نظرت لابنها. نظرت لعابد. نظرت للشرطي. وشعرت بالدنيا تدور من حولها.
البداية
تأخر ابنها البكر خارج البيت لا يريحها. لم يعودها على ذلك. انقلبت حاله منذ فترة. صار يطيل الوقوف أمام المرآة، يقوم بحركات غريبة، وينتعل حذاءه الرياضي حتى خارج أوقات حصصه الرياضية.
لم تضيّق عليه الخناق يومًا. تأثر أكثر من إخوته بموت والده. يجب أن تكلمه.
الولد لم يتملص. صارحها بأنه يتمرن مع عابد على الجيدو في الشاطئ. عابد خبير في الحركات القتالية. وعده بأن يلقنه كل ما يعرفه.
أكرم... وعابد؟ ما الذي جمع «فتوة» الحي بابنها الوديع؟
تملكها القلق.
عصر السبت، التقت بجاراتها في منزل هنية، زوجة الحلواني. مائدتها كانت باذخة. شاي بالنعناع وزهر الليمون، وحلوى باللوز والجوز والشوكولاتة، ومذاقات أخرى كثيرة. هنية كانت سعيدة. تقبلت ثناء النسوة بامتنان، ولم تتوقف عن الضحك.
دخل زوجها فجأة، وهجم عليها وسط ضيفاتها. تبين أنها أخذت الحلوى من المحل دون أن تستأذنه. تفرقت النسوة، ولم تعد أم أكرم إلى شقتها.
قررت أن تشتري بعض الكعك والمكسرات لأولادها. سيسألونها ماذا أحضرت لهم من بيت الخالة هنية.
فرصة لتختلي بنفسها قليلاً وتفكر في أمر أكرم.
ندمت لحظة تخطت عتبة البناية على قرارها. تلقفتها ذراعا رجل يجري كالسهم، وطوقتاها، وأدارتاها ناحية شرطي وقف يلهث ويده على سلاحه.
«ابتعد وإلا ذبحتها!»
نصل الخنجر يلمس رقبتها. قلبها يقفز بين ضلوعها. ورجلاها لا تحملانها.
«عابد، لا تكن مجنونًا، ألق سلاحك، ودع المرأة...».
خطا الشرطي نحوه. توقفت الحركة، وتجمهر الناس.
«قلت ابتعد، وإلا...».
طار الخنجر في الهواء. وطار عابد أيضًا. ولم ترق قطرة دم.
انقض ابنها على المجرم، وكبّله الشرطي. وأثنى على الولد:
«حركة موفقة يا بطل! معلمك سيكون فخورًا بك...».
ضحك عابد، المنبطح أرضًا. ضحك بشكل هستيري. وشده الشرطي بحنق: «تضحك يا مجرم؟ هل تجد الأمر مسليًا؟ سنرى إن كنت ستحتفظ بمعنوياتك العالية في السجن. لم تعد تكفيك تجارة المخدرات؟ تريد أن تحترف القتل أيضًا؟».
قلبت عينيها في الناس وغابت عن الوعي.