لطالما كان الفن هو المعبّر الحقيقي عن الإنسان بمختلف أفكاره وقضاياه ونظرته إلى الحياة، وعلى الرغم من اختلاف الأدوات الفنية، سواء السينما أو الموسيقى أو المسرح، ظل الفنانون على مدار التاريخ الإنساني يعبّرون من خلال أدواتهم الفنية عن كل ما يخص الإنسان، وكانت من أبرز القضايا العربية والإنسانية التي عرضها وناقشها الفن العربي هي القضية الفلسطينية بكل ما تحمله من تفاصيل ومعاناة عاشها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 وحتى الآن. وكان الفن صادقاً في نقل كافة المشاعر والتفاصيل الخاصة بالقضية إلى العالم، من خلال السينما والموسيقى والمسرح، وهذا ما نستعرضه في هذا التقرير.
السينما العربية تتحدث عن فلسطين منذ 1948 وحتى الآن
«فتاة من فلسطين»
منذ نكبة عام 1948، اهتمت السينما العربية والمصرية بشكل خاص بتقديم القضية الفلسطينية إلى الجمهور بكافة تفاصيلها. وبدأ الاهتمام بذلك منذ اندلاع حرب فلسطين في عام 1948. ومن أبرز تلك الأفلام فيلم «فتاة من فلسطين»، من إنتاج العام نفسه، وبالطبع جاء مغلّفاً بغطاء رومانسي مستعرضاً القضية الفلسطينية خلال أحداثه التي دارت حول ضابط طيار يُشارك في حرب فلسطين، إلا أنه يتعرض لحادث يتم من خلاله سقوط طائرته في الأراضي الفلسطينية، ويُصاب داخل إحدى القرى. تعثر عليه فتاة فلسطينية تُدعى «سلمى» لتستضيفه في منزلها الذي يكتشف فيما بعد بأنه مقرّ للمقاومة. وبذلك يستعرض الفيلم كفاح الشعب الفلسطيني للدفاع عن أرضه، وكان ذلك من أول الأفلام السينمائية العربية التي ناقشت قضية احتلال الأراضي الفلسطينية، وشارك في بطولة الفيلم كل من: سعاد محمد، وزينب صدقي، ومحمود ذو الفقار، الذي قام بإخراج الفيلم أيضاً. تابعوا الموضوع في النسخة الرقمية على رابط كيف دعم الفن القضية الفلسطينية؟
ʼ استعرض فيلم «فتاة من فلسطين» كفاح الشعب الفلسطيني وكان من أول الأفلام السينمائية العربية التي ناقشت قضية احتلال الأراضي الفلسطينية ʻ
«أرض الأبطال»
يعدّ فيلم «أرض الأبطال» من أبرز الأفلام السينمائية التي تحدثت عن حرب فلسطين، وقد عُرض عام 1953. ودارت أحداثه حول أحد الشباب الذي يُقرر التطوع في الجيش والمشاركة في حرب فلسطين، وفي مدينة غزة يتعرف إلى فتاة ويقع في حبها، إلا أن الفيلم استعرض تفاصيل الحرب لتحرير الأرض. وشارك في بطولة الفيلم كل من: كوكا، وجمال فارس، ولولا صدقي، وصلاح نظمي، وجاء الفيلم من إخراج نيازي مصطفى.
«الله معنا»
ضمّ فيلم «الله معنا» مجموعة من كبار النجوم في السينما المصرية، مثل: فاتن حمامة، وشكري سرحان، وعماد حمدي، وماجدة، ومحمود المليجي، وفؤاد المهندس، وحسين رياض. ويعد من أبرز الأفلام التي استعرضت تفاصيل حرب فلسطين عام 1948. وجاء الفيلم من تأليف الأديب يوسف إدريس، ومن إخراج أحمد بدرخان.
«أرض السلام»
كان لإبراز دور المقاومين في حرب فلسطين والدفاع عن أرضهم نصيب في بعض الأفلام السينمائية التي أوضحت بسالتهم وتمسكهم بوطنهم، ومن أبرزها فيلم «أرض السلام»، الذي عُرض عام 1957. وسرد الفيلم خلال أحداثه التي تدور داخل إحدى القُرى الفلسطينية دور المقاومين في الدفاع عن أرضهم وما يتعرضون له في سبيل ذلك. وشاركت في الفيلم مجموعة كبيرة من الفنانين، وعلى رأسهم: عمر الشريف، وفاتن حمامة، وعبد السلام النابلسي، وعبد الوارث عسر، وتوفيق الدقن. وجاء الفيلم من إخراج كمال الشيخ.
«ناجي العلي»
خلال السنوات التالية، تناول العديد من الأفلام السينمائية القضية الفلسطينية، مثل: «إعدام ميت، والصعود للهاوية، وأغنية على الممر»، إلا أنه في فترة التسعينيات، جاء من أبرز الأفلام التي أعادت إلى السينما مرة أخرى عرض القضية الفلسطينية على الشاشة هو فيلم «ناجي العلي»، الذي جاء من بطولة الفنان الراحل نور الشريف. واستعرض من خلاله السيرة الذاتية لرسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي، الذي كان أحد أهم المقاومين والعارضين للقضية الفلسطينية من خلال رسوماته الكاريكاتورية، وجاء الفيلم من إخراج عاطف الطيب. وقد أثار ضجة كبيرة فور عرضه وأشاد به النقاد.
موجة السينما الشبابية
مع ظهور موجة السينما الشبابية في مطلع الألفية الجديدة، لم تنس تلك الأفلام القضية الفلسطينية، حتى إن قدمتها بمشاهد قليلة مثل فيلمي «صعيدي في الجامعة الأميركية» و«همام في أمستردام». ويأتي الفيلم الذي ركز على القضية بشكل أكبر. وتم عرضه وقت حدوث الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2001 هو فيلم «أصحاب ولا بيزنس». وكان الكاتب الذي اهتم بشكل كبير في تلك الفترة بعرض القضية الفلسطينية هو السيناريست مدحت العدل، الذي جاءت أغلب الأفلام من تأليفه.
هل تريدين التعرف على الفيلم الفلسطيني «قهوة لكل الأمم» مقاومة من نوع آخر
السينما الفلسطينية وعرض القضية بلغة سينمائية عالمية
دوماً ما كان المبدعون وصُناع السينما الفلسطينيون يرون أن السينما هي أداة من أدوات المقاومة، وهي السبيل لعرض قضيتهم أمام العالم أجمع لكي يعرفوا ما يتعرضون له من أجل استقلال دولتهم، ولذلك شارك العديد من الأفلام السينمائية الفلسطينية في عدد من أكبر المهرجانات السينمائية حول العالم خلال السنوات الماضية، ولاقت استقبالاً وإشادة كبيرين من صُناع السينما حول العالم؛ نظراً إلى ما تضمنته تلك الأفلام من عرض قضايا إنسانية حقيقية يتعرض لها الفلسطينيون بشكل يومي.
«200 متر»
يعد فيلم «200 متر»، الذي تم إنتاجه عام 2020، من أبرز الأفلام الفلسطينية العالمية التي عُرضت في أكثر من مهرجان سينمائي دولي، وهو من بطولة علي سليمان ولنا زريق، ومن إخراج الفلسطيني أمين نايفة. وعُرض الفيلم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته عام 2020، وفي مهرجان الجونة السينمائي الدولي وحصد ثلاث جوائز في المهرجان.
ونجح الفيلم في التعبير عن معاناة أب فلسطيني يعيش في الجانب الفلسطيني لا يستطيع أن يزور نجله المريض الذي دخل إلى إحدى المستشفيات في الجانب الإسرائيلي، ويعود السبب إلى وجود الجدار العازل؛ ما جعل الفيلم يحمل جانباً إنسانياً مهماً لا يعلمه كثيرون حول العالم.
«الجنة الآن»
يعد فيلم «الجنة الآن» واحداً من أبرز الأفلام الفلسطينية التي ألقت الضوء على حياة أفراد المقاومة الفلسطينية من خلال سرد قصة شابين ينتميان إلى المقاومة، وقد تم إنتاج فيلم «الجنة الآن» عام 2005. وهو الفيلم العربي الوحيد الذي تمّ ترشيحه لجائزة الأوسكار دورة عام 2005 عن فئة الفيلم الأجنبي، كما حصل على المرتبة الـ11 ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في السينما العربية وفقاً لاستفتاء النقاد السينمائيين، الذي أقيم في مهرجان دبي السينمائي الدولي دورة عام 2013.
وجاء الفيلم من إخراج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي قدم أيضاً الفيلم السينمائي «عمر» الذي عُرض عام 2013، وتناول من خلال أحداثه القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني بأكثر من زاوية، وقد ترشح الفيلم لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي بدورة عام 2014. كما شارك في مهرجان دبي السينمائي الدولي بدورة عام 2013.
«إن شئت كما في السماء»
من أبرز المساهمين في التعبير عن القضية الفلسطينية في السينما العالمية هو المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، الذي قدم عدداً من الأفلام السينمائية التي تحدثت عن فلسطين. ويأتي من أبرزها فيلم «إن شئت كما في السماء»، الذي عُرض عام 2019، وقد حصل الفيلم على تنويه خاص من مهرجان كان السينمائي الدولي في دورة العام نفسه.
وللمخرج إيليا سليمان العديد من الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية، مثل فيلم «الزمن الباقي» الذي عُرض عام 2009. وشارك أيضاً ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، وتميز الفيلم بسرد السيرة الذاتية للمخرج نفسه من خلال أربعة فصول حول عائلة فلسطينية منذ عام 1948 وحتى وقت إنتاج الفيلم الذي سرد تفاصيل العائلة الفلسطينية ومعاناتها.
كما قدم أبو سليمان عام 1996 أول أفلامه السينمائية التي تحدثت عن القضية الفلسطينية وهو فيلم «سجل اختفاء»، الذي سرد من خلاله جانباً كبيراً من الحياة الاجتماعية الفلسطينية بشكل شديد الواقعية.
ʼ تم عرض الفيلم الفلسطيني «غزة مونامور» للمرة الأولى عالمياً في فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2020 ضمن مسابقة آفاق ʻ
«فرحة»
يعد الفيلم الأردني «فرحة» من أبرز الأفلام التي عبرت عن القضية الفلسطينية، وهو من إخراج الأردنية الفلسطينية الأصل دارين سلام، وقد عرض الفيلم مأساة فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً شاهدت منزلها وهو يتدمر أثناء اختبائها داخل غرفة المؤن. وقد عُرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الأولى، وكذلك في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.
«غزة مونامور»
استعرض الفيلم الفلسطيني «غزة مونامور» الحياة الاجتماعية للشعب الفلسطيني من خلال إطار رومانسي، وعُرض الفيلم للمرة الأولى عالمياً ضمن فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي منافساً ضمن مسابقة آفاق في فعاليات المهرجان بدورة عام 2020. كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية.
واتسم جميع الأفلام الفلسطينية وصُناعها الفلسطينيين بنقل الصورة الحقيقية إلى العالم مما يعانيه ويعيشه الشعب الفلسطيني ومقاومتهم الدائمة من أجل الاستقلال وإقامة دولتهم، من خلال القصص الحقيقية المستوحاة من الواقع بنماذجها المختلفة، سواء الرومانسية أو حياة الأطفال هناك، وصولاً إلى التعبير عن شخصية من يقاومون الاحتلال.
يمكنك أيضًا الاطلاع على السينما المصرية.. تجارب واقعية عبرت عن قضايا المرأة