون مقابل، وقامت بدفع قيمة تعليمه وأسفاره، حتى بعد توظيفه كانت هي من تنفق على البيت، وعندما وجدت نتيجة عطائها له زواجه من أخرى انهارت وقررت رفع قضية لاسترداد قيمة ما أنفقته عليه بلا فائدة.
الرأي النفسي:
يخبرنا الطبيب والمستشار النفسي الدكتور ظافر القحطاني عن التحليل النفسي للموضوع قائلاً: "يختلف شعور الشخص المعطاء وفقاً لتصوره وهدفه مما يقوم به من عطاء، فإذا كان هذا الشخص يمارس العطاء من أجل حاجة نفسية لكسب رضا الناس والظهور الاجتماعي فإنّ الأمر يكون بالنسبة له منفعة مشروطة تحقق مكاسب معينة، لذلك في حال تغير هذا الرضا أو حدوث أي تغير في ردة فعل المحيطين تجاه عطائه يشعر بالاستنزاف والاضطهاد وعدم التقدير، أما الشخص السوي الذي يعطي لوجه الله دون النظر للمقابل ولردود الأفعال فإنّ نفسه تكون هادئة لا تتأثر ولا تتعب لتغير ردود الأفعال".