«حكاية فشل.. وبداية أمل» عبارتان جمعتا بين التشاؤم والتفاؤل، فهل يمكن للعبارة الأولى أن تسوق إلى الثانية، وتحويل الفشل إلى أمل؟ الإجابات عن هذه التساؤلات وغيرها جاءت على ألسنة كوكبة من نجوم المجتمع السعودي في مجالات الثقافة والأدب والفكر والإعلام والتجارة والأعمال، والذين تحدّثوا عن تجاربهم في الملتقى الاجتماعي الذي شهدته مدينة جدة تحت الاسم نفسه «حكاية فشل.. وبداية أمل»، بحضور عدد كبير من المثقفين وسيدات ورجال المجتمع وشباب وشابات الأعمال.
نجوم الملتقى هم: الإعلامي تركي الدخيل، والأديب عبده خال، والكاتب جميل فارسي، والمهندس حلمي نتو، وسيدة الأعمال سارة العايد، والشاب الفنان راكان كردي «من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة»، سرد كل منهم بعض قصص وتجارب من حياتهم، استعرضوا فيها مراحل الفشل التي مروا بها في بدايات حياتهم العملية، وكيف استطاعوا بعد ذلك تحقيق النجاح.
حلم خذلك
بعد تلاوة القرآن الكريم، ألقى فهد جميل مؤمنة (عضو اللجنة الوطنية لشباب الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض، وراعي الحفل) كلمة رحّب فيها بالحضور، وأوضح عن تسمية الملتقى بهذا العنوان قائلاً: إن الناجحين في الحياة ليسوا أولئك الذين لم يفشلوا أبداً، ولكن بالعكس، هم أولئك الذين فشلوا المرّة تلو الأخرى، وكانوا في كل مرة يفشلون فيها ينظرون إلى باطنهم، ويعلمون أنه لا يزال بجعبتهم المزيد من الطاقة والإنتاج والإبداع، فنهضوا وواصلوا السير بخطى ثابتة. وأقول لكل من أخفق أو فشل: «لا تحاول أن تبحث عن حلم خذلك، وحاول أن تجعل من حالة الانكسار أو الفشل بداية حلم جديد. إذا كان الأمس ضاع فبين يديك اليوم؛ لتحقيق آمالك والوصول لمبتغاك، فمن الفشل يصنع الأمل». كما وعد بأن يكون هذا الملتقى بداية لملتقيات اجتماعية أخرى مثمرة وهادفة.
نجاح في المجال
بعده استعرضت سارا العايد (عضوة لجنة شابات الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية بجدة) بداياتها في مجال العلاقات العامة، وتجاربها مع الفشل والنجاح على مدى خمسة عشر عاماً، إلى أن أصبحت سيدة أعمال متميّزة في مجالها وفي المجتمع.
المهندس حلمي نتو سرد قصة حياته واختياراته العديدة والمتنوعة في مجاله المهني، والعثرات التي مرّ بها في مشواره المهني، وكيف تغلّب عليها ونجح في تأسيس تجاربه الخاصة في مجال البصريات، إلى أن أصبح واحداً من أشهر معدّي ومقدّمي البرامج الشبابية والحماسية ببرنامجه الشهير «مكس بيزنس». وتطرّق لتجربته وحمل شعلة الأولمبياد في بريطانيا. وأنهى حديثه قائلاً: إن النجاح ليس فقط إحساساً، بل إنجاز.
أما الأديب والروائي عبد خال، الذي حاز قصب السبق بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في نسختها العربية لعام 2010 عن روايته «ترمي بشرر»، فقد تحدّث عن قدرة الإنسان على استثمار الفشل وتحويله إلى نجاح، وأنه عانى، مثل غيره، في البدايات من تجارب فاشلة، لكنها أوصلته إلى النجاح. كما أشار إلى أنه يتمنى لو أُعطي زيادة في عمره أربعين سنة؛ ليتسنّى له إنجاز ما يشغل تفكيره من روايات. وتمنّى للجميع النجاح بعيداً عن الفشل.
أما الشاب راكان كردي (من ذوي الاحتياجات الخاصة) الذي يشكّل صورة مشرفة لشاب لم يستسلم لإعاقته، فاستطاع أن يحقق النجاح، بالرغم من أنه لم يكمل تعليمه الابتدائي، لكنّه بمساعدة أخته ومن حوله حاول وجرّب، وفشل أكثر من مرّة، إلى أن أصبح رساماً رقمياً ومصمم جرافيك مبدعاً، وحاز على جوائز في بعض مسابقات الإنترنت.
فرصة ثانية
الكاتب جميل فارسي قال إنه لن يتحدّث عن تجاربه مع الفشل والنجاح، إنمّا وجّه كلمة للشباب موضّحاً بالقول: «سمعت من زملائي أن النجاح سيكون بعد الفشل إن استعددت له. ونحن في زمن التقنية العصرية ووسائل التواصل الاجتماعي، أنبّه الشاب إلى أنه قد يخسر الفرصة الثانية للنجاح وهو على أبوابه؛ وذلك نتيجة لكلمة سابقة صدرت منه، قد تحمل نقداً عنصرياً، أو ازدراءً للدين، أو نحو ذلك، قد تكون صدرت منه قبل عشرين عاماً من ذلك اليوم؛ لأن وسائل التخزين الإلكترونية لا حصر لها. ولهذا أنبّه وأشدّد على ضرورة عدم التسجيل في وسائل التقنية، ما يمكن أن يضرنا في المستقبل.. علينا أن نعرف ماذا نكتب، وماذا نقول».
وكان مسك الملتقى مع الإعلامي تركي الدخيل، الذي استعرض أكثر من تجربة فشل عاشها واستثمرها جيداً، مثل تجربة فشله في بداية حياته كصحفي، وحين أخبر والدته (رحمها الله) بأنه يريد أن يكون صحافياً، قالت له كلمة واحدة: «معصي»؛ أي (تحلم، أو كما يقال بالمشمش)، لكنه حاول أن يعطي الصحافة كُلّه لتعطيه بعضها، إلى أن ولدت قصة نجاحه كمذيع، ولمع بريقه على الشاشة، حتّى لُقّب بـ«سيد الحوار». ثم تطرّق إلى تجربة فشله الثانية، والتي كانت عند محاولته إنقاص وزنه الزائد، فباءت المحاولات الأولى بالفشل، لكن لم يستسلم لهذا الفشل، وقد استطاع في نهاية المطاف أن يصل إلى ما هو عليه الآن.
بعد استعراض نجوم الملتقى لتجاربهم مع الفشل والنجاح، أعلن عريفا الحفل: الإعلامي علي المراني والإعلامية مها شلبي، عن مشاركة الشاعر د.عبد الإله جدع بقصيدتين، ثم بدأ الحوار المفتوح بين الحضور والمتحدّثين، ومشاركة الحضور من خلال طرح الأسئلة أو المشاركة برأي أو مداخلة، منها مداخلة «سيدتي نت»، والتي تمحورت حول أن الفشل يعني التقوقع داخل الذات، والاكتفاء بترديد من يعتقد أنه فشل بقول: «أنا فشلت. لا أحد يساعدني. لا أجد دعماً من أحد». وهكذا عبارات تشاؤمية تؤدّي إلى انعزال الشخص داخل قوقعة الفشل. وشخصياً لا أعترف بمفردة «فشل»، وإنما أستبدلها بمفردة «عثرة»، ومن يتعثّر فعليه أن يقوم وينفض ما علق به من تراب، ثم يواصل مسيرة الاجتهاد والمثابرة حتى تحقيق النجاح. وفي نهاية الملتقى تمّ توزيع الدروع التقديرية للمشاركين في الملتقى، والتقاط الصور التذكارية مع الضيوف.