من وجهة نظر أكاديمية: هل ستهيمن التكنولوجيا على قطاع المحاسبة؟

المحاسبة - الصورة من pexels تصوير artempodrez
المحاسبة - الصورة من pexels تصوير artempodrez

تعرف المحاسبة بكونها "لغة الأعمال"، كونها أداة مهمة للقيام بالعمليات المالية ومراقبة فعالية القرارات المالية في الشركات والمؤسسات، ومع النمو التقني وضع هذا التخصص وهذا القطاع تحت المجهر لمراقبة مدى صموده، حيث يقول بعض النقاد إن المحاسبة "البشرية" مستقبلها مظلم في عالم الغد الرقمي، حيث يمكن أن تحل التقنية مكان الإنسان بشكل كامل.
للحديث عن ذلك كان لنا لقاء مع الدكتورة لاريسا فون ألبيرتي، نائبة العميد للبرامج الأكاديمية، أستاذة المحاسبة، في كلية الأمير محمد بن سلمان للأعمال وريادة الأعمال، وذلك إثر مشاركتها في ندوة تناقش وجهات النظر المختلفة في هذا الإطار ضمن برنامج مؤتمر التقنيات المحاسبية الذي عقدته الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين والمهنيين مؤخراً.

مناقشة التطورات المهنية

الدكتورة لاريسا فون ألبيرتي ،نائبة العميد للبرامج الأكاديمية، وأستاذة المحاسبة في كلية الأمير محمد بن سلمان للأعمال وريادة الأعمال


بداية تحدثت الدكتورة لاريسا فون ألبيرتي عن أهمية هذا النوع من المؤتمرات والحوارات لمناقشة الموضوع قائلة: " مؤتمر التقنيات المحاسبية بالغ الأهمية لمحترفي المحاسبة في المملكة، فهو منصة للتواصل وتبادل الأفكار ومناقشة التطورات المهنية التي لا تجد الوقت لها عادةً في يوم واحد، وهو مساهمة مهمة في الحفاظ على العمليات المهنية لقادة في القطاع المالي، يحتاج محترفو المحاسبة والمالية إلى الحفاظ على عمليتهم المهنية، والمؤتمر مساهمة مهمة في ذلك"، وأضافت: "شاركت في جلسة رئيسية تحمل عنوان استخدام التقنيات والذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المحاسبية والمالية، شارك فيها كل من عبدالله المهذل، وكيل وزارة المالية المساعد لسياسات وحوكمة الحسابات العامة، وبهافنا لاكاني، رئيسة قسم تحليل البيانات والتقنية في المراجعة والتأكيد في شركة ديلويت، و رافاييل تيبريو، شريك ورئيس قسم البيانات والذكاء الاصطناعي في شركة أرنست ويونغ وأدار الجلسة د. هاني الشيتي المشرف العام على الإدارة العامة للمراجعة الداخلية في جامعة الملك فيصل".
وتابعت: "ركزت الجلسة التي شاركت فيها على تطوير المهارات وما يحمله المستقبل للطلاب في ضوء الذكاء الاصطناعي. وهي مناقشة مهمة لأنها تتناول التغييرات التي تدفع البشر إلى القلق بشأن ما قد يترتب على مثل هذا التغيير على حياتهم وسبل عيشهم"، وتضيف: "نحن نميل إلى الخوف من المجهول ومع ذلك، يمكننا أيضاً الاستفادة من التكنولوجيا واعتبارها مساهماً في مستقبلنا المهني، والسؤال الرئيسي هو ما إذا كنا نستسلم للتكنولوجيا ونقف مكتوفي الأيدي أم نركز على ما يجعلنا مختلفين ومؤثرين."

الصمود والتكيف

يجب التكيف مع التكنولوجيا - الصورة من pexels تصوير tara winstead


وحول مدى هيمنة التكنولوجيا على قطاع المحاسبة، وما إذا أصبح العنصر البشري أقل أهمية قالت الدكتورة: "العنصر البشري مهم دائماً، وبالنظر إلى التطور التكنولوجي، تأتي خطوة جديدة تجعلنا نعتقد أننا أصبحنا متأخرين عنها، لكننا نكتشف أننا نتمتع بقدرة لا تصدق على الصمود والتكيف، ثم نصبح قادرين جداً على استخدام التكنولوجيا لصالحنا".
وأضافت: "أما في قطاع المحاسبة والمالية، فكما هو الحال في أي قطاع آخر، سيتم تنفيذ بعض المهام الروتينية بواسطة الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، إدخالات دفتر اليومية الروتينية أو التوصيات الروتينية أو تفسيرات المعايير المرتبطة بموقف معين. وننتقل نحن إلى أن نكون مستشارين، لذلك نحتاج إلى فهم الناس، وهذا يعني أننا بحاجة إلى تطوير مهاراتنا بشكل أفضل من حيث كيفية التواصل، وكيفية تنظيم الانفعالات الذاتية، على سبيل المثال".
أما بالنسبة لأبرز التحديات التي تواجه مهنة المحاسبة بشكل عام اليوم، فتقول عن ذلك: "سأقول نفس الشيء كما دائماً: أن نكون دقيقين قدر الإمكان بشأن مستقبل غير مؤكد، أن ندعم عملاءنا على أفضل وجه، سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً لمنظمتنا، وأن نستخدم المعايير بالطريقة المناسبة وتقديم المشورة لعملائنا حول كيفية إدارة مستقبلهم مالياً".
وتوسعت الدكتورة في حديثها أكثر عن إيجابيات وسلبيات التكنولوجيا في هذا القطاع معتبرة أن: "إيجابيات التكنولوجيا هي نفسها الموجودة في أي قطاع آخر"، مضيفة: "يمكننا القيام بالمهام بشكل أسرع، ويمكننا التركيز على المهام الأكثر تعقيداً لأن الأنشطة الأقل تعقيداً تتم إدارتها من خلال التكنولوجيا. أما السلبيات فربما تكون مخيفة بعض الشيء، ولكنها تتمحور حول قلقنا بشأن مدى تأثير هذا على قطاع يعتمد بشكل كبير على رأس المال البشري، وكيفية التكيف مع إدارة هذه التكنولوجيا الجديدة، وربما يكون هذا هو السؤال الأكبر الذي يتعين الإجابة عليه".
ولكن هل تسبب هذا الأمر في فقدان الشباب للاهتمام والشغف بالمحاسبة كتخصص، هذا ما سألناه للدكتورة فأجابت: "لا أعتقد ذلك، لا يزال لدينا عدد لا بأس به من الطلاب الذين أكملوا درجات جامعية في المحاسبة، لأنه لا يمكنك إدارة شركة دون فهم شؤونها المالية ووضعها المالي. تحدد الإدارة المالية شريان حياة الشركة، وتؤثر على الاقتصاد ككل وعلى الأفراد، لذلك لا أرى أن الاهتمام بالمحاسبة سيختفي، ولكن ربما أن من يهتمون قد يتأثرون بالذكاء الاصطناعي.
ورداً على سؤال حول كيفية تمكن الشركات من حماية بياناتها المحاسبية والمالية في ظل المساحات الشاسعة للتكنولوجيا، قالت: "يشكل الأمن السيبراني تحدياً للجميع، وتشكل حماية المعلومات المالية السرية جزءاً كبيراً من ذلك، وعلى الشركات أن تواكب أحدث التطورات التكنولوجية لحماية بياناتها".

امتلاك القوة

من الجلسة الحوارية التي شاركت فيها الدكتورة لاريسا فون ألبيرتي


ومن الجانب الشخصي سألنا الدكتورة حول ما الشيء الذي جذبها نحو عالم المحاسبة، والرسالة التي تريد نقلها، فقالت: "المحاسبة، على عكس ما يعتقد بعض الناس، لا تتعلق بالأرقام أو الرياضيات البحتة، بل تتعلق بتقديم التفسير والتحليل الدقيق لكل رقم، عندما تفهم شؤونك المالية، فإنك تمتلك الكثير من القوة ، لقد وجدت ذلك رائعاً في ذلك الوقت وما زلت أجده رائعاً الآن. لذا ربما تكون الرسالة الأكثر أهمية هي أن المحاسبة ليست موضوعاً مخيفاً ويجب التعامل معها كلغة جديدة يمكنك تعلمها ثم ممارستها في حياتك اليومية".
وتابعت: "أنا أكاديمية، لذلك كأستاذة وباحثة أؤمن بالتأكيد بقوة التعليم وأراقب وأحصد فوائده كل يوم. لذلك لا يسعني إلا أن أوصي بتحسين أنفسنا ومعرفتنا ومهاراتنا باستمرار، وعلى مستوى أوسع، أياً كانت المنظمة أو المساعي الشخصية التي تتعامل معها فإن الشؤون المالية تشكل دائماً جزءاً أساسياً من إدارة الأعمال، لذلك يمكن للجميع الاستفادة من الشعور بالراحة مع الأرقام والمالية".
وفي سؤال أخير حول الدراسات البحثية العديدة التي أعدتها الدكتورة وأهم النتائج التي خلصت إليها، قالت: "تتوصل الدراسات المختلفة إلى نتائج مختلفة، ولكن إحدى أهم النتائج هي أن التكنولوجيا تخلق التغيير، لكن يتعين علينا في البداية التعامل مع الكثير من عدم اليقين والحماس، وأنا أؤمن أن البشر يتمتعون بقدرة لا تصدق على الصمود فهم يتكيفون ويستوعبون، ثم يمضون قدماً ويواصلون كما فعلوا دائماً، لذا، ما لم يتم تأكيده بعد هو ما إذا كانت التكنولوجيا متطفلة حقاً كما ندعي".
بعد كل ذلك، برأيكم، هل تحتاج الشركات الناشئة إلى مستشار مالي.. لماذا وكيف تختاره؟