مع اختلاف الزمن وتطور الواقع المجتمعي وازدياد المشاكل الاقتصادية، ظهرت العديد من القضايا المجتمعية التي تعاني منها الفتيات، وأهمها: ظاهرة انتشار العنوسة وتزايدها، فأصبحت العنوسة الشبح المرعب والهاجس المقلق الذي يلاحق الكثير من الفتيات اللواتي تعدين سن الزواج المتعارف عليه، فيكنّ مضطرات إلى اللجوء لطرق متعددة لاصطياد عريس والإيقاع به بهدف الزواج خوفاً من الوقوع في بئر العنوسة، وقد يسلكن عدة طرق مختلفة قد تؤدي في كثير من الأوقات لأضرار لم يحسب لها حساب.
وحول ذلك يقول أخصائي الطب النفسي والعصبي الدكتور عطية عتاقي: "يزيد كبر الفتاة في السن وخوفها من العنوسة وسماع بعض حالات الفتيات اللواتي لم يتمكنّ من الزواج الخوف والهواجس لديها، مما يؤرقها ويسبب لها قلقاً وإحباطاً واندفاعية دون تفكير عقلاني واعٍ، فتتجه باندفاع نحو مواقع الإنترنت لتجد ملاذها خائفة من الزيادة في السن وأن لا تصبح مرغوبة بسبب كبر سنها وترهل جسدها، وتزداد هذه العادة السيئة في البحث عن الشباب عبر مواقع الإنترنت خاصة إذا كان هناك ضعف في العلاقات الأسرية والاجتماعية لديها، فتجد شبكة الإنترنت وسيلة متاحة لها تمكنها من إنشاء علاقات متجددة والتعرف على الآخرين لاختيار شريك الحياة المناسب لها".
التسرع يؤدي لأضرار بالغة
هناك ضرر كبير وسلبية خطيرة قد لا تنتبه لها بعض الفتيات اللواتي يلجأن للبحث عن شريك الحياة بهدف الزواج والتخلص من لقب عانس فقط لا أكثر، وهذا يؤدي إلى تسرع الفتاة في الموافقة على من تستطيع الحصول عليه بشكل سريع دون الاهتمام بشخصية هذا الشريك، فتجد الفتاة تخرج من ساحة العزوبية وتدخل ساحة الزواج، ولكنها تكتشف أنها وقعت في زيجة غير مناسبة، وخاصة لو لم تعلم عن الزوج شيئاً ولا عن بيئته، فتكتسب سلبيات في الزوج وتعاملاً صعباً وطباعاً منفرة، وهذا بدوره يؤدي إلى الطلاق المبكر وتزداد المشكلة وتكبر، فبعد أن كانت تهرب من لقب عانس حصلت على لقب مطلقة؛ نظراً لتسرعها في هذه الزيجة دون أن تدري ماهية الزواج أو أن تستشير ذوي الخبرة في العلاقات الزوجية، كما أن الزوج إذا شعر بأن الزوجة تزوجته خوفاً من العنوسة وليس توافقاً بين الرجل والمرأة وليس ميلاً إلى الطرف الآخر فيؤدي ذلك إلى كره بدلاً من الحب، ثم إلى الطلاق المبكر، فبشكل عام من يقدم على فكرة الزواج للهرب من العنوسة أو لإشباع رغبة معينة سواء كان رجلاً أو امرأة فإنه يبدأ بداية مزيفة لإنشاء الحياة الأسرية القائمة على التعاون بين الطرفين، والذي يتجسّد في التضحية والعطاء.
للمجتمع دور كبير
يؤكد الدكتور عطية عتاقي أن للمجتمع دوراً كبيراً في اتجاه الفتيات لسلك طرق غريبة ومتعددة لاصطياد الشباب للزواج، وهذا يأتي ضمن الصورة المجتمعية الخاطئة التي تضع الفتاة محل الاتهام الأول عند تأخرها في الزواج مع الابتعاد عن الأمور الأساسية التي تؤخر سن زواج بعض الفتيات والشباب، والتي تكمن في البطالة لدى الشباب، مما يضعف من صلاحية الكثيرين للزواج من الناحية المادية والنفسية والاجتماعية، والمغالاة في المهور وطقوس وترتيبات الزواج بما يفوق قدرة غالبية الشباب، فيعزفون عن الزواج وتقع الفتاة ضحية لذلك لتحصد لقب عانس، مما يدفعها للتهور والاندفاع في الكثير من الأحيان لتنفك من حياة العزوبية ومن نظرة المجتمع لها فتسلك طرقاً قد تكون خاطئة لتصل إلى مرادها.
المرأة لا تقاس بالزواج
لا تقاس المرأة ودورها في المجتمع بمقياس الزواج، ولكن تقاس بدورها في المجتمع وما تقدم له من خلال بناء شخصيتها العلمية والعملية وما تقدمه في حياتها الاجتماعية، ولكن للأسف عند أصحاب القلوب الضعيفة نظرة محدودة جداً، حيث يقيسون المرأة بمقياس الزواج لا أكثر، ويعتبرونها منقوصة إن لم تكمل حياتها بزوج، متناسين أن المرأة لها دور كبير جداً في بناء المجتمع سواء كانت متزوجة أو لا، لذا يجب على المجتمع أن يرسخ دور المرأة بشكل عام دون تصنيف.
تأخر الزواج لا يعني فشل الفتاة
ينصح دكتور عطية كل فتاة تأخر زواجها أن لا توقف حياتها انتظاراً لهذا الحدث، ولا تبني طموحها ومستقبلها على رجل، بل هناك مجالات أخرى وأدوار حياتية يجب أن تقوم بها كبناء مستقبلها وتطوير نفسها وعمل كيان خاص بها يرفع من شأنها ويحقق لها مستقبلاً ناجحاً ومميزاً وواعداً، فيجب على كل فتاة أن تحاول أن تكتشف هدفها من الحياة، وإثبات كيانها كعنصر اجتماعي نافع ويؤدي دوره في العالم المحيط بها، وأن لا تخضع لسوط العنوسة، وأن لا توافق مباشرة إذا تقدم لها شاب أو تتعجل في البحث من خلال مواقع الإنترنت أو اللجوء للدجل والخاطبات، فقد يؤدي ذلك لوقوعها في بئر من الأخطاء لم تتوقعه في يوم من الأيام، كما يأخذ جانباً كبيراً من حياتها، وتضيع سنين حياتها في البحث عن زوج دون إنجاز حقيقي يذكر لها.