كان غريباً أن تسأل طفلة صغيرة مثلها، إنساناً كبيراً مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقداً حقاً. ففوق رأسها تستقر «صينية بطاطس بالفرن»، وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة، وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه؛ حتى أصبح كل ما تحمله مهدداً بالسقوط.
***
ولم تطل دهشتي وأنا أحدق بالطفلة الصغيرة الحيرى وأسرعت لإنقاذ الحمل. وتلمست سبلاً كثيرة، وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الحوض فتميل الصينية، ثم أضبطهما معاً فيميل رأسها هي، ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل وزيادة في الاطمئنان نصحتها بأن تعود إلى المخبز.
ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أرى لها رأساً، وقد حجبه الحمل، كل ما حدث أنها مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة «ستي».
***
ولم أحول عيني عنها، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين. وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
وراقبتها طويلاً؛ حتى امتصتني كل دقيقية من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة ويسقط الحمل، وأخيراً استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع العريض المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
***
واستأنفت سيرها على الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف، ولا تتحرك فظننت وخُيِّلَ إليّ أن هناك عربة قادمة لتدهسها. وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام، والحوض والصينية في أتم اعتدال. أما هي فكانت واقفة تتفرج ووجها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون، وهي تتابعهم بنظرات حسرة وألم.
ولم تلحظني ولم تتوقف كثيراً، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها، وقبل أن تنحرف استدارت على مهل واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.
***
ولم تطل دهشتي وأنا أحدق بالطفلة الصغيرة الحيرى وأسرعت لإنقاذ الحمل. وتلمست سبلاً كثيرة، وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الحوض فتميل الصينية، ثم أضبطهما معاً فيميل رأسها هي، ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل وزيادة في الاطمئنان نصحتها بأن تعود إلى المخبز.
ولست أدري ما دار في رأسها، فما كنت أرى لها رأساً، وقد حجبه الحمل، كل ما حدث أنها مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة «ستي».
***
ولم أحول عيني عنها، وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين. وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها، وتخطو خطوات ثابتة قليلة، وقد تتمايل بعض الشيء، ولكنها سرعان ما تستأنف المضي.
وراقبتها طويلاً؛ حتى امتصتني كل دقيقية من حركاتها، فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة ويسقط الحمل، وأخيراً استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع العريض المزدحم في بطء كحكمة الكبار.
***
واستأنفت سيرها على الجانب الآخر، وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف، ولا تتحرك فظننت وخُيِّلَ إليّ أن هناك عربة قادمة لتدهسها. وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام، والحوض والصينية في أتم اعتدال. أما هي فكانت واقفة تتفرج ووجها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون، وهي تتابعهم بنظرات حسرة وألم.
ولم تلحظني ولم تتوقف كثيراً، فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها، وقبل أن تنحرف استدارت على مهل واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.