الموضة والأوبرا وعالم السوبرانو المبهر.. من يدين للآخر بالنجاح؟

 ستيفان رولان Stephane Rolland- مصدر الصور | Launchmetris/Spotlight@
ستيفان رولان Stephane Rolland- الصورة من موقع  Launchmetrics/Spotlight ©

لم يكن محضَ صدفةٍ عندما اختارت دارُ شانيل عرضَ مجموعتها الراقيةِ لخريف وشتاء 2025 في قاعةِ أوبرا جارنييه ضمن أسبوعِ باريس للموضة، إذ شهدنا أخيراً مؤشِّراتٍ عدة على تكريمِ فنِّ الأوبرا، لعلَّ أهمَّها قفَّازاتُ النجمةِ بيونسيه التي نسَّقتها مع فستانٍ من سكياباريللي Schiaparelli، والكابُ الأوبرالي الذي تفنَّن به المصمِّم مارك جاكوبز Marc Jacobs للنجمةِ سيلين ديون. تلك المؤشِّراتُ تحملنا على الغوصِ في جذورِ العلاقةِ التي تربطُ ما بين الموضةِ والأوبرا، لنفهمَ أكثر السببَ الذي يدفعُ بعضهم إلى الإقرارِ بأن الموضةَ والأوبرا توأمٌ متلازمٌ، حيث إن قليلاً من الدراما، وكثيراً من الإبهار، يُنتِجان مجموعةً رائعةً، وهو ما يُحدِّثنا عنه المصمِّم العالمي جورج شقرا، العاشقُ الأبدي لفنِّ الأوبرا، فتعالوا معاً لنستكشف بدايةَ القصَّة وخلفيَّاتها.

ماريا كالاس Maria Callas مع قائد الأوركسترا جورج بريتر Georges Prêtre قبل إجراء تمرينات على مسرحية la Norma الأوبرالية في أوبرا باريس، عام 1964

(مصدر الصورة: KEYSTONE-FRANCE/Gamma-Rapho via Getty Images)


رومانسية الدراما


مَن يتابعُ عروضَ دولتشي أند غابانا Dolce & Gabbana، يدركُ أن الدارَ تستوحي من ماسكاني Mascagni حتى دون الاعترافِ بذلك، فالبصمةُ الواضحةُ التي تتركها منذ عامِ 1984 في مجموعاتها الرجاليَّة والنسائيَّة مستقاةٌ من هذا العملِ الأوبرالي، خاصَّةً مجموعةَ خريف 2022، فالحبُّ الذي يكنُّه كلٌّ من ستيفانو غابانا Stefano Gabbana ودومينيكو دولتشي Domenico Dolce لهذا العمل الفنِّي، تجلَّى في «ألتا مودا لخريف وشتاء 2019» حيث جسَّدت العارضاتُ على المنصَّة شخصيَّاتِ العملِ الأوبرالي الشهير. ولدى سؤالِ المصمِّم ستيفانو عن سرِّ تعلُّقه بالأوبرا، أجاب بأنّ الأوبرا، تختصرُ الدراما الإيطاليَّة، فعروضُ الأزياء، على حدِّ قول جيورجيو أرماني Giorgio Armani، «غناءٌ على وقعِ الملابس».

دولتشي أند غابانا ألتا مودا 2019-الصورة من موقع  Launchmetrics/Spotlight ©


وعامَ 1950، تلقَّت عائلة ميسوني Missoni أكبرَ العروضِ من بيكي Becky، وهي منسِّقةُ أزياءِ الديفا ماريا كالاس Maria Callas. قبل ذلك، وتحديداً في 1910، تعاونت كوكو شانيل Coco Chanel مع «إمبرساريو» الباليه (أي منتج الباليه) الروسي سيرجي دياجيليفSerguei Diaguilev لتصميمِ أزياءٍ لفرقةِ الباليه، وكان صديقاً لمغنيةِ الأوبرا مارت دافيلي Marthe Davelli التي اشتُهِرت بعملها الأوبرالي «مدام باترفلاي» Madame Butterfly المُقدَّم بدايةَ القرنِ العشرين. وحول ذلك، كتبت المؤلِّفةُ هيلينا ماتيوبولوس Helena Matheoboulos بكتابها «المصمِّمون في الأوبرا»، الذي صدرَ عامَ 2011، أن الغرامَ الذي كان موجوداً بين الموضةِ والأوبرا، شكَّل ظاهرةً، بدأت في الثمانينيَّاتِ، كما أوردت، وقد تصاعدت وتيرةُ التعاونِ بين مصمِّمي الأزياء، ونجومِ الأوبرا على مدى الأعوامِ الأربعين الأخيرة، لكنَّ بعض النقَّاد شكَّكوا في صحَّة كلامها، فهذه الصلةُ بدأت مع ولادةِ الموسيقى. مع الوقت، استبدل المصمِّمون صلتهم بالأوبرا بصلتهم بنجومِ هذا العصر من مُغني الروك، والممثِّلين العالميين، والمؤثِّرين، وبات لزاماً التفريقُ بين مصمِّمي ماركاتٍ عالميَّةٍ، ومصمِّمي أزياءِ الأعمالِ الفنيَّة والمسرحيَّات. وتعودُ هذه العلاقةُ بين الأوبرا والموضة إلى بدايةِ القرنِ الـ 19 حيث كان تصميمُ أزياءٍ صالحةٍ لأوبرا منفَّذةٍ من أعمالٍ لموزارت Mozart وروسيني Rossini، يأخذ طابعاً واقعياً، وليس حالماً. واختلفت آراءُ النقَّادِ والجمهورِ حول مدى توافقِ أزياء تلك الأعمالِ مع طبيعةِ العملِ الأوبرالي، فالمصمِّمون يعتمدون بصورةٍ خاصَّةٍ على أقمشةٍ معيَّنةٍ منفَّذةٍ بتقنيَّة «الدرابيه» Drapé، إذ إن عالمَ الأوبرا الاستعراضي، وما يرتدونه لم يكن يناسبُ الأشخاصَ العاديين، بل كان مخصَّصاً لأهلِ المسرحِ والفن.

 

أزياء

 2-1. من عرض شانيل الخياطة الراقية خريف 2024
 3. أرماني بريفيه الخياطة الراقية خريف 2024
 4. شانيل الخياطة الراقية خريف 2024
 5. آشي استديو الخياطة الراقية خريف 2024
 6. ديور الخياطة الراقية خريف 2024
 7. إيلي صعب الخياطة الراقية خريف 2024
8. كتاب Fashion Designers at the Opera، تأليف Helena Matheopoulos، دار النشر Thames & Hudson

تأثير أوبرالي

هي قصَّةُ حبٍّ، نشأت بين الموضةِ والأوبرا، تعودُ جذورها إلى الماضي البعيد، وتختلطُ فيها حبكةُ الدراما بسحرِ التصاميمِ الجميلة. يحارُ المرءُ من أين يبدأ، فهل نستهلُّها بعرضِ دولتشي أند غابانا Dolce & Gabbana عامَ 2019 المستوحى من أعمالِ الفنَّان العالمي فيردي Verdi، وأوبرا عايدا Opera Aida، أو من الأوبرا التي حملت توقيعَ المبدعِ بييترو ماسكاني Pietro Mascagni المسمَّاةِ Cavalleria Rusticana حين غنَّى الجندي «تيرودو» بلهجةِ أهلِ صقلية لحبيبته المتزوِّجة «لولا»: «يا لولا، صاحبةُ القميصِ الأبيضِ النقي كالثلج»؟ لقد كشفت هذه الأوبرا عن عمقِ الصلةِ بين الغناءِ الأوبرالي وتصميمِ الأزياء.
وللموضةِ تاريخٌ طويلٌ مع الأوبرا. هو ليس قديماً كما الموضةُ والباليه، لكنَّ العلاقةَ بينهما أكثر عمقاً، فعلى مرِّ عقودٍ، حاكَ المصمِّمون أزياءَ الأعمالِ الأوبراليَّة، ولنجماتِ الغناءِ الأوبرالي، وجمهورِ النخبة الذين كانوا يحضرون هذه الأعمالَ الفنيَّة، ويريدون أزياءً، تليقُ بالمناسبة.

 1. ستيفان رولان الخياطة الراقية خريف 2024
 2. دولتشي أند غابانا الخياطة الراقية خريف 2024
 3. تيما عابد الخياطة الراقية خريف 2024
4. زهير مراد الخياطة الراقية خريف 2024

سيمفونية الحرير


يجبُ علينا أن نقرَّ بأن مصمِّمي الأزياء، ينفِّذون أزياءً رائعةً للأوبرا، فقد كان كارل لاجرفيلد Karl Lagerfeld من أبرعِ المصمِّمين الذين قدَّموا أزياءً تواكبُ الموضة داخل قاعاتِ الأوبرا، وتلاه الكثيرون، نذكرُ منهم ميوتشيا برادا Miuccia Prada، وجيورجيو أرماني Giorgio Armani، وفالنتينو Valentino.

مارك بوهان

ترأس مارك بوهان Marc Bohan دارَ كريستيان ديور Christian Dior من 1960 إلى 1989، وهو مثالٌ لمصمِّم أزياءٍ، يستحقُّ لقبَ مصمِّم أزياءٍ أوبرالي، فأثناء أدائه مهامَّه الإبداعيَّة في تلك الفترة، تولَّى المصمِّم بنفسه تنفيذَ أزياءٍ للعملِ الفنِّي Don Giovanni لـ موزارت، الذي عُرِضَ في اليونان مارس 1996، لتتوالى بعد ذلك العروضُ التي شارك فيها.

فالنتينو

لا يمكننا التطرُّق إلى الأعمالِ الأوبراليَّة المرتبطةِ بالموضة دون ذكرِ عملٍ، نفَّذه المايسترو فالنتينو جارافاني Valentino Garavani عامَ 1994، واسمه The Dream of Valentino للمؤلف دومينيك أرجنتو Dominick Argento، والذي عُرِضَ في دار أوبرا كينيدي، وأنتجته أوبرا واشنطن، عن حياةِ نجم السينما الصامتة رودولف فالنتينو Rudolph Valentino. في تلك الفترة، وصفت صحيفةُ «شيكاغو تريبيون» العملَ بالمبهرِ والحسِّي مع لمساتٍ فنيَّةٍ رائعةٍ من الـ «آرت ديكو»، مُزِجَت بأزياءٍ مبهرةٍ، تناسبُ العمل. كذلك حرصت الدارُ على تكريمِ الأوبرا بمجموعةِ كوتور ربيع 2014 تحت عنوان A Night at the opera.

كارل لاجرفيلد

كما في تصاميمه لدى كلٍّ من شانيل Chanel وفندي Fendi، أتقن المايسترو Karl Lagerfeld مهمَّته كمصمِّمِ أزياءٍ إبداعيَّةٍ، وهذا ما يتضح من تعاونه مع المخرجِ الإيطالي لوكا رونكوني Luca Ronconi الذي طلبَ منه عامَ 1980 تصميمَ أزياءٍ لعمله الأوبرالي الذي يُنتجه تحت اسم Les Contes D’Hoffman، للمؤلف جاك أوفنباخ Jacques Offenbach. هذا التعاونُ لاقى أصداءً مدوِّيةً، وعنه قال لاجرفيلد: «إنه من تجاربي المفضَّلة». ومضى المصمِّم قُدماً في تجربته مع الأعمالِ الأوبراليَّة حيث نفَّذ أزياءَ العملِ الفنِّي Les Troyens للمؤلف هيكتور بيرليوز Hector Berlioz، الذي عُرِضَ في مسرح لا سكالا La Scala عامَ 1982، وعملَ «نورما» لـ فينشينزو بيليني Vincenzo Bellini في أوبرا مونت كارلو عام 2009.

ميسوني

تعدُّ عائلةُ ميسوني Missoni من أكبر الداعمين لدارِ أوبرا Teatro Alla Scala أو La Scala في ميلانو. وترتبطُ العائلةُ المعروفةُ في مجالِ تصميمِ الأزياء بالأوبرا منذ خمسينيَّات القرنِ الماضي، ولا تزالُ تلعبُ هذا الدورَ من بابِ شغفها بهذا الفنِّ الراقي. انتقلت الدارُ رسمياً إلى مجالِ تصميمِ أعمالٍ أوبراليَّةٍ عامَ 1983 مع العمل الفنِّي Lucia Di Lammermoor للمبدعِ غايتانو دونيزيتي Gaetano Donizetti، المعروضِ في لا سكالا، وتابعت ابتكارَ أزياءٍ لأعمالٍ فنيَّةٍ أخرى، منها Elektra للفنَّان ريتشارد شتراوس Richard Strauss، وعملُ موزارت الرائع Così Fan Tutte في دارِ الأوبرا الملكيَّة في لندن.

جيورجيو أرماني

عروض فالنتينو وجيورجيو أرماني- الصورة من موقع  Launchmetrics/Spotlight ©

عكسَ سائرِ المصمِّمين، لم يبدأ جيورجيو أرماني Giorgio Armani تنفيذَ أزياءٍ للعملِ الفنِّي برمَّته، بل اكتفى بتصميمِ أزياءٍ للشخصيَّة الرئيسةِ لعمل Erwartung للمبدع أرنولد شوينبيرج Arnold Schoenberg، الذي عُرِضَ في لا سكالا عامَي 1980 و1981. وبعد 14 عاماً على أوَّلِ تعاونٍ مع عملٍ أوبرالي، طلب المخرجُ جوناثان ميلر Jonathan Miller تنفيذَ عمله الأوبرالي المطوَّر عن رائعةِ Così Fan Tutte بنسخةٍ رقميَّةٍ، وفيما تراوحت الآراءُ بين معجبٍ ومستنكرٍ للعمل، لا يسعنا إلا رفعُ القبَّعة للإبداعِ في التصاميمِ التي نفَّذها المصمِّمُ للعمل.

كريستيان لاكروا

رسم من توقيع المصمم كريستيان لاكروا Les héroïnes d'opéra dessinées par Christian Lacroix

 

عامَ 1989، أحدثَ المصمِّمُ Christian Lacroix بلبلةً حين صمَّم ملابسَ دراماتيكيَّةً لأوبرا Carmen للمبدع جورج بيزيه Georges Bizet. لقد نشأ لاكروا على أنغامِ الأوبرا، فبدأ منذ عامِ 1979 ينفِّذُ تصاميمَ لأعمالٍ أوبراليَّةٍ لصالحِ بيتر ماكسويل دايفيز Peter Maxwell Davies، منها Cinderella. تلتها أعمالٌ أخرى مثل Dido & Aeneas للمؤلف هنري بورسيل Henry Purcell عامَ 2001، Don Giovanni لـ موزارت، الذي عُرِضَ في مهرجانِ Innsbruck Festival عامَي 2006 و2007. وفي 2008 و2009 تعاون مع جول ماسونيه Jules Massenet، فنفَّذ تصاميمَ عملِ Thais الذي عرض في دار متروبوليتان أوبرا في نيويورك. وفي 2007 نفَّذ تصاميمَ عملِ Le Nozze Di Figaro للمؤلفين Lorenzo Da Ponte وWolfgang Amadeus Mozart، والذي عُرِضَ في مدينة Aix-en-Provence الفرنسيَّة، وكان مقرَّراً تجديدُ العرضِ عامَ 2020، لكنَّه ألغي بفعلِ انتشارِ جائحة كورونا.

 

مونيكا بيلوتشي Monica Bellucci قبيل عرض الفيلم عن عملها المسرحي Maria Callas: Letters & Memories، في مهرجان روما السينمائي، عام 2023

(مصدر الصورة: Stefania D'Alessandro/Getty Images)

ماريا كالاس منبع الإلهام

باختصارٍ، يمكننا القولُ: إن الموضةَ والأوبرا متلازمتان مثل الليل والنهار، ووجهان لمرآةٍ واحدةٍ، فهذا المزيجُ من الشعرِ، والنثر، والفنِّ، والموسيقى، والتحامُ هذه العناصرِ في عملٍ واحدٍ، يريدُ أزياءً، تُترجِم هذه الانفعالاتِ الحسيَّة، لتبدو للعلنِ عبر قماشٍ محسوسٍ، وتصاميمَ بصريَّةٍ مرئيَّةٍ، تخدمُ الفكرة، وتتوِّج العملَ الدرامي. وسيبقى هذا التعاونُ متلازماً حتى مع العصرِ الرقمي الذي يفرضُ أساليبَ جديدةً، تلغي الطرقَ القديمة، لكنها تشترطُ الإبداعَ في الموضة. وأخيراً، عاد أسلوبُ مغنيةِ الأوبرا الشهيرة ماريا كالاس Maria Callas إلى الواجهةِ مع صدورِ فيلمٍ جديد يروي مسيرتها، وتُقدِّم فيه أنجلينا جولي Angelina Jolie شخصيَّتها، من إخراجِ بابلو لارين Pablo Larrain. عُرِضَ الفيلم المذكور في مهرجانِ فينيسيا السينمائي الأخير، وسيُعرَض لاحقاً على منصّة «نتفليكس» العامَ الجاري. إشارةً إلى أنّ إرثَ كالاس أضيفَ إلى لائحة «يونسكو» التراثيَّة.

مغنية الأوبرا ماريا كالاس Maria Callas في مطار لندن، عام 1959

(مصدر الصورة: Keystone-France/Gamma-Rapho via Getty Images)


وتعدُّ ماريا كالاس الديفا الأكثر تأثيراً في عالمِ الموضة، إذ اشتُهرت بتاييراتها المتقنة، ومجوهراتها المبهرة، وارتبطت بقصَّة حبٍّ مع رجلِ الأعمال أرسطو أوناسيس Aristotle Onassis، وهي تدينُ بأناقتها لمصمِّمة أزيائها المُعتَمدة الإيطاليَّة مدام بيكي Madame Biki التي كانت تنفِّذ، وتنسِّق لها إطلالاتها الراقيةَ والمميَّزة. وقد جعلتها شهرتها في عالمِ الغناءِ الأوبرالي، وأسلوبُ لباسها محطَّ اهتمامِ عديدٍ من المصمِّمين العالميين، منهم كريستيان ديور Christian Dior، وإيف سان لوران Yves Saint-Laurent، الذي ربطته بها صداقةٌ قويَّةٌ في أواسطِ الخمسينيَّات، وكان حاضراً في العرضِ الذي قدَّمته بأوبرا جارنييه في باريس.


وقد أعادت النجمةُ مونيكا بيلوتشي Monica Bellucci ارتداءَ تصميمٍ، نفَّذه سان لوران لماريا كالاس بين عامَي 2019 و2023 خلال تصويرِ فيلمِ Maria Callas: Letters And Memoirs. وفيما أعربت بيلوتشي عن تأثُّرها بارتداءِ هذا الثوبِ الذي ينتمي إلى زمنِ الستينيَّات، كرَّمت بدورها أنجلينا جولي هذه الصداقةَ بين كالاس وسان لوران عبر اختيارها زيّاً من الدارِ الفرنسيَّة للمشاركةِ بافتتاحِ فيلم «ماريا» في البندقيَّة. لقد اختصرت الديفا ماريا كالاس الإبهارَ الهوليوودي بقفَّازاتها الطويلة، ومراوحها المنفَّذة من الريشِ، ومعاطفِ الفرو، والقبَّعات الدراماتيكيَّة التي كانت تعتمرها، لتُشكِّل النجمةُ الراحلة على مدى عقودٍ مصدرَ إلهامٍ لكثيرٍ من المصمِّمين مثل فالنتينو Valentino،ودولتشي أند غابانا Dolce & Gabbana، وستيفان رولان Stéphane Rolland، وجون جاليانو John Galliano، الذي صرَّح مراراً في حواراتٍ صحافيةٍ بأن ماريا كالاس «مغنيته المفضَّلة».


وعامَ 2007، جسَّدت الديفا كالاس محورَ عرضٍ، نفَّذته دارُ سواروفسكي Swarovski من خلال علاقتها بالمجوهرات، وحبِّها للأحجارِ الكريمة. عنها قال منفِّذ العرض ماركوس لانغيس-سواروفسكي Markus Langes-Swarovski: «لقد كانت تؤمنُ بطاقةِ الأحجارِ الكريمة، وتأثيرها في الإنسان». وعامَ 2020، صمَّم ريكاردو تيتشي Ricardo Tisci، المديرُ الإبداعي آنذاك لدار بربري Burberry، تصاميمَ مستوحاةً من ماريا كالاس، بينما خصَّص متحفُ Victoria & Albert Museum في 2023 معرضاً لها.

إرديم خريف 2024 Erdem2023 (مصدر الصورة: Stefania D'Alessandro/Getty Images)

وعامَ 2024، أطلقت دارُ إرديم Erdem مجموعةَ خريف وشتاء 2024 من وحي الديفا الإيطاليَّة، وحتى مجموعتها لما قبل الخريف، كانت من وحي حياتها الخاصَّة، وأسلوبِ لباسها البعيدِ عن العيون. كلُّ هذه الأعمال، أدَّت إلى نهضةِ ثقافةِ الأوبرا في عالمِ البوب Pop Culture انطلاقاً من إيمانِ الجيلِ الجديد بأن الأوبرا كانت موجَّهةً للنخبةِ والناضجين، وليس الشباب، لذا انطلق بعضُ المخرجين إلى تبنِّي أعمالٍ أوبراليَّةٍ مطوَّرةٍ، أقربَ إلى عالمِ الشباب، فشاركت الفنانة الصربية مارينا أبراموفيتش Marina Abramovic في العملِ الفنِّي المستوحى من الديفا ماريا كالاس تحت عنوان 7 Deaths Of Maria Callas مع الممثل الأميركي ويليم دافو Willem Dafoe.

 

 

فالنتينو Valentino-الصورة من موقع  Launchmetrics/Spotlight ©


وضمن أسبوع ميلانو للموضة، نظَّمت دار دولتشي أند غابانا Dolce & Gabbana عرضَها المستوحى من الأوبرا في تياترو لا سكالا، كما أخرجت صوفيا كوبولا Sofia Coppola عملاً أوبرالياً، نفَّذت تصاميمه دارُ فالنتينو Valentino. وفي محاولةٍ لتقريبِ الفنِّ الأوبرالي من الناس، تعملُ أوبرا إيتاليانا على تنفيذِ تصاميمَ عصريَّةٍ للفرقةِ والمغنية مثل ارتداءِ قميص «بولو» مع سروالٍ عصري بدل التوكسيدو والبدلات لإضفاءِ طابعٍ واقعي، يحاكي نبضَ الشارع. ويرى بعضهم في ذلك خيراً، فيما يشجبُ آخرون هذه الممارسات، كونها تجرِّدُ العملَ الأوبرالي من سحره.

 

بوستر فيلم Maria، الذي صدر مؤخرا عبر منصة Netflix


تابعي المزيد بعد نجاح ماريا.. أنجلينا جولي في فيلم جديد عن الموضة والأزياء


جورج شقرا وسر عشقه لتصاميم الأوبرا

جورج شقرا الخياطة الراقية خريف 2024 Georges Chakra
لوحة إلهام المصمّم جورج شقرا لمجموعة الأزياء الراقية لخريف 2024 Georges Chakra

«الأوبرا، هي أرقى أنواعِ الفنون وأكثرها إبهاراً. هي عالمٌ عذبٌ من الأحاسيسِ، والحبكةِ الدراميَّة التي تتجلَّى عبر القصَّة، والموسيقى، والأزياء حيث تنصهرُ معاً لتكوينِ لوحةٍ فنيَّةٍ لا تُنسى». بهذه الكلماتِ طالعنا المصمِّمُ العالمي جورج شقرا Georges Chakra لدى سؤالنا عمَّا تعنيه له الأوبرا. ولعلَّ هذه الأحاسيس والانفعالات، هي ما أرادَ أن يُترجمها من خلال مجموعته التي تعبقُ بالفنِّ الأوبرالي، بدءاً بموسيقى المبدعِ بيزيه Bizet التي رافقت خطواتِ العارضات، ووصولاً لبحرِ الألوانِ والمعاطفِ الأوبراليَّة التي تستعيدُ صالات الأوبرا الوقورة. كلُّ تفصيلٍ يستعيدُ رائعةَ «كارمن»، وأسلوبَ ماريا كالاس في الغناءِ واللباس. وعن هذا الجوِّ الفنِّي المشحون، يستطردُ المصمِّم: «المغنيةُ المفضَّلة لديّ، هي بلا شكٍّ ماريا كالاس. إنها الوحيدةُ القادرةُ على إظهارِ روحها خلال أدائها بلا تردُّدٍ، والوحيدةُ القادرةُ على إيصالِ أحاسيسها، والتواصلِ مع متذوِّقي فنِّ الأوبرا الذين يحضرون عملها». إزاء هذا التصريح، كان لا بدَّ لنا من التعمُّقِ أكثر في أسئلتنا، لنفهمَ مصادرَ المجموعةِ الجديدة للمصمِّم.

- لماذا اخترت موسيقى المؤلِّفَ بيزيه لعرض مجموعتك الأخيرةِ لخريف وشتاء 2024-2025؟

أحبُّ موسيقى بيزيه، خاصَّةً رائعته «كارمن»، فهو يتميَّز بطاقةٍ حيويَّةٍ، وشغفٍ، فيُحيي العمل. شاهدتُ «كارمن» مرَّاتٍ عدة خلال أعوامٍ مختلفةٍ، لذا يعني لي الفنَّانُ المبدعُ بيزيه الكثير.

- ما سببُ اختيارك فكرةً أوبراليَّةً لمجموعتك الجديدة، وما القطعةُ الأحبُّ إلى قلبك؟

شعرتُ بأن التوقيتَ مناسبٌ لذلك، لأنها راقيةٌ ومبهرةٌ كالكوتور، أمَّا القطعةُ الأكثر تفضيلاً لدي في المجموعة، فهي المعطفُ المضخّم حجمه Oversize، والمنسَّقُ مع زيّ باللونَين الكاراميل والأسود، والمزدانُ بالخيوط، وجاء الكورسيه فيه ليتوِّج الإطلالةَ الغامضةَ والأنثويَّة. هو تصميمٌ قوي وأنيقٌ، وتحيَّةٌ للعروضِ الكبرى التي كانت تنظَّم خلال مهرجان الأوبرا والمسرح Arena Di Verona في إيطاليا.

جورج شقرا مع إحدى عارضاته -  الصورة من موقع  Launchmetrics/Spotlight ©

- هل هذه المرَّةُ الأولى التي تستوحي فيها من الأوبرا تصاميمك؟

لا شكَّ أن هناك تفاصيلَ، أستعينُ بها، لأنها محفورةٌ في الذاكرة، لكنَّها المرَّةُ الأولى التي أهدي فيها مجموعةً كاملةً مستوحاةً من الأوبرا. أتقصَّد دائماً مشاهدةَ عرضٍ أوبرالي عندما أسافر، لذا كان من الطبيعي أن أنفِّذ مجموعةً من وحي فنٍّ أعشقه.


- لقد رأينا كثيراً من فساتينِ الكاب، وفساتينَ متَّصلةً بغطاءٍ للرأس، هل تعدُّها متَّصلةً بهذا الفن؟

أجل لأن الكاب، وغطاء الرأس قطعتان أيقونيَّتان وراقيتان، وتضفيان عمقاً درامياً على الزيّ، وترتقيان بالتصميمِ إلى مستوى آخر، وتعطيانه روحاً وشخصيَّةً. هاتان القطعتان، تعزِّزان الأنوثةَ، والغموضَ الأساسي، وتمنحان الطابعَ الدرامي، وهو أساسي لدى الأداءِ على المسرح.


- لاحظنا سيطرةً لألوانٍ قويَّةٍ وميتاليكيَّةٍ، وللخامةِ الإنسيابية، هل كان الأمرُ مقصوداً؟

أجل. فالخامةُ الإنسيابية Fluid Fabric، والطابعُ الميتاليكي المبهرُ، يوحيان بالطاقةِ الحيويَّة، فيما تستكينُ هذه الطاقةُ مع الأسودِ الذي يمزجُ هذا الخليطَ مضيفاً الرقي الأنيق، وهي تركيبةٌ سحريَّةٌ، أسهمت في ابتكارِ عناصرِ قصَّةٍ مرئيَّةٍ.

كيف تمكَّنت من تنفيذِ هذه المجموعةِ الغنيَّة بالتفاصيل، والعملُ يتمُّ بين بيروت وباريس؟

ابتكارُ أي مجموعةٍ لدينا، يتمُّ نتيجةَ تضافرِ جهودِ الفريقين في باريس ولبنان. أنا أعملُ مع الاثنين، وأحاولُ جاهداً التنسيقَ والإشرافَ بنفسي على أدقِّ التفاصيل، وقد بذلنا مجهوداً جبَّاراً لإتمامِ مجموعةٍ متكاملةٍ ومتناسقةٍ مع بعضها لخدمةِ الفكرة الأساسيَّة للعرض، فلدينا قاسمٌ مشتركٌ، وهو الحماسُ لابتكار شيءٍ مميَّزٍ في كلِّ موسمٍ.

يمكنك متابعة الموضوع على النسخة الديجيتال على هذا الرابط
تابعي المزيد معنا عن 5 فساتين جريئة لحفل عقد القران من توقيع دور أزياء عالمية.. تعرفي إليها