يقولون إن الزمن يقتل الحب، وأن الروتين ومشاكل الحياة هما آفة العواطف، وأن نار العاطفة تخمد مالم تغذَّ باستمرار، كما تغذى النار بالحطب، ولذلك على الأزواج تجديد الحب باستعادة الأيام الجميلة الأولى، وإن كان ذلك بعد مرور سنوات عليها.
محمود وأنجيلينا زوجان سوريان، يعيشان في لندن منذ سنوات، وأنجبا أربعة أولاد، وقد تزوجا بعد قصة حب منذ ربع قرن، ولكن هذا الحب عصفت به مشاكل الحياة وظروفها وهمومها، فالغربة قاتلة وهي قادرة على قتل كل شيء، والأولاد لا يفلحون دوماً في تأجيج نار الحب، التي تقترب أن تصبح رماداً، وعلى ذلك فقد قرر الزوجان الخروج في رحلة شهر عسل قصيرة لوحدهما، وتحديداً للمكان الذي شهد شهر عسلهما الأول.
يعترف محمود الأيوبي أن هذا المقترح قد جاء متأخراً؛ لأن الحياة قد عصفت بالحب الذي كان منذ ربع قرن، فلم تعد هناك سوى الأحاديث عن مشاكل الأولاد ومستقبلهم ودراستهم، ولم تعد هناك تلك الجلسات الرومانسية والضحكات الخالية من الهموم، والكلمات الرقيقة التي تعبر عن الحب للطرف الآخر، وإن كانت المعاملة الطيبة والاحترام والتقدير لم يغادروا العلاقة، ولكنها كانت بحاجة لتجديد؛ للحصول على شحنة للاستمرار، ربما هي شحنة من العواطف المتبادلة والكثير من التحفيز، فرحلة الحياة طويلة حسب رأيه، فقرر أن يخرج مع شريكة العمر «أنجلينا» في رحلة شهر عسل، ولكن يمكن القول أنه أسبوع شهر عسل إلى اليونان، والتي شهدت شهر العسل الأول، ويقول محمود: إن رحلة شهر العسل الأول كانت بالصدفة أسبوعاً فقط أيضاً.
تهديد ووعيد
الزوجة الجميلة الهادئة أنجلينا تقول: لا، لم يعد كافياً أن نخرج في رحلة شهر عسل مرة كل سنة، كما وعدني زوجي «محمود» فأنا أريد رحلة كل ستة أشهر، وأعتقد أني أستحق هذه الرحلة القصيرة بعد خدمة 25 سنة مع البيت والأولاد والمسؤولية، وعن الفرق بين شهر العسل الأول والثاني تقول أنجلينا: لم أشعر بشهر العسل الأول؛ لأنه كان اختباراً لحياتي الزوجية، وكنت صغيرة السن، ولا زلت أخوض تجربة الزواج في أيامه الأولى، أما شهر العسل الثاني فهو الأروع؛ لأنه جدد مشاعرنا وجعلني أكتشف أشياء جديدة لم أكن أراها في زوجي، وأحبه أكثر وأصبح أكثر إصراراً على ديمومة سعادتنا، وأيضاً لأننا خرجنا لنفس المكان بعد سنوات طويلة، استعدنا ذكريات، وبحثنا عن شجرة كتبنا عليها اسمينا، ولم نجدها ونزلنا في نفس الفندق أيضاً، والتقينا بصاحبه العجوز.
الأولاد بعيداً
أبناء محمود وأنجلينا لم يخفوا سعادتهم بشهر عسل ثان للأم والأب، فحسب قول الابنة ليديا: ماما تتعب كثيراً من أجلنا، ومن حقها أن ترتاح، وتشعر بأنها زوجة، ولها مشاعرها وحياتها الخاصة مع بابا، الذي يتعب ويكد أيضاً، ولابد أن يكون لشهر العسل الثاني خصوصية معينة؛ لأن العائلة بأكملها بعيدة عن الوطن الأم، وهي سوريا منذ سنوات.
مع وضد
وقد عرضت«سيدتي» فكرة الزوجين على عدة زوجات وأزواج، فكانت لهما آراء مختلفة، فلا تمانع سارة محمود «موظفة ومتزوجة من عشر سنوات» من قضاء شهر عسل ثان ولو لأيام قليلة مع زوجها، وفي نفس الوقت تحن لأيام شهر العسل الأول، الذي قاربت مشاكل الحياة تنسيها طعمه ولذته، وتقول : صدقاً، إذا دخل الزواج من الباب، فر الحب من الشباك، ولذلك لم لا نجدد حياتنا كل حين، ونكسر الروتين والملل الزوجي.
أما حسن جبر «صحفي ومتزوج من 20سنة» فيقول: لست بحاجة لشهر عسل ثان؛ لأن كل أيامي الماضية مع زوجتي كانت عسلاً في عسل، ولم أشعر يوماً أن مشاعرنا أصبحت فاترة بل على العكس، خاصة حين أسافر لعدة أيام وحدي في مأمورية عمل، فإنني أعود للبيت وللزوجة أكثر شوقاً وحنيناً.
أما سحر بدر وهي طالبة ولم تتزوج بعد فتقول: من المستحيل أن ينجح هذا المشروع لدى الزوج العربي المثقل بالمسؤولية والهموم والمشاكل، والرجل الشرقي عموماً يفتقد لهذه اللفتات الرومانسية، فكيف يقدم على فكرة شهر عسل ثان؟
رأي الأخصائيين الاجتماعيين
الدكتورة دعاء راجح وهي طبيبة بشرية ومستشارة أسرية وتربوية ومدربة ومحاضرة وكاتبة في التنمية البشرية والعلاقة الزوجية وتربية الأبناء، تقول عن شهر العسل الثاني: تمر العلاقة الزوجية بفترات احتقان وتوتر من كثرة المشاكل، وربما تراكمها بدون أن يتخذ فيها حل، وقد تمر بفترات من الركود والملل والرتابة، يفقد فيها الزوجان القدرة على الإحساس بالسعادة مع الطرف الآخر، وقد يصاب الطرفان بالهم، والإحساس بثقل المسؤولية، ويحتاجان إلى أن يتخففا قليلاً منها، ويجددا قوتهما كي يستعيدا حملها، وتظهر فكرة شهر العسل الثاني كوسيلة لتجديد الحب بين الزوجين، وإحياء العلاقة بعد مواتها، ويشترط لنجاح هذه الفترة أن تكون بإرادة ورغبة أكيدة من الطرفين في إحياء الحب بينهما، وفهم الهدف منها.
وأن تتم معالجة الجروح والآلام التي تسبب فيها الآخر، إما باعتذار أو ترضية مناسبة؛ حتى يتسنى لكليهما أن يصفحا ويسامحا ويستمتعا بوقتهما معاً، وهي فرصة رائعة ليمسح كل منهما على قلب الآخر برفق، ويضمد جراحه ويعالجها، كما تحتاج إلى فهم جديد للسعادة الزوجية لكل منهما، على أنها ليست ما يمنحه لي الطرف الآخر، بل أن يركز كل طرف على ما يسعد الآخر، ويكون كل هدفه كيف يتسنى لي أن أسعد شريك حياتي.
يمتاز شهر العسل الثاني بأنه يحدث بعد فترة زواج وعشرة ومعرفة تامة بما يسعد الآخر، وبما يضايقه، وهذا ما لم يكن واضحاً وجلياً في بدايات الزواج.
صورة أخرى لتجديد الحب
هناك بعض الزوجات اقترحن بدلاً من شهر العسل الذي قد يكون مكلفاً، أن تخرج الزوجة لزيارة بيت أهلها لعدة أيام؛ لكي تجدد الشوق والحب وتعود الحياة الزوجية أكثر وهجاً، وعن ذلك تقول عبير سلام أنها اتخذت هذه الخطوة بعد أن شعرت بأن الحياة بينها وبين زوجها أصبحت نوعاً من الروتين الممل، وبأن حياتها الزوجية إسطوانة مشروخة، فقررت أن تخرج لعدة أيام لبيت عائلتها، وحين عادت شعرت بأنها تتزوج من جديد، وأكدت أنها ستقدم على هذه الخطوة مرة ثانية على فترات متباعدة.
إجازة لوحده.. مستحيل
فيما تؤكد يمنى موسى أن من المستحيل أن تسمح لزوجها بأن يخرج في إجازة لوحده لأن «الرجال ليس لهم أمان» وترى أن التفكير بإجازة شهرعسل ثان غير ممكنة؛ بسبب الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه معظم البيوت العربية.
ساندويتش فلافل
يعود محمود الأيوبي لنصيحة الأزواج والزوجات، فيقول: الخروج مع الزوجة كل فترة لوحدها بدون الأولاد ممكن أن يكون للتنزه في مكان هادئ مع تناول ساندويتش فلافل، واستعادة الذكريات له دور كبير في تجديد الحياة الزوجية، فليس السفر لمكان بعيد ومكلف هو الحل؛ لأن الأسر العربية ليست في وضع مادي يسمح بذلك، ولكن المطلوب هو التجديد.
طرائف عن شهر العسل الثاني
- قرر زوجان بريطانيان الخروج لشهر عسل ثان، وصادف أن حملت الزوجة في الليلة الأولى منه، الطريف أن الزوجة في الخمسين من عمرها، وقد أنجبت سابقاً ابنة وتوفيت، لتصبح هذه الزوجة أماً بعد ربع قرن زواج.
- خرجت زوجة فرنسية لقضاء شهر عسل ثان مع زوجها؛ لتكتشف أن صديقتها التي قررت تحمل نفقات شهر العسل هي عشيقة للزوج، وكانت تنتظره في فندق قريب فكان الطلاق.