لم ينتقد أو يهاجم مسلسل تاريخي من نقاد وأدباء وإعلاميين كما هوجم مسلسل "سرايا عابدين" الذي بررت مؤلفته هبة مشاري تحريف التاريخ وتشويه الخديوي اسماعيل وزوجاته ووالدته ووصمهم بجرائم قتل ودسائس لم يرتكبوها تحت عبارة "مستوحاة من قصة حقيقية" ليشبه المسلسل التركي "حريم السلطان". في "سرايا عابدين" ،النص ضعيف وسطحي ومليء بالمغالطات التاريخية ،والمخرج الحديث العمل بالدراما التاريخية عمرو عرفه لم يستطع منح النص الروح التاريخية الحقيقية ولا حتى هالة الهيبة التاريخية المفترض إحاطة العمل بها،والسبب ببساطة أن النص نفسه لا هيبة تاريخية فيه،ولا حقائق تسنده،فما نراه يومياً قليل من النسخة المصرية "ألف ليلة وليلة"،والقليل من النسخة التركية "حريم السلطان" الذي لم يرتق إليه بأي شكل من الأشكال،ونعود فنسأل أنفسنا: هل يحق لكتّاب الدراما تشويه الشخصيات التاريخية تحت عبارة "مستوحاة من قصة حقيقية"؟
بيان الملك الغاضب
أول الرافضين لمنطق مؤلفته ومخرجه وصنّاعه، الملك أحمد فؤاد الثاني نجل الملك فاروق الوحيد حفيد الخديوي اسماعيل الذي أصدر بياناً غاضباً وزعته باهتمام وكالة رويترز ،وهو ملك مصر والسودان أحمد فؤاد الثاني الذي كان ملكاً صورياً من عام 1952 لغاية عام 1953 حين خلعت ثورة يوليو والده فتنازل له عن العرش قال فيه: "تابعت بكل الأسف المسلسل المسمى "سرايا عابدين" ظناً مني أنه سيكون منصفاً لتاريخ الخديوي اسماعيل باشا الذي يعتبر واحداً من أهم وأعظم حكّام مصر في عصرها الحديث،والشريك الأساسي لجده محمد علي باشا في بعث نهضة الوطن الغالي،وللأسف بدلاً من إبراز الأعمال والإنجازات التي قام بها الخديوي وهي معروفة للجميع ، اهتم منتجو المسلسل بجانب لا وجود له إلا في خيالهم ولا يمتّ للواقع بصلة،وأبسط ما يقال عنه إنه مهين لذكرى هذا الرجل الوطني العظيم الذي أحب بلده،وبذل كل ما في وسعه وطاقته لرفعة شأنها إلى مصاف الدول المتحضرة".
وتابع :"المسلسل امتلأ بالمغالطات التاريخية والجغرافية،وبالخلط في الشخصيات،الأمر الذي ينمّ عن جهل شديد بتاريخ أفراد الأسرة،وبتاريخ الوطن في فترة من أزهى فتراته،كما امتلأ بالإتهامات للخديوي ولبعض زوجاته بالقتل والتآمر والفساد وسوء الخلق،ولم يدخر وسعاً أو جهداً في تشويه صورة الجميع لا لشيء إلا إنتاج عمل تجاري رخيص لا يهدف إلا للربح المادي على حساب سمعة من رحلوا فلا يستطيعون الدفاع عن إسمهم وشرفهم وذكراهم". وأضاف أحمد فؤاد الثاني: وضع عبارة "دراما مستوحاة من قصة حقيقية" في مقدمة الحلقات أمر لا يعفي أصحاب المسلسل من المسؤولية عن الإهانة المقصودة والإتهامات الكاذبة لأشخاص حقيقيين رحلوا عن عالمنا،ولكن لهم أحفاد وذرية لن تقبل بهذه الإهانات والإتهامات المخلة بالشرف،ولن تسكت عنها،وأطالب من بيده الأمر أن يتدخل لوقف هذه المهزلة التي إذا كانت موجهة للخديوي اسماعيل بشخصه إلا إنها أيضا تمس سمعة مصر وتاريخها المجيد،وتخل بصورتها أمام أبنائها من الأجيال القادمة التي سيترسخ في أذهانها ما ورد في هذا المسلسل من أكاذيب مختلفة على أنها حقائق دامغة،وأحداث ثابتة،وتاريخ موثق،وهي أبعد ما تكون عن ذلك".
كان هذا رأي الملك أحمد فؤاد بالعمل،فما هو رد مؤلفته؟
مؤلفته هبة مشاري: "سرايا عابدين" لا يرصد التاريخ حرفياً
وردّت مؤلفته هبة مشاري على الإنتقادات فقالت: إن الإنتقادات التي تعرض لها "سرايا عابدين" مجرد عبث،خاصة ما وصفه البعض بالأخطاء التاريخية للمسلسل،وتابعت: "إن العمل لا يتناول سيرة ذاتية لأي من الشخصيات الموجودة فيه،ولا يرصد التاريخ نصاً أو حرفياً،كما أنه لا يوثق الأحداث تاريخياً،ولكنه يقوم بتوظيف بعض الأحداث التاريخية وفقاً للسياق الدرامي".
وكشفت أنها كانت تعلم ما سيحدث قبل عرض المسلسل،ولذا فإن صنّاع العمل استعانوا بعبارة "دراما مستوحاة من قصة حقيقية" التي وردت في بداية المسلسل،وذلك للتأكيد على أنه لا يرصد سوى قصص خيالية تمّت معالجة ما يصلح منها على المستوى الدرامي.
هذا ما قالته مؤلفته،والسؤال الهام الذي يطرح نفسه: أين القصة الحقيقية للشخصيات التاريخية الأصلية التي يتم إستغلال اسمها؟
مخرجه عمرو عرفه: "سرايا عابدين" تم بعد دراسة كبيرة
وجاء تصريح المخرج عمرو عرفه لصحيفة كويتية ليثير فينا السخرية حيث قال:" إن مسلسل "سرايا عابدين" تمّ بعد دراسة كبيرة وقراءة كثيرة للإقتراب من الشخصيات والحقبة التاريخية التي يتحدث عنها المسلسل".
إن كان ما عرض طوال 16 حلقة تلفزيونية هو ما تم بعد دراسة كبيرة وقراءة كثيرة لا يجعلنا نأمل خيراً بالمسلسلات التاريخية أو ما يطلق عليها بالتاريخية التي تنفذ وتخرج بهذه الصورة،ويشعر المثقفون الذين عارضوا اختيار حاتم علي لإخراج مسلسل "الملك فاروق" يتمنون الآن لو قام هو بإخراجه،ولو قام أيضاً شريكه في الإبداع الدكتور وليد سيف بكتابته، تعاطفاً مع الخديوي اسماعيل وزوجاته ووالدته اللواتي تحولن إلى قاتلات ،وإلى الخديوي اسماعيل التي حذفت المؤلفة إنجازاته العظيمة ،وركزت بقصص خيالية على أجنحته وحريمه،فحولته إلى شهريار لا يعرف سوى النوم مع النساء،وتجاهلت ما تبقى من حياته وإنجازاته السياسية والعمرانية والتعليمية،ورغم نفيها أنها استوحت فكرة التركيز على حريم الخديوي بجرائم لا تمتّ لهن بصلة من مسلسل "حريم السلطان" الذي اختلف عن "سرايا عابدين" بأنه لم يلصق بحريم السلطان سليمان ما ليس فيهنّ،ولم يتجاهل بعض إنجازاته وحروبه،وأبرزها بحرفية إخراجية وبصرية راقية وعالية لم يتوافر أي منها في النسخة المعربة.
هل اقترب "سرايا عابدين" من حقبة الخديوي اسماعيل التاريخية حقا؟
والسؤال: هل اقترب فعلاً "سرايا عابدين" بنصه وبأحداثه وبرؤيته الإخراجية من حقبة الخديوي اسماعيل؟
وهل ظهر لغاية الحلقة الـ 16 ما يشير إلى إنجازات الخديوي اسماعيل في نهضة مصر الحديثة وحلمه في تحويلها إلى قطعة من أوروبا؟ لقد صرفت الجهة المنتجة ميزانية إنتاجية تقدر بـ 20 مليون دولار عليه فلم يرنا العمل شيئاً من إنجازاته دراميا بل كلامياً،فالخديوي اسماعيل الذي كان أول من أسس مجلس نواب في مصر أتاح من خلاله للشعب المصري اختيار ممثليه عام 1866، لم نره يفتتحه وسط أعضائه بل أشير إلى ذلك بحوار مع حاشيته،وأنشأ قناة السويس وافتتحها بنفسه مع الإمبراطورة أوجيني،وأنشأ أهم القصور بما فيها قصر عابدين،وأول دار أوبرا في مصر سميت بدار الأوبرا الخديوية،وأنشأ أكثر من 400 كوبري في مصر، وطور السكك الحديدية،وأنار شوارع القاهرة بالغاز،وكلف الحكومة بتحمل نفقات تعليم التلاميذ ليكون مجانياً للمصريين،وفي عهده صدرت أهم الصحف والمجلات من بينها: "الأهرام"،وسمعنا عن إنشاء القطار وتطوير السكك الحديدية من كلام الخديوي فحسب ،ولمح الجمهور شيء يسمى القطار لثوان معدودة خلال ركوب الخديوي له مع أبنائه الأمراء في رحلة صيد،ولم نشاهد حروباً أو معارك أو إنشاء طرق أو دار أوبرا وما سواها من إنجازات الخديوي،أو مقابلاته مع سفراء بلاطه أو حتى أعدائه أو حتى نوع علاقته بالإمبراطورة أوجيني المعجب بها والتي افتتحت معه قناة السويس،،فهل صرفت هذه الميزانية الهائلة على أجور النجوم والعاملين والمصورين والديكورات الفخمة والموسيقى التركية وسواها من التقنيات بهدف إظهار الخديوي بحريمه نداً للسلطان سليمان القانوني وحريمه ليس إلا؟ فاهتم صناعه بالشكل وتجاهلوا المضمون وهدم بنيانه التاريخي بيده؟
"سرايا عابدين" يطلق فريال ويقتل زوج نازلي بتدبير الملكة خوشيار
وما يزال مسلسل تحريف التاريخ مستمراً حيث يجعل الخديوي اسماعيل يطلق زوجته فريال هانم عند اتهامها نجله الأمير توفيق بقتل شقيقه الأمير فؤاد ثم يردها في الحلقة التالية الـ 16 ،وجعل نازلي هانم تفر مع زوجها السري أدهم (محمد مرزبان)،وعندما يكتشف أمرهما الخديوي يدعي أمام حرسه أنه قتلهما لكنه في الحقيقة أطلق سراحهما ،وتركها تعيش حبها بسعادة،لكن والدته الملكة خوشيار (يسرا) لم تدعها وشأنها فدبرت مكيدة قتلها على يد رئيس حراس القصر ،وطلبت من وصيفتها الأولى بعد قتله بخنجر خلال نومه، تجهيز جناح العمة نازلي التي لا بد أن تعود إلى قصر إبن أخيها الخديوي،وبالطبع كل هذه الأحداث لا تمتّ للحقيقة بصلة.
أجرأ مشهد لغادة عادل في تاريخها الفني مقتبس من مشهد جمع الأمير سليم بالسطانة نوربانو
وفي الحلقة الـ15 تشتاق شمس قادين (غادة عادل) للخديوي اسماعيل فتتسلل إلى جناحه، وقبل اختلائه بزوجته الرابعة جشم هانم ترتمي في أحضانه عندما يفتح خزانته فيرد جشم، ويقضي ليلته مع شمس،ويأخذان حماماً معاً في البانيو،وتداولت مواقع التواصل الإجتماعية هذا المشهد تحت عنوان:"أجرأ مشهد لغادة عادل في تاريخها الفني"،المقتبس من مشهد مشابه تم لأول مرة في مسلسل تاريخي في الموسم الرابع من "حريم السلطان"، جمع الأمير سليم بزوجته السلطانة نوربانو،وانتقده بشدة في الصحافة التركية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
ملامح متطابقة بين الملكة خوشيار ووالدة السلطان سليمان
ولوحظ نقل المؤلفة في شخصية الملكة خوشيار والدة الخديوي اسماعيل (يسرا) نفس ملامح وطبيعة شخصية السلطانة الأم حفصة(نبهات شهري) حيث تتمسك بقانون قصر عابدين،وترفض تغيير نظامه بعد أن أصبح الخديوي يلتقي جاريته شمس بأي يوم يشاء غير يوم الخميس المخصص للجواري. بينما باقي أيام الأسبوع موزعة بين زوجاته،ومرفوض تماماً من قبلها ترقية الجواري إلى مرتبة الزوجات،وتصف شمس عندما ترى إبنها معها خلال عودتهما عبر السرداب من الخارج ببنت ليل، وهذا نفس موقف السلطانة الأم في "حريم السلطان" من الجواري عموماً ومن السلطانة هيام (مريم أوزيرلي) خصوصا التي تطمح لأن تكون زوجة وهذا ما حصل فعلاً.
هل قتلت شمس قادين مبكراً حتى لا يقال إنها نسخة عن السلطانة هيام؟
وترتكب الملكة خوشيار جريمتها الثانية بقتل شمس قادين بالسم الذي دسه لها طبيب القصر بالماء ، والتي بعد أن نجت من شرب كوب ماء ممزوج بمياه النار من تدبير جشم هانم وجاريتها نرجس ،وتدخل السجن بإرادتها لتحمي نفسها من الموت،ولتحمي أيضاً كالي مامي (أنوشكا) وعثمان آغا ورئيسة الجواري من حكم الإعدام،وترفض الخروج تلبية لطلب الخديوي لها مصرة على خروجهم معها،يذهب الخديوي إليها في محبسها فيجدها نائمة،ويسأل إن أكلت شيئاً ما فتخبره كالي مامي أنها شربت ماء من أحد حراس السجن ،وعندما يحركها يجدها ميتة بين يديه،فيدفنها في مقبرة عائلته ويدفن قلبه معها.
فهل ماتت فعلاً شمس قادين؟ وبذلك انتهى دور غادة عادل في الموسم الأول؟ كيف؟ وغادة عادل بطلة رئيسة،وأكثر عنصر نسائي جاذب للعمل بعد الممثلة الكبيرة يسرا؟ وهل ستعود بشكل آخر في الحلقات المقبلة أو الموسم الثاني منه؟ وإن حصل وماتت نهائياً فهل تعجلت المؤلفة موتها لأنها نسخة طبق الأصل من السلطانة هيام؟ولو حصل ما تسعى إليه شمس في أن تكون ملكة قلبه الوحيدة في قصر عابدين،سيتأكد للجمهور العربي استنساخ المؤلفة الكثير الكثير من "حريم السلطان"؟ وكان قد تردد مسبقاً قبل توقيع غادة عادل عقد العمل فيه بأنها ستكون نجمة النصف الأول من موسمه الأول فقط،وإن صح ذلك،وتمت استعانة صنّاع المسلسل بممثلات أخريات في موسمه الثاني أو الثالث يكون هذا أيضاً تقليد لـ "حريم السلطان" أول مسلسل تاريخي تركي استضاف أكبر عدد من ضيوف الشرف المشاهير في مواسمه الأربعة على مدار أربعة أعوام ليظل محافظاً على مركزه الأول على قمة العمل الأعلى مشاهدة عالمياً بدون الإضطرار إلى ارتكاب مغالطات تاريخية غير مقبولة من أحد .
،والحلقات المقبلة من "سرايا عابدين" ستكشف لنا ذلك.
تابعوا أيضاً:
أخبار المشاهير على مواقع التواصل الإجتماعي عبر صفحة مشاهير أونلاين
ولمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"
