أصبحت موائد العزائم عادة لدى معظم البيوت السعودية، فقد عرف شهر رمضان المبارك بشهر القيام بالأعمال الصالحة، كما عرف بشهر التجمعات والعزائم، ففي هذا الشهر الفضيل تكثر العزائم الرمضانية، محملة بكل ما لذ وطاب من أشهى أصناف الطعام، المحملة بتكاليف ترهق كاهل الكثير من الأسر، حيث يتنافس أصحاب العزائم في درجة التفنن، التي قد تصل إلى المبالغة والتبذير بمائدة الإفطار؛ في سبيل التباهي والتميز، ومن لا توجد لديه القدرة على رد تلك العزائم بمثل ذلك المستوى لا يجد أمامه سوى الاعتذار عن عدم قبول أي دعوة، رافعاً شعار «العزائم ممنوعة والعتب مرفوض».
وحول هذه «العزائم» وما تحمله من إرهاق مادي وجسدي لأفراد الأسرة أجرى «سيِّدتي نت» هذا التحقيق:
خطط وميزانية لاستقبال شهر رمضان
تقول شيخة العبودي «أم لخمسة أبناء»: «لا أخفي عليكم، مع مرور السنين وكثرة الالتزامات أصبحت أتخوف من قدوم شهر رمضان، وأحسب له ألف حساب، وأحضر له قبل دخوله بشهر، وأنظم جدولاً للعزائم، ولكل منها تكلفة خاصة مرهقة، كما أحضر قائمة بأصناف الطعام التي يجب أن تتوفر، وقبل قدوم الشهر المبارك بأسبوعين أقيم في المطبخ؛ لتجهيز بعض المأكولات بكميات كبيرة وتجميدها؛ حتى تكون سهلة التحضير في العزائم التي نضع معها ميزانية أخرى للملابس الجديدة الخاصة بالعيد، فأصبحنا نخرج من شهر رمضان محملين بالديون وأعباء كثيرة أكثر من خروجنا منه بصفاء النفس وراحة البال محملين بالأعمال الحسنة والروحانية».
أتى همّ العزائم
تقول العنود القحطاني: «صدقت أمي حينما كانت تقول عن دخول رمضان «أتى همّ العزائم»، ولأنني كنت الابنة الصغرى المدللة فلم يكن لدي دور سوى الترحيب بالمعازيم والمؤانسة معهم، ولكن مع أول سنة زواج لي ومطالبة زوجي لي بإقامة العزائم شبه اليومية أصبحت أتخوف من قدوم شهر رمضان، ويصيبني غم ونكد عندما أعلم بقائمة المدعوين، وعدد أيام العزائم التي يصر عليها زوجي لإقامتها لأصدقائه وعائلته وعائلتي، على الرغم من أنها ترهقه مادياً وترهقني معنوياً وبدنياً، ولكنه يصر عليها من باب المجاملة ورد العزائم، وقد وصل بي الأمر أنني عندما تتم دعوتي من قبل أحد أتحجج بأي مرض أو عذر؛ لكي لا يكون عليّ ردها ضمن العزائم التي لا تنتهي، فأنا أرى باختصار أن عزائم رمضان لم تعد بهدف الاجتماع العائلي الجميل وصلة الرحم، بل لإسكات كلام الناس ورد المجاملات».
اجتماع العائلة
أم سعد السالم «أم وجدة لعشرة أحفاد» تقول: «كيف يكون للأكل طعم وبهجة دون اجتماع العائلة الجميل؟! فأنا لا أستطيع أن أشعر برمضان وبهجته إلا بين أبنائي وبناتي وأزواجهم وأبنائهم، وأصر على تواجدهم بشكل يومي معي على الإفطار والسحور؛ لكي نفطر سوياً ونصلي التراويح معاً، وتجتمع العائلة كاملة لتتواصل مع بعضها البعض، وهذا هو سر جمال هذا الشهر، إذ ينشغل الأبناء والأحفاد بأعمالهم ودراستهم على مدى العام، وأرى أن هذا الشهر يخصص لي حتى أجمعهم حولي من جديد، ولا أحضر الموائد الكثيرة من الطعام، وأفضل أبسط الأطعمة وأكثرها خفة، ولا أحب البذخ في الطعام، فالله يحاسبنا على ذلك، فالموجود يكفي لنا ويسعدنا، ورمضان ليس شهراً لملء بطوننا، بل هو شهر اجتماع العائلة الجميل والعبادة الصادقة لرب العالمين».
اجتماع للبطون
أما هيا الحمود فتقول: «في رمضان تكثر الاجتماعات بشدة، خاصة أول يوم، فهو بالنسبة للشعوب العربية عيد، لذلك يحرصون فيه على التجمع والاحتفال به، وفي نهار رمضان تجتمع النساء في المقر الرئيسي «المطبخ» لإنتاج ما لذ وطاب، فرمضان بالنسبة لي هو شهر الاجتماعات، ومن هذه الاجتماعات: اجتماع روحاني، وعائلي، واجتماع «للبطون»، وأهم شاهد ودليل على ذلك السوبر ماركت ومحلات بيع الأغذية لشراء كل ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه، فنجد ربة المنزل تقوم بعمل أطباق إضافية لتوزيعها على الجيران، ويعتبر من العيب أن يشم الجيران طبخ البيت ولا يتذوقوه، فتجد تبادل الأطباق حتى وقتنا الحالي عادة مستمرة».
أخرج من رمضان نظيف الجيوب
«يقال، اخرج من شهر رمضان وأنت نظيف، ومطهر من الذنوب، ومكلل بالأعمال الصالحة، وأنا أخرج منه نظيف الجيوب، مكللاً بهمّ وعبء طلبات العيد بعدما أرهقتنا العزائم ومصاريفها»، بهذه العبارة بدأ أبومازن المسالمي حديثه، وأضاف: «العزائم في رمضان واجب لا غنى عنه، ولا أستطيع أن أقدم أي أعذار، فيجب علي تلبية الدعوة، وأن أقيم رداً للعزائم، فنحن بيت كرم، اشتهرنا بذلك رغم التكاليف المرهقة، فلم نعد كالسابق؛ تمرة وحليب يكسر صيامنا، والسيدات هن اللواتي يكن في غاية الإصرار على تلك العزائم، حيث يبدأ التنافس الرمضاني بمن يقدم أفضل سفرة وعزيمة».
الجود من الموجود
فيما تقول هبة صادق: «أحب عزائم رمضان، ولا أشتكي منها أبداً، فمبدئي دائماً «الجود من الموجود»، ولا أبذر في كثرة الطعام والأصناف المتعددة، بل أضع ميزانية لا أتعداها؛ كي لا أرهق مصاريف بيتي وعائلتي، فلا يوجد أهم من التوازن والتدبر، وشهر رمضان ليس للطعام فقط ولكن للعبادة، وإن حدث تجمع عائلي ففنجان قهوة مع حلى بسيط يكفي لذكر الله، والاستئناس بضيوفنا».
ماركات الأطعمة
صيتة العمري تقول: «ليست العزائم هي ما ترهق فقط، فمن الممكن إقامة عزيمة بأبسط المأكولات، ولكن أصبح الآن للمأكولات ماركات، فيجب أن تقدمي حلويات من محل معين، وهو أغلى محلات الحلويات الأخرى، وتقدمي ضيافة من محل خاص، وإن قدمتِ نوعاً عادياً من الحلويات فلا يعجب الضيوف، وقد أصبح مجتمعنا يبحث عن كل ما هو غريب وجديد حتى في الأطعمة، ويجب على صاحبة المنزل أن تقدم لهم كل ما هو جديد، وغالي السعر من المحلات الشهيرة ذات الصيت العالي؛ لكي يكون الضيف راضياً عن العزيمة، فالعزائم بالنسبة لي أمر اضطراري، وليس لدي اختيار فيه «مجبر أخاك لا بطل».
السفرة السعودية في رمضان... عزائم ومظاهر تنافسية
- أخبار
- سيدتي - نهى السداوي
- 09 يوليو 2014