تتزايد المخاوف يومًا تلو آخر، من الاستهانة بقضايا الدم والقصاص والمتاجرة بها أيضًا، وذلك بسبب المبالغة في مبالغ الدية المطلوبة، طلبًا للعفو، حيث ارتفع سقف المبالغ إلى 50 مليون ريال، وأكثر، على الرغم من أنَّ الأمر السامي يقضي بألا يزيد على 500 ألف ريال.
جرائم وعفو
جريمة قتل عن غير عمد ارتكبها الشاب محمد العقيلي قبل أربع سنوات، كادت تضع رقبته تحت سيف القصاص، واشتعلت مواقع التواصل خصوصًا "تويتر"، وتم تدشين هاشتاج #عتق_رقبة_محمد_العقيلي، وجمع أهل الخير مبلغ الدية المطلوب وقيمته 23 مليون ريال، ودفع الأمير الوليد بن طلال وحده مبلغ 5 ملايين ريال ليكمل بذلك مبلغ الدية، وخرج العقيلي من سجنه ساجدًا لله على نجاة رقبته.
لكن مبلغ الدية الـ23 مليون ريال الذي أنقذ العقيلي فجَّر قضية المطالبات المبالغ فيها في قضايا الدم، حيث كان المطلوب للعفو عنه مبلغ 23 مليون ريال، تم جمعها من أهل الخير.
10 ملايين لعتق الرويلي
عقب قضية العقيلي نشر مغردون على "تويتر" مؤخرًا صورة لشاب آخر، اسمه سلطان راجح سليمان الرويلي، وتم تدشين هاشتاج أيضًا باسم #عتق_رقبة_سلطان_راجح_الرويلي، الذي ارتكب جريمة قتل عن غير عمد أيضًا حين كان عمره 14 عامًا، وحتى الآن وعمره 27 عامًا وهو في السجن، ينتظر من يدفع عنه الدية، أو سيف القصاص، وقد تم نشر أرقام حساب لجمع دية قدرها 10 ملايين ريال.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت بعض المطالبات للعفو إلى الـ50 مليون ريال، وذلك حسب تصريحات صحافية لرئيس لجنة إصلاح ذات البين في المنطقة الشرقية الدكتور غازي الشمري. واكتفى الشمري بوصف المبالغة بأنها "عُرفٌ اجتماعي"؛ مُؤكداً سلامة موقف الشريعة الإسلامية والموقف الرسمي في المملكة من تكاثر حالات المطالبة بأرقام فلكية مقابل العفو عن المحكومين بالقصاص. وأضاف أن الرأي الشرعي والقضائي واضح في الموضوع، ولا يمكن ربط المبالغات بالشرع أو القضاء.
وأشار الشمري إلى الأمر السامي الصادر عام 1423 الذي وضع حدّاً لا يتجاوز 500 ألف ريال. وعلى الرغم من وجود هذا الأمر إلا أن المجتمع يجد حكاية جديدة كل يوم وتوسلات أم أو أب بدفع مبالغ تجاوزت 30 مليون ريال في بعض الحالات. ودعا الشمري إلى استئناف لجنة العفو عملها، مشيراً إلى أنها توقفت حالياً. وقال «كانت هناك لجنة برئاسة الأمير تركي بن عبدالله تدرس الحالات وترفع التقارير عن حالات القصاص في كل منطقة». وأضاف: «شروط اللجنة صارمة ولا تقبل من العافي أن يطالب ولو بريال واحد».
وكشف الشمري عن معايشته مئات القضايا المنتهية بالصلح أو التنازل، وقال «البعض يعفو بلا قيد أو شرط.. بل بعض منهم يشترط أن لا يبيت قاتل ابنه ليلة واحدة في السجن رغم وجود حق عام للدولة يقدر بـ 5 سنوات في قضايا القصاص»..
وعن أرقام الملايين التي يضعها بعض العافين شرطاً للعفو؛ قال الشمري «لا أظن أنها تُطلب لتعجيز ذوي القاتل عن الدفع، إنما رغبة في الحصول على المال». وأكد «في اللجنة نسعى إلى انقاص المبلغ إلى 70%، لكن الغريب أن بعضهم يطلب 50 مليونا أو أكثر. وحول نجاح تخفيض المبالغ قال «مفاوضاتنا نجحت 60% في إقناع أهل الدم».
وتشير الإحصاءات إلى أن اللجنة نجحت في إثبات تنازل عن القصاص في 28 قضية العام الماضي، 5 منها في الرياض، و 4 في الشرقية ومثلها في نجران، و3 في حائل ومثلها في عسير، و اثنتين في مكة، وواحدة في كل من جدة والخرج.