رفع السماعة وهتف من مركز الاتصال بالشارع الرئيسي: ألو..لا تقلقي، وضعت قنبلة في سيارة الإسعاف..إنها متجهة الآن نحو المستشفى.
خرج الرجل الأربعيني راكضاً بأقصى سرعة مثل لص افتك سلسلة ذهبية من عنق ضحيته، وأوقف سيارة أجرة مغادراً المكان في لمح البصر، وأوقف بتلك العبارة قلوب المتواجدين في ذلك المكان من فرط الذعر، فانتشرت حالة من الهلع والرعب الرهيبين، وانتقلت حالة الإغماء إلى الكافيتريا المجاورة، والمطعم المقابل بعد انتشار دائرة الخبر، وسقطت على الأرض سيدات وفتيات لديهن أقارب وأولياء أمور يعملون بالمستشفى ومرضى للعلاج، وسادت عدوى ارتفاع ضغط الدم والسكري والصرع. وعندما حاول بعض الشباب الاتصال بالإسعاف لنقلهن على جناح السرعة إلى المستشفى، استيقظن من الغيبوبة، وهن يصرخن بشدة وبأصوات عالية حادة يرفضن الاستنجاد بالمكان الذي ستفجر فيه القنبلة، وصارت الحادثة في مشهدها مطابقة لقنبلة الحمام الجماعي، حيث خرجت النسوة شبه عاريات، مكشوفات الرأس والصدر من شدة الخوف، وهناك من تركت المسبح الساخن والصابون في شعرها، ويغطي سائر مساحة وجهها.
حضر الأمن وتجمهر العديد من المارة وركن أصحاب السيارات مركباتهم؛ ليطلعوا على أسرار حالة الذعر ويفسروا أسباب الصراخ المتعالية، فانسدت الطريق، واختلط الحابل بالنابل، واتسعت دائرة الإشاعة في المكان الذي تسرب منه الخبر، فصرخت سيدة قائلة: سمعت إرهابياً يعطي عبر الهاتف أوامر تفجير عشر سيارات إسعاف عبر مختلف المستشفيات والمراكز الصحية بالمدينة والمدن الأخرى. إنها مجزرة سنتكبدها يجب الإسراع بتوقيفها.
تلبدت سماء ذلك اليوم بالغيوم، وانتقلت عتمة ذلك التلبد إلى النفوس، وذهب الخيال بأخرى لتتوهم وهي تبكي مثل طفل صغير انفصلت عنه أمه، أنه يتوقع في كل يوم أن تلقى قنابل على الأحياء وتحدث تفجيرات بالأماكن العمومية الآهلة بالمواطنين ويفجع الناس بموت ذويهم. وبدأ رجال الأمن بعد توسع مساحة المرعوبين بمخاطبة المتجمهرين بمكبر الصوت للتهدئة وطمأنة كل من فقد أعصابه، وطلبوا من كل من شاهد المخطر بتفجير المستشفى، الاقتراب من مركز الأمن لتقديم مواصفته؛ حتى تعطى أوامر بالبحث عنه، وإن كانت المهمة تبدو جد صعبة بالنسبة إلى مسألة البحث عن شخص مجهول الهوية.
وبعد ساعات قليلة انتقل ذلك اللغط والصراخ إلى باب المستشفى وأسواره، وأصيب الكثير من الأطباء والممرضين بالذعر؛ لأن الموت قادم بواسطة سيارة الإسعاف. ترى متى تصل؟..وهل تدخل إلى غرف الطوارئ، أم تستقبل في الإنعاش؟.. وكان الوقت مناسباً لإطلاق النكت إلا أن الجميع استغرق في كيفية النجاة إن كتبت له حياة أخرى.
توقف العمل بالمستشفى وشلت خدمات العلاج وانقطعت العناية بالمرضى، وتوقفت عملية استقبال سيارات الإسعاف، كحل وقائي للحفاظ على المستشفى، وبقيت الطرقات في نظر المرعوبين غير آمنة، وهناك من غادر مكان العمل وخرج يتقصى الحقائق في الخارج، وتحول ذلك الشارع إلى مكان موبوء، فهرب منه الكثير من الناس فاختفى العمال والموظفون من المستشفى والإدارات والمعامل المجاورة؛ خوفاً أن تطالهم شظايا القنبلة ويصابوا بأي مكروه.
ولمح بعض الفضوليين الرجل الأربعيني صاحب المكالمة الهاتفية يهرول مذعوراً نحو الخارج، وسرعان ما قبض عليه شابان، حيث أشار شيخ سبعيني بسبابته بأنه صاحب القنبلة، فأشبعوه ضرباً وهو يمطرهم بتوسلاته، ويقسم بعدة صيغ أن لا علاقة له بالإرهاب، وليست له دراية بالتفجير المزمع وقوعه في أي لحظة؛ حتى وصلوا به إلى مقر الأمن، برفقة خمسة شهود من بينهم الشيخ وامرأة خمسينية. لكنه بدأ يتلوى من الصراخ ويتظاهر بضعف جسده ويستجدي الاستعطاف، وتارة أخرى يقسم بأن ليس له علاقة بالموضوع؛ لأن زوجته صاحبة الفكرة، فأمروا بإحضار الزوجة التي مثلت أمام المحقق الأمني:
- من الذي وراء قنبلة سيارة الإسعاف؟
- سيدي ليس لي أي علاقة بالأمر إنه خطأ زوجي.
- يجب أن يعترف أحدكما.
فجأة اشتعل شجار بين الزوجين، وتبادلا الشتيمة وأصابع الاتهام، وكادت أن تنشب بينهما معركة عراك بالأيدي حامية الوطيس، فنهرهما المحقق وأمرهما بالعودة إلى مكانهما، وعندما خيرهما ما بين السجن والاعتراف. صرخت الزوجة بعد إصابتها بانهيار وصدمة بكاء قوية بأنها لن تخفي أي شيء حول زوجها وتعترف بالحقيقة كاملة:
- أتعهد بسرد جميع التفاصيل منذ ولادة فكرة القنبلة.
جحظت عيون المحقق وتضاعفت حرارة جسده؛ لأنه أمام خطر قنبلة حقيقية وليس مجرد إشاعة، سينصح بمضاعفة الرقابة الأمنية، وربما اللجوء إلى غلق الطرقات والمسالك المؤدية إلى المستشفى، كإجراء وقائي.
وبعيون تشبه النمر، وفم كبير تخرج منه الكلمات بسهولة وتنطق الحروف واضحة، قالت زوجة الأربعيني المتورط:
- بعد مرض ضرتي وسقوطها طريحة الفراش بسبب مرض خبيث، ارتبط بي زوجي، وفي يوم وضعها توفيت لكنها أنجبت له بنتاً.
ثم تدخل المحقق يقاطعها:
- ما دخل القنبلة في نشأة علاقتكما، يجب أن تخوضي في الموضوع بطريقة مباشرة.
- أق..أقصد.. لقد وصلت إلى لب الموضوع.
- هات ما عندك دون تحويط ولا تتهربي من المسؤولية.
- أعني سنبلة ابنة زوجي، يطلق عليها تسمية قنبلة؛ لأنه استاء كثيراً يوم ولادتها، وتمنى أن يرزق صبياً. الخطأ ليس من زوجي، بل يتحمل المسؤولية من فهم بالخطأ وزرع الإشاعة وسط المواطنين، والكثيرون من النساء والرجال يفضلون عدم الإنجاب على ولادة الفتاة، ويطلقون عليها اسم القنبلة الموقوتة!