جميعنا لم نخلق أحرارًا، سمعت هذه الجملة من أحد الأشخاص، ودعَّم قوله بأمثلة من الواقع، وقال: نحن نعلم أن إرادتنا الحرة مقيدة في أن نختار الطريق الذي نتمناه، أو أن نكون الشخص الذي نريده منذ بداية وجودنا في هذه الحياة، على سبيل المثال نحن لا نملك حق اختيار أسرتنا التي نولد فيها، ولم نملك الحق في اختيار أسمائنا، وليس لنا الحق في اختيار البيئة التي نشأنا عليها، ويمضي العمر بنا فلا نملك الحق في اختيار مدرستنا، ولا اختيار رغبتنا في تخصص بعينه، وعندما ننتهي من التعليم نحمل وثيقة تخرجنا، ولا نعرف هل سنتوظف أم لا؟! ولو فرضنا بأن الحظ أسعدنا ووجدنا وظيفة، فهل سنعمل ما نحب وما نتقن، وبعدها نفكر في الاحتياج الفطري لرفيق يشاركنا الحياة، وما أصعب الاختيار، ويتم الزواج ونصبح بعدها أسرى لاختيارنا؟ ولو كانت حياتنا تعيسة لا نستطيع منها فكاكًا فنحن في الغالب لا نملك القدرة على تغييرها، فالارتباطات والأبناء والمجتمع يحول دون فك الأسر، رغم أن هناك فرصة لاختيار ثانٍ واختبار آخر، فتكبلنا المسؤولية، والضحايا والخسائر الذين سنخلفهم من ورائنا، قلت له إننا في كل الأحوال وتحت أي مسمى، أو تصنيف، مقتنعون بكل رضا بما قدّره الله لنا، فنحن أمام الأمور الكونية المسيرين فيها لا نمتلك زمامها، وليس لنا سوى التقبل والصبر، وقمة الحرية تكمن في وضع الضوابط والأطر لحياتنا، وأن نتحمل مسؤوليتها، حياة نطوّر فيها عقولنا، ونتقبل واقعنا برضا، ونرتقي بمشاعرنا، ونحرر أرواحنا من اختيارات قد تفرض علينا، وبالمقابل هناك العديد من الأمور المهمة في حياتنا ترتبط مسؤوليتنا بها، بقدر الحرية التي مُنحت لنا فإننا مسؤولون عن تنظيم وقتنا، واختيار أهدافنا، وكيفية تحقيقها، فالمسؤولية أخت الحرية، وكل حر مسؤول عن حسن استخدام حريته، وضبط تصرفاته، فلا يتنصل من مسؤوليته، ويلتزم بواجباته بأمانة وشجاعة، وكلما اتسعت مساحة حريتنا زادت معها أبعاد مسؤوليتنا، والمسؤولية في النهاية يشترك فيها كل البشر، فقد منحنا الله سبحانه وتعالى العقل والوعي والقلب، وألهمنا طريق الحق، والذي يتخلى عن إنسانيته هو من يتهرب من مسؤوليته، سواء كانت أسرية أو اقتصادية أو اجتماعية؛ لأن كل إنسان مسؤول عن رعيته وأفعاله أمام نفسه، وقبل ذلك أمام الله، ومن ثم المجتمع، فمن يمتلك القدر الكافي من المسؤولية يعرف ما عليه من التزام وواجبات وحقوق، ويحاسب نفسه، ويشعر بمدى مسؤوليته، قال تعالى:«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ»، فالمسؤولية أساسها الاختيار، فإذا اخترنا معناها أننا أصبحنا مسؤولين، فلا اختيار بدون مسؤولية، قال تعالى:«وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ»؛ لذا علينا تفهم المعنى الحقيقي للحرية المسؤولة التي تقع في دائرتنا وبإرادتنا، وحين نتفهمها ونستوعبها وندركها، لحظتها سنرتقي بها، ونفخر فيها، فأن تكون مسؤولاً يعني أن تكون إنسانًا.