المهندسة شهيرة فهمي: دار طنطورة ينتمي إلى ماضي العلا وراهنها

المهندسة المصرية شهيرة فهمي
المهندسة شهيرة فهمي

حين يطالع المرء خبراً عن مشروع فندق أبصر النور أخيراً، قد لا يتحمّس كفاية للتعرف إلى تفاصيله، فمع تعافي حركة السياحة، هناك مؤسسات فندقية كثيرة تفتتح أبوابها راهناً. لكن، حين يعلم أن الفندق يقع في بلدة العلا القديمة، حيث الروايات الأثرية الأجمل لشبه الجزيرة العربية، وأن المشروع يعيد تصور مساكن السكان الأوائل، فلا بدّ أن يسترعي ذلك اهتمامه.
يحلو السفر عبر الزمن والاطلاع على تراث جدودنا والإفادة من عمارتهم الجميلة، مع إعادة الاشتغال عليها، بصورة تحافظ على المزايا الحسنة، وعلى الشروط البيئية، مع جعل العمارة المرممة تتفق مع الحاضر الغارق في التكنولوجيا. كان ذلك في صلب عمل المهندسة المصرية شهيرة فهمي، مؤسّسة شركة شهيرة فهمي المعمارية (SFA)، ومقرّها القاهرة، والمكرمة بجوائر، عند الاشتغال على دار طنطورة ذا هاوس هوتيل، الفندق الواقع في العلا، الذي يقدّم خيارات متعددة من أماكن الإقامة التراثية ضمن عمارات طينية أثرية تم ترميمها بمنتهى العناية. فقد تولت شركة شهيرة فهمي المعمارية دور المستشار الرئيس، وتوجيه تصميم كل من الخارج والداخل مع احترام عميق لروح المدينة القديمة. وقامت بترميم وتصميم النطاقات الآتية: المخطط الرئيس، والتخطيط الحضري، والهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي، والإضاءة والمناظر الطبيعية والأثاث.

المهندسة المصرية شهيرة فهمي

بلدة العلا القديمة

البناء الخارجي لدار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

حدّثينا عن انطباعاتك، عندما زرتِ مدينة العلا لأول مرة؟

الجولة في بلدة العلا القديمة (في شمال غرب المملكة العربية السعودية)، وفي آثار مدينة من القرن الثاني عشر في العصر الإسلامي، تجعل المرء ينتقل على الفور إلى زمان ومكان آخرين. هناك، هو يجد كل ما تبقى من مدينة من الطوب الطيني، بُنيت منذ أكثر من 800 عام، وكانت مأهولة في العصور الغابرة. ويسترشد بالأدلة المادية لما كان موجوداً من قبل، ويجد الكثير من المواد التي يمكنه التعمق فيها والتعلم منها وتتبعها وأرشفتها والتفاعل معها.

مشروع دار طنطورة ذا هاوس هوتيل

المسبح في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

ماذا عن مشروع دار طنطورة ذا هاوس هوتيل؟

منذ بداية هذا المشروع، وأثناء تقدّمه، خلعت ثوب الخبيرة، وكنت في وضعيّة تعلّم وحوار. تطلّب الأمر مني نوعاً خاصاً من الوعي الذاتي للتنقل في بيئة غنية بطبقاتها التاريخية، وإعادة تخيل الهياكل الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية، التي كانت تحتوي عليها. يُلاحظ الزائر أن الفندق يبدو ككتلة من الطين، وتشكل الأخيرة منطقة متكاملة، مع فتحات متمثّلة في الشوارع والساحات والنوافذ والأبواب. كأن الموقع تم حفره في الأرض أو نُحتَ فيها، بدلاً من أن يكون مجرد بناء من الطين وجذوع النخيل. على حدود هذه المنطقة، تظهر آثار الأبواب التاريخية. لم تكن هناك حاجة لوجود أسوار كما هي حال مدن إسلامية تاريخية أخرى.

الحفاظ على التراث

الشوارع في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

حدثينا أكثر عن طرق الحفاظ على التراث من خلال عمارة الفندق وتصميمه؟

بذلت، وفريق العمل، جهوداً لإعادة تأهيل جزء من هذه الأنقاض، ليصبح مكاناً للضيافة، وذلك باستخدام أسلوب عكس ما كان موجوداً في الماضي، أي مع الحفاظ على التراث والتقاليد الملموسة وغير الملموسة لهذه المدينة الإسلامية. كان الهدف خلق روابط وتعزيز شعور بالانتماء، مع ربط ذلك بالعصر الحالي (...). لم تكن المدينة القديمة مأهولة بالسكان لعقود من الزمان - كانت عبارة عن متاهة من الأنقاض، ولكنها مكان يمكنك أن تشعر فيه بالماضي من حولك. أولاً، كان علينا قراءة الموقع. لذا، قام فريقنا بجرد المنازل التاريخية في المدينة القديمة، وسرد خصائصها وأنماطها وعناصرها - مثل الأبواب والنوافذ حسب الحجم والنوع. من هذه الآثار قمنا بتجميع العناصر وتبني التقنيات ووضع الخطط.

كيف تجسّد ذلك على أرض الواقع؟

غرفة في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

تمّ تشكيل الطوب الطيني لجدران دار طنطورة، وتجفيفه في الموقع، مع استخدام الحجارة لأرضيات الدور الأرضي، وسعف النخيل للأسقف، وخشب الأثل (المستخرج من شجرة الطرفاء الأصلية في العلا) للعوارض، وكلها من مصادر محلية.

حمام تابع لغرفة في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

استخدم السكان الأوائل الدور الأرضي كمكان للعمل والاجتماع، بينما كان الدور الأول مخصّصاً لـغرف النوم والحمامات. بناء على ذلك، صمّمنا الغرف الثلاثين في دار طنطورة. كما اعتمد السكان الأوائل على نظام التهوية المتقاطعة لتوفير تهوية جيدة، حيث كانت هناك نافذة أعلى من الأخرى، وواحدة أكبر من الثانية. وقد قمنا بتكرار هذا التصميم. وهم حافظوا على البرودة باستخدام الشرفات، مما أدى إلى تصميم غرف الفندق، مع شرفات. وقاموا بتبييض الجدران الداخلية وبتزيينها بـلوحات جدارية باللونين الأحمر والأزرق؛ سيشاهد الزوار هذا أيضاً. لقد تمكنا من الحفاظ على المظهر الخارجي بالتعاون مع فريق الآثار.
من جهة ثانية، لم تكن طاقة الكهرباء متوافرة زمن السكان الأوائل. لكن، من أجل راحة الضيوف، زودنا كل غرفة بخدمة الواي فاي، ومنفذ واحد لشحن الهاتف، ومقبس واحد في الحمام للحلاقة أو استخدام مجفف الشعر. هذا كل شيء. يتم طهي طعام الضيوف على الحطب.

الخصائص الطبيعية للموقع

جلسة حول المدفأة في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

ماذا عن البحث والدراسة العميقين للتاريخ لإعادة تصور المنازل المبنية من الطين في العلا، مع إحيائها من خلال مشروع الفندق؟

شمل المشروع توثيقاً فوتوغرافياً لكل مساحة في بداية الأعمال، وأثناء التنفيذ، وفي نهايتها، في كل المناطق. تم تصميم أعمال البنية التحتية بحيث تراعي الخصائص الطبيعية للموقع. لذلك، تم استخدام نظام تصريف يعتمد على الجاذبية لمياه الصرف الصحي ومياه الأمطار. عندما كان ذلك ممكناً، تم استخدام نفس طرق ومواد البناء التي استخدمت على مر السنين في المدينة القديمة. وهكذا، تم تطبيق هذه المنهجية على جميع الأعمال التي تم تنفيذها في المدينة القديمة بالعلا. ميزة أخرى احتاجت إلى الترميم هي الجداريات الموجودة على جدران مباني الطين، والتي تم تنفيذها من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وبمساعدة خبراء دوليين.

لغة العمارة

عمارة دار طنطورة الداخلية مميزة (تصوير: نور الرفاعي)

ما هي أبرز المواد المستخدمة في التصميم والهندسة المعمارية لدار طنطورة؟

سبا في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

استخدمت في عملية الترميم، مواد تقليدية، مثل الطوب الطيني والخشب من شجرة الطرفاء، حيث نفذها حرفيون محليون في المنطقة. وقد ضمنت العمليات أن الإصلاحات تتماشى مع تقنيات البناء الأصلية المتوارثة عبر القرون. في بعض الحالات، تم تعزيز أو إعادة بناء الأسطح والأرضيات، باستخدام مواد محلية، مع احترام الحرف التقليدية، وتلبية متطلبات البناء الحديثة. تعكس المواد المستخدمة الطوبوغرافيا والموارد الطبيعية للعلا، مما يعزز العلاقة بين العمارة والمناظر الطبيعية. شملت المواد:

  • الطوب الطيني المحلي: يتكون من مزيج من التراب والطين والقش، ويوفّر متانة هيكلية وراحة حرارية، حيث يعزل الداخل عن درجات الحرارة القصوى في صحراء العلا.
  • الخشب من شجرة الطرفاء: تتميز الخامة بمرونتها وقوتها. هي استخدمت في تشكيل العوارض وإطارات الأبواب.
  • سعف النخيل: منسوجة بدقة، بوساطة الحرفيين المحليين، وهي تمتدّ على الأسقف.
  • الحجر الرملي المحلي: مادة رئيسة استخدمت في أساسات الجدران، والجدران في الدور الأرضي بالعلا. للحفاظ على الأصالة، دمج هذا الحجر المتوفر بكثرة في أنحاء المدينة القديمة والمزارع الصيفية، بالبناء، علماً أن خصائصه تتأثر بطرق الاستخراج والنحت. تم الحصول على الحجر الرملي من المحاجر المحلية المعتمدة من الهيئة الملكية للعلا، واستخدام الأحجار المنحوتة بشكل خشن والمصنعة في بناء الفندق. هناك، صفوف منتظمة من الأحجار المنحوتة موظفة في تصميم الواجهات الخارجية، وكتل غير منتظمة الشكل في الجدران الداخلية.
لقطة تبين الاتصال بين دار طنطورة والمناظر الخارجية (تصوير: نور الرفاعي)

تعكس المواد المذكورة آنفاً ثرية الملامس، ومتعددة الطبقات، لغة العمارة في العلا، حيث يتحدث كل اختيار عن الاستمرارية البيئية والثقافية. كل ليف من النسيج وكل طوبة موضوعة بعناية هي تحية للحرف اليدوية التقليدية في المنطقة، والمتوارثة عبر الأجيال. في هذا الإطار، لا يعني الحفاظ على التراث حفظ الهياكل المادية فحسب، ولكن أيضاً حماية المعرفة الجماعية المتجذرة في هذه المواد التقليدية (...).
في العديد من الغرف، تم الحفاظ على العناصر المعمارية الأصلية، بما في ذلك الجدران المزخرفة بشكل معقد، والتي تحتوي على أنماط هندسية وزخارف نباتية، مع ترميم هذه الزخارف بعناية لتسترجع مجدها السابق، ما يوفر للضيوف تجربة غامرة تربطهم بسكان هذه المنازل (...). تلقى الحرفيون المحليون تدريباً متخصصاً في عملية الترميم وساهموا في الجمالية الحقيقية للفندق من خلال تقديم كل عنصر، من السجاد والوسائد إلى السلال المنسوجة وزخارف الجدران، وبصورة تعكس الغرف العمارة التقليدية في المنطقة، مع تصميم المساحات للإيحاء ببساطة وأناقة المنازل الأصلية، مع تقديم ملاذ فاخر للضيوف.

أبواب مميزة

مطعم في دار طنطورة (تصوير: نور الرفاعي)

ماذا عن الأبواب المميزة؟

الـأبواب هي ميزة معمارية مميزة في مدينة العلا القديمة، وتعد أساسية في المنازل السكنية؛ إطارات الأبواب معدة من خشب الأثل، ومصاريع الأبواب من ألواح من خشب النخيل. تكون هذه الأبواب غالباً مزخرفة بشكل جيد، مما يزيد من قيمتها الجمالية والفنية. بعد جرد جميع أبواب المدينة القديمة، لاحظنا أن الخصائص الرئيسة لكل منها، هي الإطار المصنوع من الحجر المزخرف، مع عتبة ومصراع خشبي مزخرفين غالباً. الإطار الخارجي للباب مبني من الحجر المعالج الذي يشكل الأجزاء الجانبية ويتوج بعتبة حجرية، وبعضها يحتوي على نقوش.

مواد وتقنيات طبيعية

جدران منقوشة وباب وعوارض خشبية (تصوير: نور الرفاعي)

ما هو الفرق بين تصميم فندق عام وتصميم فندق مكون من مواد طبيعية مثل دار طنطورة؟

امتد مشروع ترميم وإعادة تأهيل المنطقة الأولى في مدينة العلا القديمة، على مساحة تزيد عن 105 قطعة أرض قائمة، مع الأزقة المحيطة بها، لتصبح فندق دار طنطورة ذا هاوس هوتيل، والذي يغطي مساحة إجمالية تبلغ حوالي 11 ألف متر مربع. علماً أن الفندق يحتوي على 30 غرفة وجناحاً مبنية بالطوب الطيني، ويتضمن العديد من المزايا مثل حوض سباحة لانهائي، وصالة رياضية واستوديو لليوجا والتأمل، وسبا، ومطعم للفندق، ولاونج لتدخين السيجار، وكافيه ومقهى محلي. تم تنفيذ المشروع بشكل متكامل بحيث يصبح جزءاً من بنية المدينة ككل ويحفز الحياة العامة بتقديم مظاهر كثيرة مثل سبيل للماء لاستهلاك الأشخاص المتجولين، وأماكن الجلوس، وأشجار السنط التي تشكل معاً أيكة وسور الفندق، ومتاجر ومقاهي وتجهيزات فنية، وبالتالي سيبلغ الزائر الذي يجول في متاهات المدينة القديمة في العلا، في النهاية ميدان طنطورة. عند دخول الفندق، ينغمس المرء على الفور في متاهة من الأزقة الضيقة التي تشكلت بشكل عضوي من خلال جدران المنازل المبنية من الطوب الطيني. عادةً، تكون هذه المنازل بدورين، حيث يكون المجلس في الدور الأول مخصصاً للاجتماعات والترفيه، في حين أن الدور الثاني يضم المطبخ وغرف النوم مع مدفأة.
كانت الماشية، مثل الماعز، تُحفظ تحت الدرج. كما يشتمل ربع منازل البلدة القديمة على ميزة غير عادية - وهي "الطيارة"؛ تتمثل الأخيرة في غرف إضافية مبنية على الجوانب العلوية لمنازل أخرى ويمكن الوصول إليها من خلال ممرات علوية مغطاة. تم استخدام بئر الضوء (في الهندسة المعمارية، يُعرَف "بئر الضوء" بأنه مساحة مفتوحة أو مصممة خصيصاً ضمن بنية كبيرة، تُستخدم لتمكين دخول الضوء الطبيعي ونفاذ الهواء إلى الأماكن التي قد تعاني من قلة الإضاءة أو التهوية، مما يضمن بيئة مريحة وصحية للمستخدمين) والساحات المفتوحة وفتحات السقف في بئر السلم لدخول ضوء النهار إلى المسكن وكذلك الحفاظ على تدفق الهواء الجيد داخل المساحات. تم الحفاظ على هذه الأشكال المتأصلة داخل تشكيل كل غرفة أو جناح في الفندق. كان لابد من تكييف كل وحدة، بعناية، لتلبية معايير الراحة المعاصرة دون المساس بسلامتها التاريخية(...). صُمم دار طنطورة لتسهيل أنماط الحياة اليومية التقليدية في العلا مع تلبية الاحتياجات المعاصرة (...).