أصيبت فتاة مغتربة في العقد الرابع من عمرها من سكان، المنطقة الشرقية، تعمل معلمة في محافظة عفيف (وسط المملكة) بموجة بكاء شديدة، كادت تفقدها توازنها بعدما استيقظت في باص النقل الجماعي لتجد نفسها بمحافظة الأحساء، بدلاً من عفيف، وفقدت الحقيبة التي تحتوي على فستان زفاف شقيقتها العروس، فمن الذي تسبب بركوبها الحافلة الخطأ؟ ومن المسؤول؟ وكيف تدخلت سيدتي؟ وما موقف العروس؟ كل ذلك تجدونه في التحقيق الآتي.
لم تنس المعلمة المغتربة هناء–ح، يوم الأحد الموافق 9/6/1436هـ فلم يكن يوماً عادياً، مرت به بأحداث امتزجت فيها دموعها بوحشة غربتها ووحدتها منذ ست سنوات في مشوارها المهني في محافظة عفيف، ومما صعب الأمر عليها عدم رغبة وسائل الإعلام تكرار السبق الصحفي في معاناة المعلمات المغتربات.
تعود تفاصيل الحادثة وفقا لما ترويه هناء لـ«سيدتي»، قائلة: كلما قرب موعد سفري للعمل يزيد توتري وقلقي ليس كرهاً في الجهاد بالعمل، ولكن بعدي عن والديّ وأخواتي جعلني عصبية ومزاجية؛ نتيجة رفض طلب نقلي للمنطقة الشرقية طوال ست سنوات ماضية، تزوجت أخواتي الست وبقيت حتى الآن بدون زواج بسبب الغربة، وما حدث لي يجسد واقع العديد من المعلمات المغتربات.
الباص الخطأ
وتابعت: وحدث في يوم الأحد بتاريخ 9/6 / 1436هـ أن أوصلني والدي إلى النقل الجماعي بالدمام في تمام الساعة 8 صباحاً، ووصلت محطة الرياض في 1:30 ظهراً، بعد قطع مسافة استغرقت 5 ساعات من التعب والإجهاد بالباص، وكانت رحلتي التالية لمنطقة عفيف في تمام الساعة الثالثة عصراً، فذهبت من فوري لاستلام فستان زفاف أختي من المعرض الذي استأجرته منه؛ للبسه في ليلة عمرها، ولم يتبق على موعد زفافها سوى ثلاثة أيام ثم عدت أدراجي أسابق الرياح؛ كي ﻻ تفوتني الرحلة ثم شحنت أمتعة السفر وانتظرت عند البوابة؛ استعداداً ﻻستكمال الرحلة لمحافظة عفيف، إﻻ أنني لم أسمع النداء للرحلة كالعادة، وهذه كانت الغلطة الأولى في محطة النقل الجماعي بالرياض فتوجست خوفاً، وسألت أحد الموظفين (حارس خاص) فأشار لي إلى الباص الخطأ رقم 6، وأوصلني بنفسه عندما وجدني مستعجلة، فركبت الباص وكنت غير مرتاحة، وكان السائق من شرق آسيا ﻻ يجيد التحدث باللغة الإنجليزية ولا العربية سوى بضع كلمات، والغلطة الثانية بأن التذاكر يفترض أن تكون عند السائق، وللأسف لم يتأكد منها، ولم يناد بالأسماء بعد ركوب جميع المسافرين كالعادة في كل مرة، ثم غفت عيناي ونمت، ولم أستيقظ إلا عندما وقف الباص عند محطة الوقود، عبر الطريق، فاشتريت لي وجبة خفيفة من المطعم، ثم صعدنا الباص وسألت السائق متى سنصل عفيف؟ فقال لي بلكنة غير عربية (عفيف، ما في معلوم عفيف؟)، فردت عليّ إحدى السيدات المسافرات: نحن متوجهون إلى الأحساء، فما إن سمعت قولها حتى سقط كأس الشاي الذي كان بيدي، وصرخت ثم أصبت بهبوط حيث أعاني من نسبة بسيطة بالسكري، وتنملت أطراف يدي اليمني.
تعاطف الدعم الفني
وحول كيف تصرفت؟ أجابت هناء: فجأة رفعت رأسي ووجدت في الباص لوحة بها أرقام للاتصال في حالة وجود شكوى للدعم الفني، فتواصلت معهم وأخبرتهم بما حدث لي؛ لكي يحجزوا لي تذكرة للرياض ومنها إلى عفيف، وتعاطفوا معي ونسقوا لي رحلة للرياض مجدداً، إلا أنهم استقبلوني بمجرد وصولي للمحطة بالأحساء في الساعة 8:30 تقريباً وأعطوني فرصة للاستراحة والصلاة، بينما باص رحلة الرياض ينتظرني، وقاموا برفع شكواي إلى مدير النقل الجماعي بالرياض، إضافة للحفاظ واستلام أمتعتي عند وصولها لمنطقة عفيف بدوني وارتحت نفسياً، وقالت
ووصلت بحمد الله للرياض الساعة 1:30 ليلاً ورحب بي مسؤول النقل الجماعي بالرياض، وأخبرني بأن باص النقل الجماعي المتوجه لعفيف سيكون جاهزاً عند الساعة السابعة صباحاً، فأصابني الهلع أكثر، فكيف سأجلس بالمحطة وهي شبه خالية في هذا الوقت المتأخر من الليل؟ إضافة إلى أنني سأتأخر أكثر على مدرستي وتلميذاتي وأنا فتاة ولوحدها، وأخشى على نفسي، فطلبت من المسؤول أن أرحل، فلا أريد البقاء في المحطة، فأخبرني المسؤول بأنه ﻻ يوجد رحلة في هذا الوقت إﻻ للطائف، ووافقت أن أركب بنفس الباص ليوصلني في طريقه لعفيف؛ حتى أصل بدري، ويمكنني الدوام والذهاب للمدرسة، وبالفعل ساعدني المسؤول بتوجيه الأوامر للسائق بأن يوصلني إلى عفيف قبل أن يذهب إلى الطائف، حيث سلك الطريق الداخلي بدلاً من المرور على المدن والهجر.
رحلة مخيفة ومقلقة
قالت هناء وهي تلتقط أنفاسها بهدوء: وبالفعل انتقلت مع الباص المتجه للطائف، ومررنا بعدة مدن وهجر، برما ومرات وشقراء والدوادمي والبجداية، حوالي 5 ساعات على الطريق الطويل، وكنت مجهدة كثيراً، ولا طاقة لي على التحمل، وكانت محطة النقل الجماعي بالأحساء والرياض على تواصل معي، حتى وصلت محافظة عفيف وأوصلني الباص عند مكان السكن بالضبط، فتحت الباب بصعوبة بيديّ المرتجفتين، وما إن فتحت الباب حتى وقعت على طولي، وزحفت عند الممر، ونظرت إلى قدميّ فوجدتهما منتفختين كثيراً نتيجة تجمع السوائل من الجلوس الطويل بالباص، وغفت عيناي ونمت طويلاً ولم أدر عن نفسي من شدة التعب والإرهاق إلا الساعة الرابعة، حيث استفقت من النوم وكأنه حلم ولم أصدق، سافرت أكثر من 10 ساعات وأنا من باص لآخر، وفقدت حقيبة السفر وفيها فستان زفاف أختي بالإضافة إلى ملابسي، فلا يمكنني الذهاب للمدرسة من دون ملابس رسمية، ومن رحمة الله عليّ، فإن مديرة المدرسة كانت متفهمة لظروفي ووقفت بجانبي.
الخوف من عدم إعادة الحقيبة
سألنا هناء: متى ردت حقيبة السفر إليك؟ وهل أخبرت أهلك وأختك بالحادثة؟
لم أحصل على حقيبة السفر إلا في يوم حفل زفاف أختي وأوكلت مهمة إخبار أختي لوالدتي، ولم أخبر والدي فقد كان مريضاً فلم أقلقه، وأما والدتي فلم تنقطع عني اتصالاتها، وكذلك بعض أخواتي وكنا خائفين من عدم رجوع الحقيبة وفيها فستان الزفاف، ووضعت أسوأ الاحتمالات بعدم رجوعها لي، وحاولت التصرف في إيجاد البديل وكنت أتساءل كيف سأخبر أختي بالموضوع؟، ورجعت تواصلت مع النقل الجماعي للعثور على حقيبة أمتعتي ووعدوني خيراً، ثم خرجت للسوق وابتعت ملابس رسمية؛ لأتمكن من الذهاب لعملي بالمدرسة، واختبار الطالبات اللاتي من أجلهن رجعت لعفيف، ثم أعود يوم الأربعاء إلى الدمام؛ حتى يمكنني حضور زفاف أختي يوم الخميس.
وأضافت: كتبت قصتي في بعض الجروبات علني أجد من يساعدني في إيجاد فستان زفاف بديل لأختي العروس، وفوجئت بمكالمة سيدتي وأسعدتني بوجود البديل، وكل ما عليّ هو إخبار أختي للذهاب لاختيار الفستان المناسب، فبكيت من شدة الفرح، وكلمت والدتي بالموضوع، فتصرفت بطريقتها وأخبرت أختي العروس، وذهبت لاختياره ولله الحمد.
تدخل سيدتي
شغلت قصة المعلمة هناء في «الواتس آب» وكانت سيدتي عضوة في الجروب نفسه، وكانت تتساءل عن أماكن بيع أو تأجير فساتين الزفاف ومساعدتها في إيجاد البديل لفستان شقيقتها العروس، وبالفعل تضامن الجميع معها وحاول مساعدتها.
وبادرت سيدتي بالتواصل مع إحدى صاحبات معارض تأجير وبيع فساتين الزفاف «سناء العنزي»، وطرحنا عليها القصة فوافقت أن تعوض العروس بفستان زفاف مجاناً، كمساعدة وتشجيع لمعلمة ضحت بعمرها لخدمة بنات الوطن، والنهوض بالعملية التعليمية، ثم قامت سيدتي بالتواصل مع المعلمة هناء وأخبرناها بإمكانية أن تذهب أختها لاختيار فستان آخر مجاناً كسباً للوقت.
العروس: حلمي تحقق
وحول موقف العروس غ -ح، 27 عاماً حيال تبديل فستان زفافها بآخر؟ أجابت: بالطبع صدمني الخبر كأي عروس تريد أن تكون ترتيبات زواجها جاهزة وبكل هدوء، ولكنها مشيئة الله سبحانه، وأختي الغالية أهم عندي فقد وجدت العوض بفستان كان أجمل من الفستان المفقود، واندهشت من أنه الفستان نفسه، الذي كنت أحلم بارتداء مثله من حيث الفخامة والجمال بالتصميم، وكان الأغلى ثمناً واستأجرته مجاناً وأشكر سناء العنزي، على موقفها النبيل وموقفها في قمة الأخلاق والروعة، ولله الحمد، على عكس الفستان الذي استأجرته من الرياض بـ2000 ريـال سعودي، من يعوض أختي هناء؟ ومن ينصفها جراء ما تعرضت له؟ ومن المسؤول؟
وأضافت: أطالب وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل، أن يوافق على نقل أختي من منطقة عفيف إلى المنطقة الشرقية ويضع حداً لمعاناتها، كما وأشكر سيدتي على مبادرتها الاجتماعية في دعم وحل قضايا المرأة العربية بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص، شكراً لكم.