اقتحمت الكاتبة المغربية لطيفة باقا غرفة الكاتبة البريطانية الشهيرة ، فرجينيا وولف ليس من باب النقد ،بل من باب القص لتبني غرفا أخرى مجاورة ، وذلك من خلال مجموعتها القصصية الثالثة "غرفة فرجينيا وولف " التي تتضمن تسع نصوص ،"الغرفة المجاورة ،واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة،تفاحة آدم ،رائحة القسوة ، غرفة فرجينيا وولف، أرق ، إلى أين تتجه الحافلة ،نقطة فاصلة ، آيس كريم.
مفهمة الحكي
افتتح الناقد حسن البحراوي مداخلته في اللقاء الذي نظمته جمعية طلبة المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط حول إصدار لطيفة باقا الأخير ،بتاريخ القصة بالمغرب والذي اعتبره حديث بحكم أن أغلب روادها لا زالو أحياءا وعرج على كرونولوجيا القصة التي تكتبها النساء، حيث قال أنها لم تبدأ إلا في أواسط الثلاثينات حينما نشرت مليكة الفاسي "دار الفقيهة" عام 1938 ، والتي تتحدث فيها عن مدرستها في الكتاب مدينة فاس ، كما تتحدث عن أمينة اللوه ككاتبة برزت في فترة الخمسينات ، وكانت لها قصص أخرى للأسف لم يهتم أحد بتجميعها . وفي أواسط الستينات برزت أسماء أخرى كخناتة بنونة ،ورفيقة الطبيعة لننتظر التسعينات ليظهر جيل من القاصات منهن ربيعة ريحان لطيفة لبصير ولطيفة باقا المحتفى بها في هذه الجلسة الأدبية .
و يستحضر الناقد حسن البحراوي أول نص قرأه لباقا بعنوان "ديدان معوية "ليستشعر استثنائية كاتبته في مواجهتها للثالوث المحرم عبر تداعيات امرأة فاعلة في مجتمع يتحرك و بأسلوب بعيد عن الكلاسيكية وموسوم بالجدة والحداثة لمواضيع ملتهبة ، تستعمل ما يسمى ب"مفهمة الحكي" ، حيث تجعل القصة تنكتب بتواطؤ السارد مع القارئ الذي يتم إشراكه في عملية الكتابة .
سيدات على حافة الهاوية
تطرق حسن البحراوي لنصوص المجموعة ، فنص "الغرفة المجاورة" تتحدث الساردة عن عمة تمارس البغاء، لذا فالعائلة لفظتها خارج المحيط لكن الساردة كانت تزورها عندما كانت طفلة معية شقيقها خلسة في بيتها حيث تمتلك غرفة مبهمة تستقبل فيها زوارها الذي لم يقع نظرهما عليهم أبدا .
أما النص الثاني والذي يحمل رقم 1 إلى ستة فيرى الناقد أن الساردة تحاول قتل الأم على طريقة فرويد المعكوسة فيما كانت تحيي الأب الذي كان بالواقع متوفيا وتعيش معه عبر الحلم ، بينما تختزل الذكورة في نص تفاحة آدم في حنجرته ، و اعتبر الناقد أن أغلب نصوص المجموعة تتحدث عن نساء على حافة الهاوية كالمرأة التي تستئصل رمز أنوثتها الرحم و أخرى تعيش شيخوخة سن اليأس والعجز عن العطاء وغيرهما من نساء محبطات مكتئبات.
عتبات فرجينيا
يتناول البحراوي اعتماد الكاتبة مقتطفات من أقوال فرجينيا وولف كعتبات لنصوص المجموعة ، لكن لا يمكن فهم مدخل النص حتى ننتهي من القصة فنعود إلى العتبة لنصله بها . و يلاحظ أيضا ان الكاتبة توظف الترقيم كخارطة طريق ببعض النصوص كما تعتمد على عمل الذاكرة في انتظار أن تتوقف فيبدأ الحلم لدرجة لا نعرف الحدود بينهما .
شخصية حكائية
من جهتها أشارت الكاتبة العالية ماء العينين أن عوالم لطيفة باقا الحكائية مدهشة وتمتلك شخصية إبداعية خاصة بها منذ مجموعتها الأولى " ما الذي نفعله" عام 1992 والذي حازت على جائزة اتحاد كتاب المغرب واصلت مسارها بثقة وروية إلى حدود 2005 لتصدر " منذ تلك الحياة " مما يجعلنا نلاحظ تريثها في نشر مجاميعها المن جهة وحضورها المتزايد على الساحة الأدبية بصوتها السردي المتميز فنصها القصصي مفتوح على التجديد .
وتطرح ماء العينين سؤالا لماذا اسم فرجينيا وولف في مجموعة باقا الأخيرة ؟
وتسترسل قائلة :
فرجينا وغرفتها لهما دلالة في الأدب النسائي ، وقد أثرت بشكل من الأشكال على الكاتبة العربية ،لكن حضور وولف في عنوان المجموعة وعتباتها لم يزاحم روح الكاتبة واستحضار هذه الشخصية في نديتها وليس تبعيتها، لتحاور غرفا هنا وهناك . وتأخذ الساردة القارئ في جولة في نصوصها المشذبة بدون وجل.
كادر
كشفت الكاتبة لطيفة باقا كون تجربتها الأدبية تشكلت بفضل أشخاص طبعوا مسار حياتها فأستاذها الكاتب "إسيعلي أعراب" الذي هو حاليا مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط ، بالصف الخامس ثانوي والذي بعدما عاين موهبتها في الكتابة حينما طلب من تلامذته كتابة إنشاء وضعها على طريق الأدباء العظام الكبار كبلزاك وإميل زولا ،كما كان للراحلة المناضلة النسوية زهور العلوي التي وجهتها سياسيا وفكريا أثرا في حياتها .
وأشارت أن هذا التعدد في التوجه جعل مسارها يتقاطع بشكل كبير مع فرجينيا وولف أدبيا ونضاليا خاصة فيما تعلق بقضايا المرأة .
وتحدثت عن طقسها الغريب في الكتابة والذي لا تعتبره ترفا بل لأن الظرف فرض ذلك حيث اقتنصت فرصة انتظار أبنائها على باب المدرسة لتكتب ،فبذلك تكون سيارة الكاتبة غرفة بأربع عجلات في زمن العولمة ، هذا الوضع في الكتابة عكسه غلاف المجموعة تماما ، والذي يحمل إحدى لوحات الفنانة البولونية تمارا دي ليمبيما والتي تظهر فيها امرأة داخل سيارة .
وتعتبر لطيفة باقا عن نصوصها هي منزلة بين الواقع والخيال والذي تعزيه أيضا لشغفها بالسينما خاصة الأعمال التي كانت تبث في إطار النادي السينمائي المعروف بعرضه لأفلام تثقيفية ملتزمة ، والكتابة لديها عبارة عن لعبة اللغز حيث تكون كل القطع مفككة تقول لطيفة ، فأعيد تركيبها حيث قد أنقل شخصية من هنا أسقط عنها ما لا يعجبني وامنحها أخرى لشخصية أخرى وأتنقل بها من مكان لأخر حسب الحكاية الروائية وهكذا .