ما بين جهادِ النفسِ، وماضٍ أليمٍ يُطاردها، وواقعٍ مليءٍ بالمغرياتِ، ووسطَ عوائقَ وتحدِّياتٍ، ومستقبلٍ مُبهمٍ وغامضٍ، تخوضُ شخصيةُ «غادة» في فيلمِ «رحلة 404»، التي تُجسِّدها بتميُّزٍ واقتدارٍ كبيرَين النجمةُ منى زكي، رحلةً صعبةً، قد لا يُكتَب لها الوصولُ إلى غايتها وفقاً لكل المعطياتِ الموجودة، ومع ذلك تُصرُّ على مواصلةِ طريقها في ظل ما تواجهه من إحباطٍ، وسخريةٍ، وضغوطٍ ماليَّةٍ، وعالمٍ سيئ، يفتحُ لها أحضانه بعد أن لفظته دون رجعةٍ.
أحداثُ فيلم «رحلة 404»، الممتدَّةِ لأكثر من 100 دقيقةٍ تقريباً، تدورُ حول «غادة» التي تستعدُّ للسفرِ إلى مكة المكرَّمة من أجل أداءِ فريضةِ الحجِّ، لكنْ قبل سفرها بأيامٍ، تتورَّطُ في مشكلةٍ طارئةٍ، تجعلها مُطالبةً بجمع مبلغٍ كبيرٍ من المالِ، فتضطرُّ إلى أن تعودَ لأشخاصٍ من ماضٍ ملوَّثٍ، كانت قد قطعت علاقتَها بهم، فهل ستسيرُ الأمورُ بسلامٍ، وتحلُّ المشكلةَ، وتذهبُ لأداء الحجِّ، أم أن العودةَ إلى الماضي سيلوِّثها مرَّةً أخرى؟
منى زكي، هي البطلُ الرئيسُ للموضوعِ، فتُقدِّم قصَّةً إنسانيَّةً شديدةَ الخصوصيةِ بمعاونة مجموعةٍ كبيرةٍ من ضيوفِ الشرفِ، وعلى الرغم من أن مشاهدَ كلٍّ منهم قد تكون معدودةً إلا أنها في الوقتِ نفسه بالغةُ الأهميَّةِ والتأثيرِ، فكلُّ شخصٍ، هو «بطلُ قصَّته»، ولديه ما يكفيه من آلامٍ وأوجاعٍ، أبرزُهم محمد فرَّاج، محمد ممدوح، خالد الصاوي، شيرين رضا، ومحمد علاء «جامايكا» وغيرهم.
ضيف شرف بدرجة بطل
تنتقلُ منى زكي خلال الأحداثِ إلى عوالمَ صغيرةٍ متداخلةٍ في دائرة ماضيها الملوَّثِ، وأثناء ذلك تبدأ حكاياتٌ مع ضيوفِ الشرفِ، إذ يظهرون في صورةِ «شياطين الإنسِ»، إنْ صحَّ القولُ، حيث يغويها كلُّ واحدٍ منهم للعودةِ إلى الماضي القديمِ، وحياتها الأولى.
خالد الصاوي، الذي يجسِّدُ شخصيةَ صديقها «ياسر غنيم»، يكشفُ عن معاناته، وكأنَّه طفلٌ صغيرٌ طائشٌ ومتهورٌ وأهوجُ، يأخذُ قراراتٍ مصيريَّةً بطريقةٍ همجيَّةٍ وعشوائيَّةٍ لمجرد أنه تعرَّض إلى حادثٍ أليمٍ، سبَّب له جرحاً كبيراً! وسرعان ما يكسبُ تعاطفَ المُشاهدِ في أجواءَ إنسانيةٍ خالصةٍ.
أمَّا محمد فرَّاج، فيدخلُ في مباراةٍ تمثيليةٍ أمام منى لدقائقَ معدودةٍ، مباراة فازَ فيها الطرفان! مشهدٌ وكأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يواجه نفسه بماضيه، ما بين شخصٍ يلومُ الظروفَ والأهلَ وكلَّ شيءٍ، وآخرَ يعودُ إلى صوابه، ويسلكُ الطريقَ الآمنَ، وما به من أشواكٍ.
شيرين رضا، ومحمد علاء «جامايكا»، يجسِّدان «شخصيتَين شيطانيتَين»، ملامحُ ظاهريةٌ، تبدو أنها لطيفةٌ وهادئةٌ، لكنَّها من الداخلِ عبارةٌ عن بركانٍ من الغضبِ والكرهِ والغوصِ في أعماقِ الرذيلة، إذ يحاولان بكلِّ السبلِ سحبَ منى زكي إلى عالمها القديمِ، وكأنَّهما «الفانوسُ السحري» الذي يظهرُ لصاحبه في أوجِ أزماته.
جرأة وبراعة
لغةٌ بسيطةٌ، وحوارٌ مركَّزٌ، اعتمده المؤلِّف محمد رجاء في كتابةِ الفيلم، ليطرقَ البابَ على قضايا اجتماعيَّةٍ وإنسانيَّةٍ عدة، لا تخصُّ «غادة سعيد» وحدها، بل وتخصُّنا جميعاً أيضاً، وأن يكون ذلك بمنزلة جرسِ إنذارٍ، فنتنبَّه لحجم المغرياتِ التي تعوقُ طريقنا طوال الوقتِ، وأن الأمرَ يستحقُّ على الرغم من صعوبته. الأريحيَّةُ التي ظهرَ بها الممثلون أمام الكاميرا، وبراعةُ الأداءِ التمثيلي، كان وراءهما المخرجُ هاني خليفة، الذي نجحَ في تقديمِ تجربةٍ سينمائيَّةٍ، سيكونُ لها نصيبٌ أكبرُ من اهتماماتِ الجمهورِ فورَ عرضِ الفيلمِ على المنصَّاتِ الرقميَّةِ وشاشاتِ التلفزيون، فقد صاغ معاناةَ «غادة» بشكلٍ سلسٍ، وكأنَّه يرصدُ يومياتها، وما فيها من مغرياتٍ.
جرأةٌ كبيرةٌ، تحلَّى بها محمد حفظي، وشاهيناز العقَّاد لحماسهما في تبنِّي هذا المشروعِ وتنفيذه على الرغم ممَّا تعرَّضا له من أزماتٍ وصعوباتٍ طوال ثلاثة أعوامٍ تقريباً إلى أن خرج الفيلمُ للنورِ أخيراً، فإيمانهما الشديدُ بالموضوعِ، وإدراكهما أهميَّةَ صناعةِ السينما وتأثيرها، كانا وراء هذا العملِ الذي انتظره الجمهورُ طويلاً، ما أعاد الأملَ مُجدداً، ورفعَ سقفَ التوقُّعاتِ بأن السينما المصرية، ما زالت قادرةً على العطاءِ والإبداعِ ومواصلةِ الريادة طالما بها كفاءاتٌ وخبراتٌ وإمكاناتٌ أيضاً، لا ينقصها سوى الجرأة، وفتحِ الأبوابِ دون مواربةٍ.
انتظار طويل
فيلمُ «رحلة 404» مشروعٌ، تأخَّر طويلاً حتى ظهر للنورِ، وعن ذلك تقولُ منى زكي: «سعيدةٌ بالرحلةِ الطويلةِ التي قمتُ بها مع هذا الفيلمِ، الذي أحبُّه بشدَّةٍ. هي بالفعل رحلةٌ، بدأت قبل أعوامٍ عندما عُرِضَ عليَّ العملُ وقتَ تصوير مسلسل آسيا، تحديداً في 2013».
وأضافت: «لم يكن مقدَّراً لي تقديمه عندما عُرِضَ عليَّ في البداية، لكني وقعتُ في حبِّ الفيلمِ من أوَّلِ قراءةٍ للسيناريو، والطريقةِ التي يتمُّ بها سردُ أحداثه، والشخصيَّة، والحدوتة التي تستمرُّ على مدى ثلاثةِ أيامٍ، فهناك إحكامٌ في تقديمِ التفاصيل بطريقةٍ تجذبُ مَن سيشاهدُ العملَ، لذا قرَّرتُ تمثيله بعد ذلك». بتلك التجربةِ السينمائيَّةِ، ترى منى نتيجةَ سعيها، والخبراتِ التي اكتسبتها على مدارِ الأعوامِ، وتؤكِّدُ على ذكائها في انتقاءِ الأعمالِ، والجرأةِ التي تتحلَّى بها أيضاً. كلُّ ذلك يجب أن يدفعها إلى تقديمِ تجاربَ سينمائيَّةٍ عدة، وألَّا تبخلَ على جمهورها بعطائها الفني، لاسيما أن رصيدها السينمائي قد لا يتناسبُ مع حجمِ موهبتها.
الفيلمُ يحقِّقُ نجاحاً لافتاً في شبَّاكِ التذاكرِ بكافةِ الدولِ العربية، خاصةً السعودية، إذ يتصدَّرُ قائمةَ الأفلامِ العربية من حيث الإيرادات في شبَّاكِ التذاكر السعودي في فبراير الجاري.
قصّة الفيلم هي البطل الرئيس
الناقدُ السينمائي السعودي أحمد العيَّاد تحدَّث لـ «سيدتي» عن نجاحِ فيلم «رحلة 404» في شبَّاكِ التذاكرِ السعودي قائلاً: «نقاطٌ كثيرةٌ، تميَّز بها الفيلمُ المصري رحلة 404، من وجودِ نجومٍ، وجرأةِ موضوعٍ، وفرادةِ مخرجٍ، لكنَّ النقطةَ الأهمَّ في رأيي سيناريو وحوارُ الفيلمِ، إذ لم نشاهد منذ زمنٍ طويلٍ فيلماً حواراتُه بهذا الصدقِ والصراحةِ، حواراتٌ تعكسُ واقعاً حقيقياً دون مبالغةٍ.
ويتابع العيَّاد: «طال انتظارنا للفيلمِ، لكننا أخيراً شاهدنا عملاً، يستحقُّ الانتظار، ففيه استمرارٌ للصحوةِ السينمائيَّةِ المصرية التي نشاهدها في العامِ الأخيرِ من تنوُّعٍ، وجرأةٍ في طرحِ الموضوعاتِ والأفكارِ، والجميلُ أن الفيلمَ انطلق بشكلٍ مميَّزٍ في صالاتِ السينما السعودية، إذ تصدَّر إيراداتِ الأفلامِ العربية بعد خمسةِ أيامٍ من عرضه، ولا يزالُ متوقعاً له التميُّزُ في مقبلِ الأيامِ، فهو يجمعُ ميِّزاتٍ عدة، كما أسلفت، لكنْ أبرزُها الموضوعُ المهمُّ والحقيقي والواقعي»
يمكنكِ قراءة.. منى زكي تحقق أرقاماً قياسية بـ"رحلة 404" في أمريكا
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».