عشراتُ الأفلامِ السعوديَّةِ الطويلةِ، شاهدناها خلال الأعوامِ الخمسةِ الماضيةِ، ومعظمها، إن لم تكن كلّها، تمَّ إنتاجُها بدعمٍ من جهةٍ ما.
هذا الدعمُ غالباً لا يكون "مُسترداً"، بمعنى أن الجهةَ الداعمةَ، تعطي التمويلَ لصاحبِ المشروعِ، سواءً كان الكاتبَ، أو المخرجَ، أو المنتجَ، وتتركه لـ "يُبدعَ" بهدف تحفيزِ الشبابِ وتشجيعهم على صنعِ الأفلامِ، ولفتِ الأنظارِ لهذا القطاعِ، وجذبِ المستثمرين، وفرضِ الفيلمِ السعودي على شبَّاكِ التذاكرِ حتى تتَّسعَ قاعدتُه الجماهيريَّةُ، ويستحوذَ اهتمامَ الجمهورِ وثقتَه وإعجابَه، لكنْ هذا لا يمنعُ أن الجهةَ الداعمةَ، تتمنَّى طبعاً أن يحقِّقُ الفيلمُ أرباحاً، تغطي مصاريفَ إنتاجه على الأقلِّ، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ولو لمرَّةٍ واحدةٍ. بعضُ الأفلامِ، حقَّقت إيراداً جيداً، ربما فيلمان أو ثلاثة! لكنَّها في النهايةِ، ليست أرقاماً، ترتقي للمأمولِ مقارنةً بما تحقِّقه أفلامٌ أجنبيَّةٌ، فبعضها يحصدُ في افتتاحيته فقط ضعفَ ما تحصدُه هذه الأفلامُ طوالَ مدةِ عرضها التي تستمرُّ في بعض الأحيانِ أشهراً.
أسبابٌ كثيرةٌ، تقفُ خلفَ فشلِ معظمِ الأفلامِ السعوديَّة في تحقيقِ إيراداتٍ، تتجاوزُ مصاريفَ إنتاجها، لكنني أرى أن فكرةَ الدعمِ غير المُستردِّ السببُ الأوَّلُ والرئيسُ لذلك، لأن الفريقَ الذي يعملُ على فيلمٍ بميزانيَّةٍ، يعلمُ مسبقاً أنه غير مُطالبٍ بسدادها، لن يضعَ الجمهورَ أوَّلاً، بل ستختلفُ أولوياته، وسيصنعُ فيلمه بناءً على وجهةِ نظره فقط، ولن يهتمَّ إن عزفَ الجمهورُ عنه، لأنه غير مهتمٍّ أصلاً بإرضاءِ هذا الجمهورِ، أو جذبه إلى شبَّاكِ التذاكرِ.
جمعتني نقاشاتٌ سابقةٌ بعددٍ من المخرجين الذين يردِّدون عن قناعةٍ بأن أفلامَهم الأولى، يجبُ أن تعكسَ شخصيَّتهم ورؤيتَهم وبصمتَهم بوصفهم مخرجين حتى وإن لم تَرُق للجمهورِ، أي أن معظمَ هؤلاءِ المخرجين، صنعوا أفلامَهم، وهم يعلمونَ مسبقاً أنها قد تفشلُ على شبَّاكِ التذاكرِ، لكنَّهم لم يضعوا الجمهورَ والإيرادَ أولويَّةً، والسببُ طبعاً أنهم، ومنتجو هذه الأفلامِ، غير مُلزمين بردِّ مبالغِ الدعمِ.
فئةٌ أخرى من المخرجين، تبني طموحاتها للعالميَّةِ من خلالِ هذه الأفلامِ المدعومةِ بمبالغَ غير مُستردَّةٍ، فتتعمَّدُ استفزازَ الجمهورِ بأفكارٍ وموضوعاتٍ صادمةٍ، لتخرجَ لاحقاً في المهرجاناتِ الدوليَّةِ، وتدَّعي أنها ضحيَّةٌ، وأن هناك مَن يحاولُ قتلَ إبداعها! أي أن الفشلَ على شبَّاكِ التذاكرِ، ورفضَ الجمهورِ للفيلمِ قد يكونان هدفاً عند صنَّاعه طمعاً في لفتِ نظرِ المهرجاناتِ الدوليَّةِ للفيلمِ، واهتمامِ الصحافةِ الأجنبيَّة!
هنا.. أنا لا أقترحُ أن نتوقَّفَ عن دعمِ الأفلامِ، وحملِ عبءِ الإنتاجِ عن صنَّاعها الشبابِ، لكنني أقترحُ أن يكون الدعمُ مُسترداً، ولو بنسبةِ 60% خلال خمسةِ أعوامٍ، على سبيلِ المثال، أوَّلاً ليبدأ صنَّاعُ الأفلامِ في إعطاءِ الأولويَّةِ للجمهورِ، وثانياً ليصبحَ من السهلِ على كلِّ هذه الجهاتِ أن تدعمَ مزيداً من الأفلامِ.