تنافست دول كثيرة في الحفاظ على حياة مواطنيها، فأصبحت توفر لهم كل سبل الأمان والراحة والرفاهية، ولم يعد هذا غريباً، فقد تطور هذا الأمر بشكل ملحوظ مؤخراً؛ ليصل لأغلب دول العالم بما فيها دول العالم الثالث، فسعيُ دول عدة لرعاية مواطنيها والحفاظ على سلامتهم ليس أمراً غريباً أو غير اعتيادي، لكن أن تسعى بعض الدول للحفاظ على حياة حيواناتها أيضاً، فربما يكون هذا هو الأمر الغريب وغير المألوف.
عانت الكثير من الدول، وخاصة الأوروبية والأميركية، من تقاطع حياة الحضر والطرقات مع الحياة البرية كثيراً، فأصبحت الطرقات تمر بمنتصف أوكار الحيوانات في كثير من الأحيان، ليتسبب ذلك بالعديد من الحوادث المؤسفة للطرفين، سواء البشر ممن يقودون المركبات أو حتى الحيوانات، وقد لوحظ مؤخراً أن هذه الحوادث تضاعفت أعدادها؛ لتصل على سبيل المثال لأكثر من مليون ونصف مليون حادث في الولايات المتحدة الأميركية وحدها خلال عام واحد فقط، وهو عام 2005، مما دعا هذه الدول للتفكير بشكل جدي لحل هذه المشكلة والحفاظ على حياة البشر والمواطنين من ناحية، والحفاظ أيضاً على حياة الحيوانات والإبقاء عليها؛ باعتبارها ثروة قومية لكل بلد توجد فيه، يؤثر أي خلل فيها على الثروات الأخرى، سواء البشرية أو النباتية، وغيرها الكثير من الثروات الاقتصادية.
• جسور الحيوانات فوق الطرقات السريعة
كانت فكرة إنشاء جسور للحيوانات فوق الطرقات السريعة التي تلتحم بأماكن وجود وتكاثر الحيوانات البرية أولى الأفكار التي فكر فيها الإنسان للحد من مشكلة الحوادث والحفاظ على الحياة البرية قدر الإمكان، ففي الكثير من المناطق، خاصة في الولايات المتحدة وكندا والدول الأوروبية وأستراليا، ليست المشكلة فقط هي الإبقاء على الحيوانات أو الحفاظ عليها، بل وجد أيضاً أن تلك الحوادث ربما تكون قاتلة، حيث تظهر الحيوانات، وبعضها كبير الحجم، أمام السيارات بشكل مفاجئ، وفي أوقات المساء أحياناً، مسببة كارثة تسفر في كثير من الأحيان عن موت طرفي الحادث بشكل مأساوي، لذا تم إنشاء تلك الجسور، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول التي تعاني من نفس الأمر؛ للحد من المشكلة، وقد كان لهم ما أرادوا، فقد انخفض معدل الحوادث على الطرقات مع الحيوانات بشكل ملحوظ، حتى إنه قد تمر عدة أشهر دون الإبلاغ عن حادث واحد.
• الأنفاق أيضاً جزء من الحل
لم تكن الجسور هي الفكرة الوحيدة التي اعتمدتها تلك الدول، فقد قامت بعض الدول الأخرى بعمل أنفاق بدلاً من الجسور، وذلك ربما بسبب طبيعة المنطقة، وربما بسبب طبيعة بعض الحيوانات التي توجد فيها، والتي قد توجهها فطرتها للنزول بدلاً من الصعود، مما يجعل وجود نفق أفضل بكثير من وجود جسر أحياناً، ومن الوارد أيضاً أن تكون التكلفة المادية لها دور في قرار اختيار آلية نقل الحيوانات من مكان لمكان على جانبي الطريق، وفي أحيان كثيرة تكون ضرورة الحفاظ على المنظر العام وطبيعة المنطقة الأساس الذي يعتمد عليه لتحديد الآلية، وبالتالي فوجود جسور أو أنفاق ربما يكون له سبب، ولكنه في النهاية سيؤدي نفس الغرض.
• فرنسا
هي أول دولة عانت من هذه المشكلة، وبالتالي كانت أول من بادرت بالبحث عن الحل؛ فقامت بتشييد المعابر البرية خلال الخمسينيات، واستخدمت جسوراً بمختلف الهياكل؛ للحد من الصراع الدائر بين الحياة البرية والطرق، فسيطرت بالتالي على الوضع بشكل ملحوظ، وخفضت نسبة الحوادث إلى الحد المنطقي.
فرنسا وغيرها من الدول بررت ميزانيتها التي أنفقتها على بناء الجسور ليس فقط بحجة تخفيض الحوادث، بل للحفاظ على الحياة البرية أيضاً، والتي تعتبر واحدة من مقومات الدولة الفرنسية.
• هولندا وسويسرا وألمانيا
فرنسا كانت الأولى ولكنها لم تكن الأخيرة، فقد تبعتها لاحقاً العديد من الدول الأوروبية، مثل: هولندا، وسويسرا، وألمانيا، واستفادت من خبرتها وتجربتها في حماية الحيوانات وتخفيض نسب الحوادث معها على الطرقات وربما تفوقت عليها، إذ يوجد في هولندا وحدها أكثر من 600 نفق تحت الطرقات الرئيسية والثانوية، بما في ذلك أطول نفق لعبور الحيوانات وهو نفق Viaduct بالقرب من قرية كرايلو الذي يمتد لـ800 متر، أما ألمانيا فهي تنفق الملايين على بناء جسور مخصصة لسير الحيوانات فقط؛ وذلك تماشياً مع صورتها المدافعة عن حماية البيئة، والأجمل من ذلك أن الحكومة الألمانية تفرض غرامة قدرها 35 يورو على كل شخص يقوم بالمرور على الجسور، أو من الأنفاق المخصصة للحيوانات.
• الولايات المتحدة وكندا
الحياة البرية في أوروبا ليست بأفضل منها في أميركا أو كندا، كذلك الاهتمام بالإنسان والحيوان، فمعابر الحياة البرية أصبحت شائعة على نحو متزايد في هاتين الدولتين الراقيتين، وقد تم العثور على معابر الحياة البرية المعروفة بحديقة «بانف» الوطنية في ألبرتا، حيث توفر جسور الغطاء النباتي ممراً آمناً عبر طريق كندا السريع للدببة، وحيوان «الموظ»، والغزلان، والذئاب، والأيائل، وأنواع أخرى كثيرة، وقد شيدت معابر الحياة البرية في «بانف» كجزء من مشروع تحسين الطرق عام 1978 في الولايات المتحدة، وتم بناء الآلاف من المعابر البرية في السنوات الـ30 الماضية أيضاً، بما في ذلك القنوات والجسور، وبطبيعة الحال استخدمت هذه المعابر لحماية الماعز في ولاية مونتانا، والسلمندر المرقط في ولاية ماساشوستس، والأغنام في ولاية كولورادو، وسلاحف الصحراء في ولاية كاليفورنيا، والفهود المهددة بالانقراض في ولاية فلوريدا.
• المملكة العربية السعودية ودول الخليج
المملكة العربية السعودية ودول الخليج ليست تلك الدول التي قد تنافس الدول الأوروبية أو الأميركية بالحياة البرية، لكنها تملك بعض الأنواع من الحيوانات القادرة على التعايش مع الأجواء في المنطقة وأهمها: الجمل، وبالتالي للحفاظ على هذا النوع من الحيوانات وأنواع أخرى باعتبارها أنواعاً رئيسة من الثروة الحيوانية في البلاد، وللاهتمام أيضاً بمرتادي المركبات على الطرق السريعة والخارجية، فقد عملت على بناء معابر للجمال في الأغلب، إن لم يكن على جميع الطرقات السريعة، مع إغلاقها بالسياج؛ لمنع دخول الجمال والوصول للطرقات إلا من خلال الأماكن المخصصة لذلك.
لاشك أن الإنسان عنصر مهم في كل دول العالم، ولابد من حمايته من الحوادث المتسببة بها تلك الحيوانات المتروكة على الطرق السريعة أو غيرها، ولكن من المؤكد أيضاً أن الحيوانات نفسها هي ثروة لابد من الحفاظ عليها وعلى تنوعها، باعتبارها مصدر دخل للدولة، والدليل على ذلك أن الكثير من الدول، ومنها الأوروبية والأميركية، لم تقم فقط ببناء جسور أو أنفاق للحيوانات للمرور من خلالها بعيداً عن الشوارع ودون الاحتكاك بالإنسان، بل عمدت لاستخدام تصاميم مثيرة أحياناً تضفي على المكان جمالاً من ناحية، وتشعر الحيوانات بأنها تمر في بيئة مشابهة للبيئة التي تعيش فيها من ناحية أخرى.
جسور للحيوانات من أجل راحتها ورفاهيتها!!
- أخبار
- سيدتي - أحمد العلي
- 16 أغسطس 2014