أسلوبه السينمائي المميز لا تخطئه العيون، يكفيك أن ترى التدرجات اللونية الزاهية المميزة، أو التناظر المصنوع بإتقان، والاستخدام الإبداعي للإطار، إلى جانب الكوميديا السوداء وطريقة السرد غير التقليدية، لتدرك بأنك أمام أحد أفلام المخرج الأميركي المميز Wes Anderson. شهرة Wes Anderson تخطت الشاشة الكبيرة أخيراً، ووصلت إلى عالم السوشيال ميديا وشاشات الهواتف المحمولة؛ حيث تصدّر وسم بعنوان Wes Anderson Challenge (تحدي ويس أندرسون)، قوائم الأكثر استخداماً في مقاطع الفيديو القصيرة المصورة؛ حيث بات الملايين من صناع المحتوى يصنعون مقاطع مصورة مميزة بالسير على منهج Wes Anderson الإخراجي نفسه. قبل عامين، استحوذت منصة «نتفليكس» على مؤسسة دال الأدبيّة مقابل 686 مليون دولار، لتتولّى تحويل روايات الكاتب البريطاني الراحل Roald Dahl إلى مجموعة أفلام، كانت البداية فيها مع 4 أفلام قصيرة تم طرحها أخيراً على المنصة، جميعها من إخراج Wes Anderson. في فينيسيا، التقت «سيدتي» المخرج Wes Anderson، في حوار حصري، نتعرف إلى تفاصيله خلال السطور الآتية.
فينيسيا - معتز الشافعي
تصوير - يوسف بوهوش
ويس أندرسون
صفقة مميزة
تتعاون حالياً مع نتفليكس في صفقة مميزة قدمت من خلالها أخيراً الفيلم القصير The Wonderful Story of Henry Sugar، الذي عُرِضَ في مهرجان فينيسيا، إلى جانب 3 أفلام قصيرة أخرى، وهي: Poison وThe Rat Catcher وThe Swan، وهي كلها مأخوذة عن روايات الكاتب البريطاني الراحل Roald Dahl، الذي سبق أن قدمت فيلماً مستوحىً من رواياته عام 2009، وهو فيلم الأنيميشن Fantastic Mr. Fox، فما الذي دفعك من جديد إلى الغوص في عالم Roald Dahl ورواياته القصيرة والمخصصة بشكل أكبر للأطفال؟
حسناً، عندما قدمت فيلم Fantastic Mr. Fox عام 2009، كنت أرغب وقتها بتقديم فيلم بتقنية إيقاف الحركة ((Stop motion، وكانت هذه القصة مثالية بالنسبة إليّ لكي يتم تقديمها بهذه الطريقة، فلقد عرفت ذلك الأمر منذ كنت طفلاً صغيراً، وعندما التقيت بعد ذلك عائلة Dahl، وتعرفت إليهم عن قرب وقضيت معهم الكثير من الوقت وتوطدت صداقتي بهم، وخاصة مع زوجته «Felicity Dahl «Lissy، سألتني في مرحلة ما: هل هناك أي شخصيات أخرى ترغب في تقديمها من عالم شخصيات Roald Dahl؟ فقلت على الفور، نعم بالطبع، Henry Sugar، هذا هو الشخص الذي أريده، وكان هذا في عام 2005 أو 2006 تقريباً، ولذلك احتفظوا بالقصة من أجلي طوال تلك الفترة، حتى تمت الصفقة بينهم وبين نتفليكس، فأتيحت لي فرصة تحويل Henry Sugar إلى عمل درامي، ولكني لم أكن أعرف حقاً كيف سوف أفعل ذلك، ثم أخيراً فكرت في القيام بذلك بهذه الطريقة الغريبة التي قمنا بها؛ حيث قلت لنفسي حسناً، لن يكون فيلماً روائياً كاملاً، ولكن ربما يكون مجرد فيلم قصير، ويمكنني كذلك صنع العديد من الأفلام مثله. لقد أحببت دائماً فكرة القيام بتحويل رواية The Wonderful Story of Henry Sugar and Six More إلى مجموعة أفلام قصيرة، لكن القصص الست الأخرى في الكتاب، معظمها ليست مناسبة لتحويلها إلى أفلام، ولذا كان عليّ أن أتعمق في مجموعة أعماله للعثور على أعمال أخرى. وهو ما حدث بالفعل.
قلت إنك واجهت صعوبة في العثور على النهج الصحيح لتقديم قصة Henry Sugar على الشاشة، أشعر بالفضول، كيف تمكنت من العثور على هذا النهج أخيراً؟
عندما بدأت في التحضير للعمل، جلست أقرأ الكتاب لابنتي بصوت عالٍ، ووجدت أن التأثير المباشر الذي حدث لها كان من أثر الجمل الحوارية، أكثر من الوصف الذي يضعه الكاتب. لذلك فكرت، كيف تحتفظ بالوصف والصورة الجمالية، لكن من دون الإخلال بأهمية الكلمة، والحوار المباشر مع المشاهدين وكأننا نقرأ لهم الرواية، لذلك اخترت هذا الأسلوب، واخترت أن يؤدي Ralph Fiennes دور الكاتب Roald Dahl نفسه، وأن يكون بمنزلة الراوي الذي يحكي القصة للجمهور، كذلك كنت حريصاً على أن يوجه الممثلون خلال تجسيدهم للشخصيات المختلفة جزءاً من حديثهم بشكل مباشر إلى الكاميرا لكي يشعر كل متفرج بأنهم يتحدثون إليه.
ما رأيك بالقاء نظرة على فيلم الشتاء الأخير المشارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
الأسلوب الفريد
بعد مشاهدة الفيلم تلو الآخر من أفلامك، نجد التزاماً كبيراً منك تجاه أسلوبك المميز في الإخراج، كذلك نجد في The Wonderful Story of Henry Sugar أسلوباً مسرحياً واضحاً، وخاصةً بعض الأثر من المسرح الملحمي وأسلوب الكاتب والمخرج المسرحي الألماني برتولت بريشت؛ حيث هناك من يؤدي دور الراوي، وهناك ما يعرف بكسر الإيهام؛ حيث تتحدث الشخصيات الدرامية بشكل مباشر مع الجمهور، كذلك هناك ممثلون يؤدون شخصيات متعددة داخل القصة نفسها، لماذا برأيك وجدت أن هذا الأسلوب هو الطريقة المثلى لرواية تلك القصة؟
حسناً، هذا سؤال جميل. بصراحة أنا لا أعرف إن كانت هي الطريقة الأفضل أم لا، لكنها هي الطريقة التي سحرتني وجذبتني أكثر من غيرها. أنا أعشق المسرح، وأعشق السحر وراء رؤية الأشياء تتجسد على الخشبة، فهي ليست مثل محاولة تجسيد حياة حقيقية وطبيعية في السينما، ولكنها ذلك المزيج الساحر بين الواقع والخيال، لذلك عندما بدأت العمل على Henry Sugar، ساعدتني الفانتازيا الموجودة في النص، على تنفيذ هذا الأسلوب الإخراجي المحبب إلى قلبي، بصنع نقطة التقاء بين المسرح والسينما، وهو ما حاولت بالفعل تقديمه في هذا الفيلم.
اختيار الممثلين في Henry Sugar كان رائعاً، مع العودة القوية والمميزة للنجم Ralph Fiennes إلى عالم أعمالك، كذلك الحضور المميز لأبطال الفيلم Benedict Cumberbatch و Ben KingsleyوDev Patel، كيف جاء اختيارك لهؤلاء الممثلين بالذات، وكيف تمكنت من خلالهم صنع تلك التوليفة المميزة؟
أشكرك، بدايةً أردت أن يكون كل الممثلين الرئيسيين إنجليزيين، لكي يكون بداخلهم هذا الفهم المطلوب لمن هو Roald Dahl وما هو عالمه، لذلك كانت تلك هي البداية. ثم كان لدي بعض الأشخاص الذين أعرفهم بالفعل، مثل Ralph Fiennes وRichard Ayoade، أما Benedict Cumberbatch فكنا على تواصل دائم معه، وكنت آمل بشكل غير مباشر أن نعمل معاً في يوم من الأيام. دعني أخبرك أن عملية اختيار الممثلين لتلك المجموعة من الأفلام لم تستغرق أكثر من يومين؛ لأنني كنت أعرف بالضبط نوعية الممثلين الذين أريدهم، لذلك جاء التمثيل على هذا القدر الجيد من التميز.
هل تشعر بأنك تقدم أيضاً بوصفك مؤلفاً شيئاً تفتقر إليه هوليوود هذه الأيام؛ لأن فيلمك حقق أصداءً رائعة، وخاصة على مستوى الكتابة؟ كذلك نجد هذه الأيام أن فيلماً مثل Barbie يحقق نجاحاً كبيراً كان أساسه القصة المميزة التي كتبها كل من Greta Gerwig و Noah Baumbach، هل يبدو الأمر كما لو أن المؤلفين ينقذون هوليوود؟
أولاً، لا يمكن المقارنة بين فيلمي وبين Barbie، خاصةً من حيث الأرباح (يضحك)، Barbie حقق أكثر من مليار دولار في ثلاثة أيام تقريباً أو شيء من هذا القبيل. لا أعرف كم تحديداً، كذلك فيلم Oppenheimer، أحدث أفلام كريستوفر نولان، حقق الكثير من المال، لكن بالنسبة إلي، وخاصةً أفلامي القصيرة، التي يتم عرضها على المنصات، فأنا أجد أنها الفكرة الأكثر ملاءمة لهذا العصر، فحتى أصغر فيلم بات لديه الآن فرصته وطريقه لكسب المال، وأنا أعتقد أن الشباب يفضلون دفع مبلغ معين لمرة واحدة والحصول على فرصة مشاهدة مئات الأعمال على مدار العام، هذا بالطبع لا يعني بأنني ضد السينما، أو أن عصر السينما انتهى، لكن المنصات عنصر لا غنى عنه الآن في المعادلة، وهي فرصة على الجميع أن يعرف كيفية استثمارها بشكل سليم.
ʼ أعشق المسرح، والسحر في رؤية الأشياء تتجسد على الخشبةʻ
عصر المنصات الرقمية
أفلامك الأربعة الأخيرة التي قدمتها على «نتفليكس» سيشاهدها الجميع على شاشات صغيرة، هل قد تكون تلك التجربة ظالمة أحياناً للعناصر السينمائية المميزة في أعمالك، التي تستحق أن يشاهدها الجمهور بشكل واضح على شاشات السينما الضخمة أولاً على الأقل؟
لا أخفيك سراً بأنني فكرت في هذا الأمر خلال إخراجي لتلك الأفلام، وقد قمت بتصويرها بكاميرا 16 ملم لكي يناسب الشاشة الصغيرة، وكانت الفكرة الرئيسة داخل رأسي هو صنع فيلم قصير، يكون مثل مسرحية تلفزيونية تم إنتاجها في الثمانينيات أو شيء من هذا القبيل، بالطريقة التي اعتادوا عليها في بريطانيا، في هيئة الإذاعة البريطانية وأماكن أخرى آنذاك. أما حين قمت بإخراج Asteroid City، على سبيل المثال، كنت أعرف أنه فيلم سيُشاهد بكثافة على شاشات عملاقة داخل دور السينما، لذلك راعيت ذلك بشكل كبير خلال التصوير.
ما رأيك بالاطلاع على السيرة الذاتية للمخرج البريطاني كريستوفر نولان وأشهر أفلامه
أهمية تراكم الخبرات
هل تعتقد أنك بتّ بوصفك صانع أفلام شخصاً مختلفاً الآن بعد أن تنقلت بين أجزاء مختلفة من العالم، واكتشفت العالم بشكل أكبر وقدمت عوالم سينمائيةً مختلفةً خلال أعمالك؟
نعم بالطبع، فلا شك أن تراكم الخبرات يجعل نظرتنا إلى الأمور تختلف، وفي السينما كلما قدمت فيلماً جديداً، كان عليَّ في كل مرة أن أجد المزيد من الأشياء لأقولها، فأنا أقول لنفسي حسناً لقد سبق وتحدثت عن هذا الموضوع أو تلك التجربة بالفعل، لذلك عليك دائماً أن تبحث عن أشياء جديدة، ومن ثم أعتقد أنك عندما تعيش حياتك، وتزيد ثقافتك وخبراتك، ستجد أشياء جديدة لتتحدث عنها في أفلامك، وتشاركها مع الجمهور.
ما مدى صعوبة ذلك الأمر؛ حيث يجب عليك في كل مرة أن تجد عالماً جديداً وأفكاراً جديدةً لكي تقدمها، من دون أن تكرر ذاتك؟
أعتقد أن هناك درجة جيدة يمكنك من خلالها تكرار نفسك. وهي أن يكون لك نمط معين في صناعة الأفلام، لكن كما تعلمون، الشيء الرئيس الذي يجب فعله هو محاولة صنع فيلم جيد، وأن تقدم شيئاً مميزاً وجديداً بالطبع، وهو ما يميز المخرج الجيد عن غيره.
ʼ أخطط لتقديم قصة Henry Sugar في السينما منذ عام 2006 ʻ
تحدي Wes Anderson
كيف استقبلت التحدي الذي انتشر على مواقع التواصل قبل أشهر عدة بعنوان Wes Anderson Challenge، الذي قام خلاله عدد كبير من صناع المحتوى بصنع الفيديوهات المبتكرة المستوحاة من أسلوبك في التصوير والإخراج؟
بكل صراحة، لم أحرص بشكل كبير على مشاهدة تلك المقاطع، مع تقديري الكامل أن هذا يكون بدافع الحب والتقدير، لكني أرى الأمر غريباً نوعاً ما، تخيل معي أن يقول لك أحدهم إن هناك شخصاً يقلد صوتك، أعتقد أن الأمر سوف يترك لديك شعوراً مختلطاً بين الفضول وعدم الراحة في الوقت ذاته. لذلك اخترت عدم مشاهدة هذا النوع من الأشياء، لقد أحببت الفكرة بشكل عام بوصفها ظاهرة، وأعتقد أنه إذا شعر شخص ما بالإلهام ليصنع شيئاً خاصاً به بسبب شيء قمت أنا به، فهذا أمر رائع، لكن إذا شاهدته، سأقول إن هذا ليس ما أفعله.
يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط حوار خاص بـ«سيدتي» مع المخرج ويس أندرسون