عند منتصف الليل تذيع كلّ محطات الإذاعة التّونسيّة الخاصّة منها والعامّة نشرات إخباريّة، وبعد نهاية الأخبار تبدأ برامج تبثّ مباشرة على الهواء، وتتواصل ساعات إلى مطلع الفجر، وهي «برامج بوح» و«فضفضة» تفتح فيها الهواتف للمواطنين؛ ليبوحوا بقصص وأحداث شخصية، وبكلّ ما يجيش بخواطرهم من أفكار وآراء؛ ولأن الحديث في الهاتف في ساعة متأخرة من الليل عبر الأثير؛ فإنّ الشّهادات الإنسانيّة تأتي صادقة وجريئة وحارّة، وتتناول مواضيع تعدّ أحياناً مواضيع مسكوتاً عنها.
روايات وأفلام
يحدّد المذيع أو المذيعة في بداية البرنامج موضوعاً اجتماعياً أو إنسانياً من خلال «كلمات مفتاحية» كالخيانة أو الوحدة مثلاً، أو الصداقة أو الطلاق أو الندم أو الغدر أو الانتقام أو عدم الاعتراف بالجميل، أو فراق الأحبة أو الخصومات بين الأشقاء والقطيعة بينهم بسبب الإرث، أو أسباب أخرى، أو التحرش الجنسي، أو الفقر المدقع -على سبيل المثال- ومواضيع أخرى تتناول أحياناً الهجر في الفراش، أو البرود الجنسي، وغير ذلك من المواضيع الاجتماعية والإنسانية، ثمّ يبدأ المستمعون في الاتّصال بالهاتف؛ للحديث مباشرة عن تجاربهم الخاصّة ورواية قصص واقعيّة حدثت لهم، لو يستغلّها علماء الاجتماع، أو علماء النفس أو الروائيون، أو كتّاب السيناريو؛ لوجدوا فيها مادّة دسمة لدراسات أو روايات أو أفلام. وهناك الكثير من الفتيات والنساء يتصلن بمثل هذه البرامج؛ للكشف عن صفحات من حياتهن، وهي غالباً مآسٍ يشيب لها الولدان.
مشاكل زوجية وممنوعات
ولأنّ المتّصلين يكتفون بذكر الاسم دون اللقب، ويمكن ذكر أسماء مستعارة، وأكثرهم يتستّرون على هويّتهم الحقيقيّة؛ فإنهم لا يجدون أي حرج في البوح بعديد المشاكل، ومنها المشاكل الزوجيّة، والممنوعات تصبح مباحة، والكثير من النّساء والفتيات يتحدثن بصراحة تامّة، وبتلقائية عن مواضيع يتستّر الناس عنها عموما ويكسرن جدار الصمت، كما أن الكثيرين يشكون همومهم ويكشفون معاناتهم وحيرتهم ومآسيهم، ويميطون اللثام عن خصوصيّاتهم؛ بحثاً عن حل أو مساعدة، وأحياناً فقط لمجرد الفضفضة.
في ضوء القمر
ومن بين أشهر هذه البرامج الإذاعية برنامج «في ضوء القمرية» لبيّة الزردي، ويذاع كل يوم أحد من منتصف الليل تقريباً إلى الثالثة فجراً. وتترك بية الزردي -وهي مذيعة شهيرة وممثلة أيضاً- كامل الحرية للمستمعين والمستمعات للحديث عن كل ما يكدر خاطرهم، فتتهاطل عليها المكالمات التي تذاع مباشرة على الهواء وفيها قصص إنسانية مؤلمة جداً وموجعة، وكثيراً ما تجهش النساء بالبكاء وهن يروين شذرات من حياتهن وقصصاً من معاناتهن من الأسرة أو الزوج أو الحبيب الخائن، أو من مصائب الدهر وما أكثرها.
همس الليل
ومن هذه البرامج أيضاً برنامج «همس الليل» بإذاعة الشباب، ويذاع كل يوم أحد -وهو يوم الإجازة الأسبوعية في تونس- وهو برنامج خاص بالشباب يتصلون؛ ليرووا مشاكلهم الجنسية خاصة وأحياناً التعليمية والحياتية عموماً؛ طالبين النصح من الدكتور أحمد النيفر المشرف على البرنامج بالاشتراك مع المذيعة. ويتحدث الشباب –إناثاً وذكوراً- بصراحة وجرأة عجيبة، متسترين بأسماء مستعارة عموماً، عن مشاكل شخصية شائكة، والكثيرات من الفتيات يتصلن في حيرة؛ لمعرفة إن فقدن بكارتهن بعد ممارسة الجنس مع خطيب، أو صديق وعد بالزواج ثم حنث بوعده.
كما أن بعض الشبان يبوحون بمعاناتهم من الشذوذ الجنسي، وبعضهم يبحث عن حلول، وأكثر مواضيع الشباب تدور في فلك العلاقات العاطفية، وما يحوم حولها، كما أن الكثير من الفتيات يشتكين من فشلهن في علاقات عاطفية مستقرة؛ حتى إن واحدة منهن قالت ذات مرة –وهي لم تتجاوز العشرين من العمر- إنها فشلت في أكثر من 8 علاقات عاطفية.