أمها لا تفهم شيئًا، ترتق قدم الجورب، وتحك عينيها بظهر يديها المحمرتين.
«سترافقينني، شئت أم أبيت، وتقبلين الوظيفة التي عرضها عليك...»
« ولكن يا أمي...»
« اصمتي، تعبت، لا أطلب المستحيل، أفضال الرجل علينا كثيرة»
انقبض قلبها وهي تتذكر لمسته المقززة، فاجأها؛ مد يده وقبل أن تدرك ما يحصل، وجدت نفسها بين ذراعيه.
« لن ينقصك خير، سأدللك...»
لعنت الساعة التي قررت فيها مرافقة أمها إلى بيته.
دأبت على مساعدتها في الخدمة في البيوت، دفعت طلبات شغل إلى العديد من المكاتب والشركات، ولم يتصل بها أحد، الشغل صار بالواسطة هذه الأيام.
يقشعر بدنها كلما تذكرت ضحكته الغليظة، يتراءى لها جسمه الممتلئ، ويتملكها التقزز.
« سأدللك...»
أمها لا تصدقها. «تحلمين يا ابنتي، الرجل متزوج، ولديه أبناء، حرام عليك...»
رافقتها كما رغبت إلى بيته.
يوم رآها أول مرة، وبخ والدتها بشدة: «لديك عروس بهذه الحلاوة وتعملين في البيوت؟».
لا تدري كيف لم تشك بشيء.
سارت خلفها، السكون يخيم على المكان.
نزعت بلوزة العمل من بين يديها: «الأستاذ في مكتبه، ألقي التحية عليه واعتذري».
نقرت الباب، ودلفت وهي ترتجف.
« ماذا تريدين؟».
تمدد على مقعده، وبدا واثقًا جدًا من نفسه، حملقت فيه بقرف، مال برأسه للوراء وضحك ضحكته المقززة: «هيا، لا تكوني خجولة، كم تريدين؟».
« عفوًا؟».
« أتحدث عن راتبك، ماذا تظنين؟ كم يرضيك؟».
خيل إليها لبرهة أنها ظلمته، وأساءت فهم المطلوب منها، لكنه لم يلبث أن بدد أوهامها: «أنتظر منك الكثير، أحتاج لأطنان من الحب، والرعاية، والحنان، تعاليْ....»
وأمها التي تقول إنه رجل متزوج ومحترم...! بالمناسبة، أين امرأته؟ وأين أولاده؟ لم ترَ أحدًا غيره في الدار.
« تعاليْ يا حلوة...»
قام وبدا لها مثيرًا للاشمئزاز بثوبه الأحمر، وسحنته الغليظة، مد ذراعه المغطاة بالزغب، ولمحت خلفه عبر الشرفة المطلة على الحديقة أمها وظهرها محني على الممر ترشه بالماء، وتحكه بهمة.
« تعاليْ...»
أي ابتزاز هذا الذي يسمح له به نفوذه وملايينه؟ من يكون ليساومها بهذه الوقاحة على نفسها؟ وأمها... كيف ترميها بين براثنه؟
« تعاليْ..»
رفعت يدها عاليًا وصفعته بكل ما أوتيت من قوة، وجرت هاربة خارج الدار.
ثمة أشياء لا تباع ولا تشترى.