يُعد فك رموز الكتابات القديمة أحد أهم الاختراعات البشرية القيمة، فتاريخ البشرية يستحيل دراسته والتعرف إليه بدون الكلمة المكتوبة، حيث يفتقر المرء إلى السياق الذي يمكن من خلاله تفسير الأدلة المادية من الماضي القديم. فالكتابة أداة فعّالة في تسجل حياة الشعوب وهي تمكننا من الحصول على فكرة دقيقة عن نشأة حضارتنا، وكيفية تطورها على مر الأزمان والقرون، بالسياق التالي "سيدتي" تعرفك إلى مراحل تطور الكتابة عبر العصور.
ما هي الكتابة؟
تقول لبنى الطاير باحثة دكتوراه بقسم الآثار والحضارة جامعة حلوان لسيدتي: الكتابة هي ممارسة ونظام معرفي يمكن من خلاله رصد وتوضيح الأشياء، والكتابة تُعد التمثيل الرسومي للأفكار والمفاهيم والأشياء من خلال علامات تسمى الحروف. حيث تتميز الحروف بخصائص مختلفة اعتماداً على المجتمع المحدد الذي يستخدمها، والذي يولد أيضاً أنظمة كتابة مختلفة. إحداها، على سبيل المثال، الأبجدية، وتاريخها واسع جداً، حيث يعود تاريخها إلى ما يقرب من أربعة قرون قبل الميلاد.
السومرية أول نظام أبجدي معروف للكتابة بالعالم
تقول "الطاير" نشأت أنظمة الكتابة منذ حوالي خمسة آلاف سنة، بعد تطور الرسومات نحو الأشكال اللوغوغرافية، في آسيا الصغرى. وقد بدأت الكتابة تظهر في العراق القديم أو بلاد ما بين النهرين عام 3500 قبل الميلاد لتتطور شكلاً وسياقاً ومضموناً، وفي 2900 قبل الميلاد ظهرت أولى الأبجديات حيث بدأ العلماء والمتخصصون التعرف إلى أول نص مسماري وهو أقدم شكل معروف للكتابة، حيث حدث التحول من سياق الصور التي يمكن التعرف إليها بالرسم والنقش إلى ما يشبه الأبجدية، عبر علامات يمكن أن ترمز لأشياء محددة وبدقة أكثر.
ظهور الهيروغليفية بعد المسمارية
تقول لبنى: ظهرت اللغة المصرية القديمة المعروفة بالهيروغليفية بعد المسمارية نحو 3400 ق.م، والهيروغليفة تعني: "نقش مقدس" وقد استخدمت الهيروغليفية الصور والرموز لتعبر عن أصوات وقيم معينة من البيئة المصرية القديمة من طيور، وحيوانات وأجزائها، وجسم الإنسان وأجزائه، واستخدم المصريون أدوات كالأزميل والمطرقة والقلم والمحبرة والأختام وغيرها. وكانت تضم الأعداد والأسماء وبعض السلع والثمار.
وفي عصر الفراعنة استعملت الهيروغليفية لنقش أو زخرفة النصوص الدينية على جدران القصور والمعابد والمقابر وأسطح التماثيل والألواح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة، وقد اخترع المصريون القدماء أول ورق يمكن الكتابة عليه وكان من نبات البردي وتمكنوا بعد ذلك من الكتابة بالقلم والحبر، كما عاصرت الكتابة الهيروغليفية تطوراً فبسطت رموزها وأصبحت قريبةً من الكتابة بالحروف الأبجدية. وظلت الهيروغليفية ككتابة متداولة حتى القرن الرابع الميلادي.
قد ترغبين في متابعة الرابط التالي: اللغة الهيروغليفية ضمن مناهج التعليم الأولى فى مصر
كيف تطورت الكتابة؟
- حوالي 3500 ق.م: ظهرت أنظمة الكتابة الأولى في بلاد ما بين النهرين. الكتابة المصورة.
- حوالي 3000 ق. م: تطور الكتابة المسمارية. الكتابة المصورة.
- حوالي 2700 ق.م: تطور الكتابة الهيروغليفية. الكتابة المصورة.
- حوالي 1500 ق.م: تم تطوير الأبجدية الفينيقية، وهي نظام كتابة أبجدي حروفي.
- حوالي 1000 ق.م: انتشرت الأبجدية الفينيقية في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط وكانت بمثابة الأساس لتطوير الأبجديات الأخرى.
- العصور الوسطى: تستخدم الكتابة بشكل رئيسي للأغراض الدينية والإدارية.
- العصر الحديث: أصبحت الكتابة أداة أساسية للتواصل والتعلم.
- اليوم: تُستخدم الكتابة في جميع أنواع السياقات، بدءاً من التواصل الشخصي وحتى التعليم والعمل.
قد ترغبين في التعرف إلى: مفهوم النقد الأدبي وخصائصه وأنواعه
تاريخ تطور الكتابة
الكتابة المسمارية
تؤكد الطاير أن الكتابة هي أداة قوية كان لها تأثير عميق على تاريخ البشرية، لافتة أنها أتاحت لنا التواصل بشكل فعال وتسجيل أفكارنا وتجاربنا وإنشاء أعمال فنية، ولكننا لو عدنا للوراء سنكتشف أن الفضل يُنسب إلى السومريين في ابتكار الكتابة المسمارية. وذلك لأن الصور التوضيحية الخاصة بهم لم تكن تمثيلات رسومية بسيطة، بل كانت رسائل منقولة بشكل منهجي ذات قيمة لغوية. بالإضافة إلى ذلك، يُطلق عليها "الكتابة المسمارية" لأن الصور التوضيحية، في البداية، كانت تُصنع على ألواح طينية ومن خلال استخدام الأوتاد (قطع من الخشب أو المعدن ذات نقطة وحافة تستخدم للكسر أو إجراء الشقوق). حيث تم اشتقاق مصطلح "المسمارية".
وفقاً للموقع الرسمي لجامعة تكساس في أوستن، sites.utexas.edu، على الرغم من أن لغة السومريين لم تستمر، إلا أن الكتابة المسمارية كانت تقنية اعتمدتها مجموعات هندية أوروبية مختلفة وغير هندية أوروبية، وقد تم إعادة استخدامها من قِبل البابليين، واستخدمت أيضاً لكتابة لغات مثل الأكادية والعيلامية، وتم استخدامها من قبل الفرس والحوريين والحيثيين.
ومن ثمّ فقد انتشرت الكتابة كتقنية، والألواح الطينية والأوتاد كأدوات رئيسية، في جميع أنحاء آسيا الصغرى وسوريا والمناطق المحيطة بها، وقد استخدمت الكتابة المسمارية لمدة ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
الأبجدية اليونانية
ورث اليونانيون من الفينيقيين والكنعانيين مجموعة من العلامات والرموز المرتبطة بالاسم والصوت والتي كونت الأبجدية القديمة، حيث يمثل كل رمز صوتاً وقد تم الاستعانة بهذه المجموعة المنظمة من العلامات والرموز من قبل اليونانيين وتكييفها لأغراضهم الخاصة.
تستكمل لبنى الحديث وتضيف: كما ذكرنا آنفاً في الأبجدية الفينيقية من أوائل أنظمة الكتابة الأبجدية، وقد تم تطويرها في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وانتشرت في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وكانت بمثابة الأساس لتطور العديد من الأبجديات الأخرى، مثل الأبجدية اليونانية، والأبجدية اللاتينية. والأبجدية العربية.
الكتابة في العصور الوسطى
في العصور الوسطى، تم استخدام الكتابة بشكل رئيسي للأغراض الدينية والإدارية. وكان الرهبان هم النساخ الرئيسيون والمخطوطات المنسوخة للكتب الدينية والنصوص الكلاسيكية، وقد تم تطوير الخطوط التي تكتب بها ليظهر فن الخط حيث تبدو الكتابات جميلة وأنيقة، وقد تم استخدام الخط لتزيين المخطوطات وغيرها من الأشياء.
الكتابة في العصر الحديث
وفي هذا السياق توضح لبنى: في العصر الحديث، أصبحت الكتابة أداة أساسية للتواصل والتعلم. لقد أتاح اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر إمكانية طباعة الكتب والمواد المكتوبة الأخرى، مما جعل الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة من أي وقت مضى، وقد أدى اختراع الآلة الكاتبة والكمبيوتر في القرن العشرين إلى جعل الكتابة أسرع وأسهل، بينما الكتابة اليوم تستخدم في جميع أنواع السياقات، بدءاً من التواصل الشخصي وحتى التعليم والعمل. تُستخدم الكتابة أيضاً لإنشاء أعمال فنية وأدبية.
قد ترغبين في التعرف إلى: تطبيقات تجعل الكتابة أسهل على الهاتف الذكي.. تعرفوا عليها