لم تصدّق أنوار حميّة، زوجة جهجاه حمية، عينيها وهي تشاهد نشرة الأخبار المسائية في ذلك اليوم المشؤوم، عندما تحدّثت المذيعة عن رجل أحرق نفسه في شوارع "بروكسل" في بلجيكا؛ لأنه لم يحصل على إقامة شرعية فيها بعد صبر وانتظار دام 7 سنوات. وهي لا تزال تعيش حتى هذه اللحظة مع أولادها الأربعة أوقاتاً صعبة، وقلقاً شديداً على مصير زوجها. وقد قامت بمحاولات عديدة من أجل اللحاق به للاطمئنان إليه والوقوف إلى جانبه في هذه الأيام الصعبة، وملازمته في المستشفى التي يرقد فيها لمعالجته من الحروق التي أصابت رأسه وجسده ويده اليمنى.
"سيدتي" التقت أنوار حميّة التي اطّلعت منها على تفاصيل القضية، وعلى حالة زوجها والأسباب التي دفعته لترك عائلته لمدة 7 سنوات متتالية.
"غادر زوجي جهجاه لبنان منذ عام 2007 إلى بلجيكا بحثاً عن مستقبل له ولعائلته، وهو يرقد هناك في إحدى المستشفيات لتلقي العلاج اللازم بعدما أضرم النيران في جسده نتيجة اليأس الذي أصيب به لعدم منحه الإٌقامة الشرعية . علماً أن الدولة البلجيكية قامت بتعليمه عدّة لغات ومهن حتى يتمكّن من العيش من خلالها. وللأسف، كل هذه الأمور لم تشفع له بإعطائه الإقامة، فلم يجد وسيلة إلا أن أحرق جسده تعبيراً عن غضبه وسخطه من الظلم الذي لحق به.
كانت الصدمة كبيرة جداً عليّ وعلى أولادي عندما كنا نشاهد نشرة الأخبار المسائية، إذ فوجئنا بخبر مفاده "أن رجلاً أربعينياً يدعى جهجاه حمية قد أحرق نفسه بسبب اليأس". وللوهلة الأولى، لم أصدّق ما رأيت وما سمعت، ولكنّ الأولاد كانوا جالسين أمامي وأكدوا لي أن هذا الرجل هو والدهم.
ولا أخفي سراً إذا قلت إننا منذ تلك اللحظة ونحن نعيش مرحلة صعبة؛ لأننا لا نعلم ماذا سيكون مصيره بعد خروجه من المستشفى، ولا أعلم إذا كان بإمكاني السفر إليه للوقوف إلى جانبه في هذه الأوقات المريرة التي يمرّ بها، وهناك محاولات حثيثة أقوم بها مع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية كي أتمكّن من السفر، ولكن لا جديد حتى هذه اللحظة".
وأضافت أنوار قائلة:" من المعيب جداً أن تكتفي الدولة اللبنانية بمشاهدة النيران تلتهم جسد زوجي دون أي تدخل، وكأن ما يحصل هناك لا يعنيها لا من قريب أو بعيد، فما حصل في "بروكسل" يبقى فيها. أنا لا ألوم زوجي على ما قام به، لأنني أكيدة أنه لم يجد سوى النار للفت الأنظار إلى مشكلته والاحتجاج على عدم منحه إقامة شرعية، وهذا الأمر أدى الى استنفار الدولة البلجيكية لفتح تحقيق حول ما حصل.
وأكّدت أنوار حديثها وغصّة الحزن في صوتها:" زوجي هو واحد من آلاف اللبنانيين الذين هاجروا وتركوا عائلاتهم مجبرين سعياً وراء لقمة العيش، فكيف لرجل متزوّج ولديه عائلة أن يتمكّن من العيش بكرامته في ظل هذه الظروف السلبية في لبنان"؟
وتشير أنوار في حديثها إلى أن "جهجاه لم يوفّر طوال السنوات التي قضاها في بروكسل عملاً إلا وجرّبه، ولكن هذا كله لم يمكّنه من تأمين لقمة العيش لأولاده، وكان يعد نفسه دائماً بأننا سوف نلحق به بعد حصوله على الإقامة ، ولكن للأسف ما حصل كان عكس ذلك تماماً".
وعن موقف عائلة جهجاه مما جرى له، تقول أنوار بأنه "قبيل سفر زوجي، حصلت خلافات كثيرة بينه وبين أفراد عائلته وعائلات أخرى في القرية نفسها، وهذا ما دفعه إلى السفر بطريقة غير شرعية منذ 7 سنوات إلى بلجيكا وطلب اللجوء فيها.
ولهذه الغاية، أوكل زوجي محامياً لإنجاز أوراقه وتمكين عائلته من اللحاق به، وكان يطلب مني أكثر من مرة بيع حصته من الأراضي التي يملكها وإرسال الأموال إليه من أجل دفع التكاليف المطلوبة، وفي المقابل لم يكن يحصل سوى على وعود كاذبة.
لا أطالب حالياً سوى بضرورة سعي "وزارة الخارجية والمغتربين" إلى مساعدتي والسماح لي ولأولادي اللحاق بزوجي من أجل الإطمئنان إليه، خاصة وأن الاتصالات مقطوعة بيني وبين زوجي، باستثناء توفّر بعض المعلومات من جانب الأصدقاء المقيمين هناك".
أما أولاده الأربعة: رباب (18 عاماً) وحسن (12 عاماً) وعلي (10 أعوام) وزلفة (7 أعوام) فهم بغاية الشوق لرؤية والدهم بعد الحادث الذي ألمّ به، ومتأثرون جداً بما أصابه ومتخوفون من ترحيل والدهم إلى لبنان بعد سنوات العذاب التي عاشوها بعيدين عنه.