«جميل»، هو ذاك الحي الذي كرَّس نفسه منصَّةً لاحتضانِ المبدعين المحليين والعالميين في عروسِ البحر الأحمر، مدينةِ جدة السعوديَّة. وجميلٌ كيف صنعَ جسراً للتلاقي بين المجتمعِ الجداوي بمختلفِ أطيافه وفئاته، وصُنَّاع الإبداعِ في العالم. في صميمِ ذلك الحي قلبٌ نابضٌ، يروي من هنا وهناك حكاياتٍ ملهمةً حول أعمالٍ، أُتقِنت صناعتها بشغفٍ واحترافيَّةٍ، وجمهورٍ متعطِّشٍ لمزيدٍ من الثقافةِ والفن. «سينما حي» قلبُ «حي جميل» تحت مجهرِ «سيدتي» اليوم في حوارٍ ممتعٍ مع زهرة أيت الجمار، مديرةِ السينما.
إعداد:عبير بو حمدان حرب
زهرة أيت الجمار
نبدأ حديثنا بتسليطِ الضوءِ على الدورِ البارز الذي تقومين به في إدارةِ سينما حي، ما طبيعةُ هذا الدور، وما الذي يُعجبكِ أكثر فيه؟
بصفتي رئيسةً لقسمِ السينما في «فن جميل»، يتمحورُ دوري في تطويرِ الاستراتيجيَّة العالميَّة والتوجيه الفني لـ «سينما حي». سينما حي مشروعٌ رائدٌ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، ويضمُّ جوانبَ مختلفةً من عروضِ الأفلام، وورشِ العملِ السينمائيَّة، والمعارضِ السينمائيَّة، وبرامجِ تعلُّمِ السينما، إضافةً إلى برامجِ الشبابِ المركَّزة. ما أحبُّه كثيراً في هذا الدورِ القدرةُ على تقديمِ برامجَ ذات أثرٍ إيجابي، سواءً من خلال تعزيزِ الصناعةِ عبر ورشِ العملِ السينمائيَّة، أو تطويرِ التفكيرِ النقدي لدينا من خلال عرضِ الأفلامِ والمحادثات.
استناداً إلى تجربتكِ الشخصيَّة في إدارةِ هذه المنشأة، ما التحدِّياتُ التي تواجه هذا النوعَ من المنشآت؟
النجاحُ في "السينما المستقلَّة"، يتطلَّبُ عقليَّةَ ريادةِ أعمالٍ، تتضمَّنُ المشاركةَ في كلِّ جانبٍ، بدءاً من الاستراتيجيَّة إلى العمليات، كما تحتاجُ إلى مهاراتِ تواصلٍ، وعلاقاتٍ قويَّةٍ في كافة جوانبِ ومراحلِ العمل. هناك تحدٍّ آخر، يكمنُ في إقناعِ الموزِّعين، وجذبِ اهتمامهم لعرضِ الأفلامِ في دارِ سينما مستقلَّةٍ، أيضاً، بما أن السينما مجالٌ حديثٌ، لا بدَّ إذاً من العملِ على بناءِ وتطويرِ القدرات لتكوين الفريقِ المناسب.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
السينما للجميع
منذ إطلاقها عام 2022، حملت «سينما حي» شعارَ «السينما للجميع». كيف تمكَّنتم من تطبيقِ هذا الشعارِ منذ البدايةِ وحتى اليوم؟
نحن حريصون على جعلِ «سينما حي» قريبةً من الجميع من خلال ثلاثةِ جوانبَ رئيسةٍ، هي:
- تقديمُ برنامجٍ متخصِّصٍ، يكون عادةً مصحوباً بمحادثاتٍ، للتأكُّدُ من أننا نقدِّمُ من خلاله المفاتيحَ الصحيحةَ لفهم الفيلمِ الذي يتمُّ عرضه.
- تقديمُ مجموعةٍ متنوِّعةٍ من موادِّ العرض «الأفلامُ الوثائقيَّة، والأفلامُ الطويلة، والكلاسيكيَّة، والرسومُ المتحركة» التي تستهدفُ جماهيرَ مختلفةً من كافةِ الأعمار.
- تقديمُ مشروعاتٍ مبتكرةٍ وشاملةٍ مثل مشروع «كيف حيك»، الذي هدفنا من خلاله إلى التواصلِ مع الناسِ من جميع أنحاءِ جدة، وتوفيرِ فرصةٍ للشبابِ للمشاركةِ في تجربةِ التصويرِ السينمائي للمرَّة الأولى.
سعت «سينما حي» إلى جلبِ أفلامٍ من جميع أنحاءِ العالمِ إلى جدة، وفق أي معاييرَ يتمُّ اختيارُ هذه الأفلام؟
خبرتي السابقةُ على المستوى العالمي، مكَّنتني من الوصولِ إلى محتوى حصري واسعِ النطاقِ عالمياً، لكنْ عمليَّة اختيارِ الأفلام، تركِّزُ على الموضوعاتِ التي يمكن أن تحقِّقَ أصداءً جيِّدةً لدى المجتمع المحلي.
إضافةً إلى ذلك، حرصت «سينما حي» على توفيرِ منصَّةٍ مستقلَّةٍ ومتخصِّصةٍ للأفلام السعوديَّة، كيف أسهم ذلك في دعمِ المشهدِ السينمائي والإبداعِ المحلي؟
توفيرُ منصَّةٍ للمبدعين المحليين في صميمِ مهمَّة «حي جميل». «سينما حي»، تلعبُ دوراً بارزاً في عرضِ الأفلامِ السعوديَّة، إن كانت لمخرجين ناشئين، أو سينمائيين بارزين. كما نقدِّمُ مساحةً لصانعي الأفلامِ الطموحين من خلال تخصيصِ مكانٍ للأفلامِ القصيرةِ ضمن برنامجنا، وقد تعاونا، على سبيلِ المثال، مع Cineways من خلال برنامجٍ مخصَّصٍ، يسمَّى "أفلامنا" لتقديمِ صانعي الأفلامِ السعوديين الشباب، ومنحهم الفرصةَ لعرض أفلامهمِ على الشاشةِ الكبيرة.
قبل إطلاقِ المشروعِ، أطلقتم مسابقةً عالميَّةً لاختيارِ مهندسين معماريين لبناءِ «سينما حي»، وما الذي منحَ BrickLab Studio الفوزَ بهذه المهمَّة؟
ما ميَّز اقتراح Bricklab البحثُ الذي تمَّ إجراؤه حول مجتمعِ السينما المحلي. تصميمهم درسَ الحاجةَ الواقعيَّة، وتمَّ ترجمةُ ذلك في وجودِ مكانَين للعرض: مسرحٌ مخصَّصٌ لتقديمِ الأفلامِ المستقلَّة، المحليَّة والدوليَّة، وسينما مجتمعيَّةٌ، يتمثَّلُ دورها في ورشِ العمل، والمحاضراتِ، والندواتِ، وبرامجِ السينما المتعمِّقة. عدا عن ذلك، التصميمُ بحدِّ ذاته قصَّةٌ جميلةٌ بحدّ ذاتها.
ما رأيك بالتعرف على هيئة الأفلام تشرف على قطاع الأفلام والسينما لتعزيز حضور السينما السعودية إقليمياً وعالمياً
"من الرائع رؤية السينما السعوديّة تحظى بالاعتراف على المستوى العالمي"
بيئةٌ مزدهرةٌ
جمهورُ السينما في السعوديَّة، يكبرُ يوماً بعد آخر، كيف ينبغي أن يُلاقي صنَّاعُ السينما وروَّادُ القطاع هذا الانجذاب؟
هذه البيئةُ المزدهرة، تنشطُ يوماً بعد يومٍ. من المثيرِ للإعجاب حقاً، أن نشاهدَ «رؤية 2030»، وهي تتطوَّرُ أمام أعيننا، وأن نرى نتائجَ ملموسةً. يتماشى عملنا مع هذه الرؤيةِ الشاملة، إذ نحرصُ دوماً على مواكبةِ هذا السياقِ الديناميكي.
توصفُ «سينما حي» بأنها مساحةٌ مجتمعيَّةٌ أكثر من كونها مرفقاً ترفيهياً. إلى جانبِ عرضِ الأفلام، ما الذي تتضمَّنه ويمنحها هذه الصفة؟
أقول دائماً: إن «سينما حي» أكثر من مجرَّدِ مكانٍ لعرضِ الأفلام. نحن نقدِّمُ مداخلَ متعدِّدةً إلى عالمِ السينما، ونحرصُ بشكلٍ خاصٍّ على الجانبِ المجتمعي، ونتعاونُ في ذلك مع جهاتٍ ومبادراتٍ مشابهةٍ مثل تعاوننا مع MAFLAM، That Studio، سينما Mirkaz، جامعة عفت، وغيرها.
اقتصادٌ ثقافي مزدهرٌ
ما الأفلامُ التي تخطِّطون لاستضافتها العامَ الجاري؟
نقيمُ الآن نسخةً جديدةً من برنامجِ «أيام الفيلم الوثائقي - البحر الأحمر»، ونعرضُ فيه سبعةَ أفلامٍ من الوطنِ العربي والعالم. برامجنا يتمُّ الإعلانُ عنها بشكلٍ شهري، ويمكن الوصولُ إليه عبر حساباتنا في مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، أو عبر موقعنا الإلكتروني.
ما رأيكم في الأصداءِ التي حقَّقها فيلمُ «نورة» في مختلفِ المحافل المحليَّة والعالميَّة، ومع تطوُّر المشهدِ الثقافي في السعوديَّة، ما الصورةُ التي تتخيَّلونها للمستقبل؟
من الرائعِ أن نرى السينما السعوديَّة، تحظى بالاعترافِ على المستوى العالمي. أعتقدُ أن هذا يسلِّطُ الضوءَ على المشهدِ السينمائي في البلادِ حالياً، كما أنه إنجازٌ، سيفتحُ الأبوابَ أمام مزيدٍ من التعاونِ العالمي، والإنتاجِ المشترك، وأرى في المستقبلِ اقتصاداً ثقافياً مزدهراً أكثر، مع زيادةِ الدعمِ للفنَّانين والمؤسَّسات الثقافيَّة.
يمكنك أيضًا الاطلاع على تنظيم معرضين فنيين جديدين في "حي جميل" بجدة