على الرغم من مظاهر العبادة التي تكثر في رمضان، إلا أن الشهر الفضيل لا يخلو من سلوكيات سلبية تتسم بالعنف، ويطلق عليها المغاربة مصطلح «الترمضينة».
تشهد الأيام الأولى من شهر رمضان عنفاً ينتشر في الأسواق والأماكن العامة، خاصة ما بين صلاة العصر وأذان المغرب، تثور الأعصاب لأتفه الأسباب؛ بسبب الزحام الشديد الذي تعرفه الأسواق والمحلات التجارية.
كما تمتلئ بعض الطرق بالسيارات قبل موعد الفطور، لتتحول إلى ساحات نزاع بين السائقين، يتبادلون الشتائم تارة، والتهديد والوعيد تارة أخرى، مطلقين العنان لأبواق سيارتهم لتعم الفوضى والضجيج، فتسجل أيام رمضان الأولى أرقاماً مرتفعة في حوادث السير وعدد مخالفات المرور.
مظاهر
تتجلى مظاهر «الترمضينة» أكثر في المنازل والبيوت والعلاقات بين الأزواج، حيث لا تخفي العديد من الزوجات خشيتهن من انفعال وتقلب مزاج أزواجهن خلال نهار رمضان، تقول أم كلثوم، (التي فضلت اسماً مستعاراً) -أم لأربعة أبناء وربة بيت- إن زوجها الذي يعمل نادلاً في أحد مطاعم الدار البيضاء، يتخذ من رمضان عطلة سنوية له، ويُفسد عليها أيامها في هذا الشهر المبارك، فهي تحاول جهدها ألا تقوم بأي شيء قد يُنذر ببداية الحرب بالمنزل. وتضيف أم كلثوم، 47 سنة، أنها تدعو الله –تعالى- دوماً ألا يقع مكروه خلال رمضان بسبب حدة طباع زوجها، خاصة أنه يمكث في المنزل طيلة اليوم، الأمر الذي يجعل احتمالات وقوع سوء الفهم كثيرة بينه وبين أبنائه. وتقول إن زوجها يصبح في نهار رمضان شديد العصبية، ولا تنتهي تعليقاته على كل شيء في البيت، سواء تعلق الأمر بالنظافة أو المطبخ أو تدبير الوقت أو كيفية تهيئة مائدة الإفطار، مضيفة أنها تتمنى أحياناً أن يقضي زوجها يومه كله مستغرقاً في النوم؛ حتى لا تحدث الصراعات بينهما.
وإذا كانت أم كلثوم تحاول امتصاص «ترمضينة» زوجها بفضل مرونتها وذكائها، فإن زوجة أخرى تقول: إن دهاءها لم ينفع في منع زوجها من مضاعفات الترمضين، فقد أضحى شهر رمضان لدى زهرة، (35 سنة)، ممرضة وأم لطفلين شهر العراك اليومي مع زوجها المدمن على التدخين. ووصفت زهرة في حديثها الساعات القليلة التي تمتد بين وصول زوجها إلى البيت بعد انتهاء دوام العمل وبين موعد الإفطار، بأنها جحيم حقيقي؛ تتجرع خلاله مرارة كلماته المهينة، ويصل الأمر أحياناً إلى حد العنف الجسدي.
التفسير النفسي
تعليقاً على الحالات السابقة يقول الدكتور عثمان البقالي، الخبير النفسي المتخصص، إن الترمضينة ترتبط بالغضب الذي ينتاب بعض الناس بسبب مواقف يكونون طرفاً فيها.
وأضاف: «اللاوعي أو اللاشعور هو التفسير النفسي لهذه الحالة التي يصر البعض على إلصاقها بالتحولات الفسيولوجية والذهنية التي تصاحب صيام البعض في شهر رمضان، واللاوعي آلية من آليات النفس البشرية التي تعمل دون تحكم من الشخص، فيصدر منه أحياناً ما قد يفاجئه هو نفسه، أو يفاجئ من يحيط به».
أما المحلل في علم النفس الاجتماعي زهير أمصيلح ، فيرى أن الترمضينة واقع حاصل لا يُرتفع عليه، وتحدث نتيجة تغيرات ذهنية، وجسدية، واجتماعية تواكب شهر رمضان، ولعل أهمها التحول الذي يطرأ على الساعة البيولوجية للإنسان. ويستطرد قائلاً: إن الترمضينة تصيب أكثر المدمنين على التدخين أو على تناول المخدرات، والمدمنين أيضاً على الشاي والقهوة، بسبب احتوائهما على مادة الكافيين التي يسبب انقطاعها خلال شهر رمضان تأثر بعض خلايا الدماغ بذلك الشيء الذي ينتج عنه شعور تلقائي بالغضب والاستثارة العصبية الشديدة. ويستدرك المتحدث بأن كل هذه المتغيرات، رغم حدوثها لا تعطي أبداً الحق للصائم أن يسيء الأدب؛ أو يخرج عن طوره واتزانه خلال شهر رمضان؛ لأنه شهر التسامح والإيثار والمودة، لا شهر الانفعال والعداء.
«الترمضينة».. عنف مغربي في رمضان
- أخبار
- سيدتي - سلمى درداف
- 16 يوليو 2014