لا مزايدة عندما نودّ الحديث عن السينما وصناعتها في الشرق الأوسط، فالأمور مكشوفة والجهود واضحة لخلق مكانة لها، وخاصة في "الخليج" حيث بدأت المهرجانات السينمائية تكبر عاماً تلو الآخر، لتحقّق معادلة نمو "سريع". "سيدتي" التقت بأحد أهمّ الشخصيات المعروفة في صناعة السينما، وهو رئيس لمهرجانين سينمائيين، دبي السينمائي الذي افتتحه الأسبوع الفائت بفيلمه العالمي "مهمة مستحيلة"، والخليج السينمائي الذي كان هو الدافع لانطلاقه عام 2008، عبد الحميد جمعة رجل نافذ في عالم السينما، ومبتكر وداعم لها دائماً، في حواره معنا حاولنا قدر الإمكان الإجابة عمّا يجول في خاطر المهتمين بالسينما والمهرجانات السينمائية. فإليكم الحوار:
ــ تصرّ المهرجانات السينمائية العربية على تقديم نفسها كمهرجانات دولية. ما هي أوجه الاختلاف بين المهرجان الدولي والمحلي؟
هناك نوعان من المهرجانات الدولية: الأول هو الذي يتمّ الاعتراف به دولياً، مثل مهرجان القاهرة الدولي الذي يعتبر المهرجان السينمائي العربي الوحيد الحائز على اعتراف من هذا النوع. أما النوع الثاني، فهو المهرجان الذي يعرض أفلاماً من جميع أنحاء العالم ويطلق على نفسه هذه الصفة كونه لا يقتصر على الأفلام المنتجة محلياً بل يتعدّاها إلى العالمية. هناك أكثر من 3000 مهرجان تقام سنوياً أو كلّ سنتين، منها ما يزيد على 750 مهرجاناً تحمل اسم "دولي" والبقية تختصّ بعرض أفلام محلية. والمهرجانات العربية تدعى "دولية" لأنها تعرض أفلاماً من الوطن العربي وجميع أنحاء العالم.
ــ في لقاءات متكرّرة مع نجوم هوليوود وصنّاع السينما في العالم، وجدنا أن السينما العربية لم تلفت انتباه أحد خارج نطاق الوطن العربي بعد. برأيك، هل يكفي وجود مهرجانات سينمائية للتعريف بما نقدّمه من سينما؟
إنّ مشكلة الانتشار العالمي لسينما ناطقة بلغة غير الإنكليزية مشكلة عامة على مستوى العالم، ولا تقتصر على السينما العربية فحسب، حيث تواجه السينما الإيطالية والفرنسية والإسبانية وغيرها المشكلة ذاتها أيضاً. وهذا يعود إلى قوة وانتشار هوليوود وإمكانات التسويق الهائلة التي يتمتع بها الفيلم الناطق بالإنكليزية، وعلى الأخصّ الأميركي. ففي عام 2010 وحده، حقّق أكثر من 20 فيلماً منها عوائد قياسية من بيع التذاكر خارج الولايات المتحدة، بما في ذلك الشرق الأوسط.
بالطبع، السينما العربية لا تزال ناشئة مقارنة بهوليوود وبوليوود، ولكنّ الأمور بدأت تتغيّر بشكل كبير، حيث نجد حضوراً قوياً للأفلام العربية في جميع المهرجانات الدولية. وعلى سبيل المثال، فقد فاز فيلم "أمريكا" الذي تمّ إنتاجه ضمن "ملتقى دبي السينمائي"، بجائزة لجنة النقاد الدولية في مهرجان كان السينمائي، كما جرى العرض الأول لفيلم "حبيبي راسك خربان" في "مهرجان تورنتو السينمائي الدولي الـ 36"، وهو أحد المشاريع التي حظيت بدعم برنامج "إنجاز" التابع لمهرجان دبي السينمائي الدولي.
نجوم عالميون
ــ في لقاء سابق مع النجم العالمي أنطونيو بانديراس قال إن المهرجانات العربية يلزمها سنوات حتى ترقى إلى مستوى المهرجانات العالمية، وأنّ لا شيء يحول دون ذلك. إلى أيّ حدّ تجد مقولة بانديراس صحيحة؟ وهل لديكم خطة لتحقيق هذا الطموح؟ وما أهمّ معالمها؟
قام أنطونيو بانديراس نفسه ببطولة فيلم تمّ إنتاجه في العالم العربي، وهو "الذهب الأسود". وبالتالي، نرى أنّ النجوم العالميين يتقبّلون المشاركة في أفلام عربية الإنتاج بصورة متزايدة. وفي العام الماضي، شارك جان رينو في فيلم "الفيلسوف" من إخراج الإماراتي عبدالله الكعبي، كما أنهم يشاركوننا في الإنتاج لأنهم يدركون أن معاييرنا ترقى إلى مستوياتهم. وأنا لا أوافق على أنّ المهرجانات العربية تقلّ عن المهرجانات العالمية. وهناك أيضاً مهرجانات متميّزة أخرى في العالم العربي مثل مهرجان الدوحة السينمائي، ومهرجان القاهرة السينمائي وغيرهما.
ــ لماذا تمّ اختيار فيلم "مهمة مستحيلة" بجزئه الرابع ليكون فيلم الافتتاح؟
لقد تمّ اختيار هذا الفيلم لأربعة أسباب رئيسية هي: أولاً، الفيلم له علاقة بدبي، حيث تمّ تصوير جزء منه هناك، ومن المنطقي أن يتمّ عرضه فيها قبل أيّ مدينة أخرى، ثانياً: ما حقّقته دبي والإمارات العربية المتحدة كان مهمة مستحيلة في اعتقاد الجميع، ولكنّ واقع الحال أثبت عكس ذلك تماماً، ثالثاً: ترى استوديوهات هوليوود أنّ هناك تغييراً واضحاً في نسبة مبيعات تذاكر الأفلام في الشرق الأوسط وأنّ المنطقة من أهمّ أسواق النمو، رابعاً: إنه فيلم تشويق وحركة ذو تقنيات عالية تزيد ميزانيته على 160 مليون دولار أميركي، وله جمهور عالمي واسع وجمهور محليّ أيضاً، وهو من الأفلام المنتظرة في عام 2011.
ــ معظم المهرجانات السينمائية العربية تستقطب نجوماً عالميين خلال حفلات الافتتاح والختام، ماذا يضيف هؤلاء النجوم إلى المهرجان في اعتقادكم؟
أعتقد أنّ مهرجاناً سينمائياً بدون نجوم هو مهرجان مخصّص فقط لصنّاع السينما. وأرى أنّ مهرجاناً بلا نجوم يزيّنون السجادة الحمراء هو مثل سماء خاوية. وقد تختلف أسباب وجود النجوم في المهرجانات السينمائية، بما في ذلك مشاركة أحد أفلامهم أو كونهم أعضاء في لجنة التحكيم أو أصحاب مشروع أو من مكرّمين أو زوّار للمهرجان، ونحن في دبي نحاول استقطاب النجوم العالميين لإيصال المهرجان إلى أوسع جمهور عالمي ممكن. على سبيل المثال، هناك جمهور عالمي بالملايين ممّن يتابعون أخبار النجم توم كروز، وعندما يقرأون أنه تمّ تصوير فيلمه في دبي وأنه سيكون الفيلم الافتتاحي في المهرجان، فلا شك أنّ ذلك سيثير فضولهم لمعرفة المزيد حول مدينتنا ومهرجاننا. وجميع النجوم المشاركين هم جزء من البرنامج، إما عبر عرض أفلامهم في المهرجان أو اتخاذ المهرجان منصة للترويج لأفلامهم. وبالتالي، فإنّ استقطابهم فيه منفعة متبادلة. وبالطبع، سيكرّم المهرجان الإنجازات المميّزة لثلاث شخصيات سينمائية معروفة: من السينما العربية والإفريقية والغربية، هم الممثل المصري المخضرم جميل راتب؛ والمخرج والمؤلف والممثل فيرنر هيرتزوغ الذي يعتبر أحد أبرز شخصيات السينما الألمانية المعاصرة؛ إضافةً إلى الملحن الموسيقي الهندي الحائز على جائزة الأوسكار إيه آر رحمن.
الحوار بين الثقافات
ــ لماذا يتمّ فصل نجوم العالم عن العرب منهم خلال حفلات المهرجانات الخاصة؟
نحن لا نتعمّد أبداً الفصل بين النجوم المحليين والعالميين. ولكن، ما يحدث أنّ العديد من النجوم العالميين يأتون لحضور المناسبات ضمن جداول زمنية مضغوطة وعليهم الالتزام بها. وفي نهاية المطاف، فإنّ المهرجان يتمحور حول مدّ جسور الحوار بين الثقافات وتلاقي العقول، فكيف نقصّر في تشجيع التمازج بين الثقافات؟
ــ كيف توضع قائمة الفنانين العرب أو الأجانب، وعلى أيّ أساس يتمّ اختيارها، خاصة أنّ كثيراً منهم تكرّرت أسماؤهم خلال السنوات الأخيرة دون أن يكون لديهم أفلام مشاركة؟
كما ذكرت سابقاً، لا أعتقد أنّ هناك مدعواً واحداً ليست له صلة بأحد الأفلام المعروضة في المهرجان، ولكن أحياناً يعرب بعض النجوم عن رغبتهم بحضور المهرجان، وهذا ما نريده أصلاً. وكما ذكرت سابقاً، هناك أسباب عديدة لدعوة الفنانين إلى المهرجان، وقد تتكرّر الأسماء في كثير من الأحيان لأنّ أصحابها موهوبون، ويشاركون في أعمال كثيرة سنوياً، وما من ضير في تكرار وجوه الزوّار.
ــ هل لديكم طموح لنشر الوعي بالسينما الوثائقية؟ أم ستبقى هذه الأفلام سجينة عروض المهرجانات؟
هناك أفلام وثائقية ضمن كل واحد من برامج المهرجان تقريباً لتعكس حياة وأفكار صنّاع الأفلام المشاركة. وتستأثر الأفلام الوثائقية بفئة مستقلّة ضمن "جوائز المهر العربي" وجوائز "المهر الآسيوي الإفريقي". ونحن نسعى دوماً لدعم صناعة الأفلام الوثائقية، خاصة أنّ الجمهور يشكّل أحد عناصرها ونعمل على نشرها خارج حدود العالم العربي، فالأفلام الوثائقية تسجّل حقبة من الزمان وتوثّقها لتنقلها إلى الأجيال القادمة.
ــ من المؤكّد أنكم تبذلون قصارى جهدكم في ما يخصّ التغطية الإعلامية. لكن، تبقى هناك شكوى متكرّرة من قبل الإعلاميين لعدم دعوتهم إلى حفلات السجادة الحمراء، والذين تستطيعون من خلالهم رصد آراء الفنانين حول المهرجان وتوطيد علاقتهم بهم. لماذا يحصل هذا الأمر سنوياً؟
تتوفّر للإعلاميين فرصة مشاهدة جميع الأفلام في عروض خاصة لهم. كما تتاح لهم فرصة لقاء النجوم على السجادة الحمراء. ولكنّ القضية هي أنّ النجوم لديهم جداول مواعيد مزدحمة لا تتّسع للمزيد من اللقاءات الإعلامية. من جهتنا، لا ندّخر جهداً لتلبية طلبات الإعلاميين، غير أنّ القرار الأخير يبقى لهؤلاء النجوم.
ــ أخيراً، أين تضع مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثامنة بين مهرجانات السينما العربية والعالمية؟ هل يمكن معرفة مدى علاقتكم شخصياً بالسينما وأيّ الأفلام تستهويك؟ وما هي الأفلام التي ستشاهدها خلال المهرجان؟
تحتاج المهرجانات السينمائية وقتاً طويلاً لكي تتبلور وتأخذ المكانة التي تستحقّها. ويحتاج المهرجان إلى 15 سنة على الأقل لكي يتميّز عن المهرجانات الأخرى. ولكننا فخورون بما حقّقه مهرجان دبي السينمائي الدولي خلال هذه الفترة القصيرة من عمره، حيث نجح في التميّز عن غيره على مستوى المنطقة، وانطلق نحو العالمية بفضل الدعم الكبير لحكومة دبي والرعاة الآخرين. كما نجح أيضاً في تعزيز علاقته بالجمهور جراء وضوح رؤية وأهداف إدارة المهرجان الذي يحترم صانعي الأفلام العرب ويساهم في انتشار أفلامهم. ولا ننسى فريق عمل المهرجان الشغوف بكل ما يتعلق بعالم الفن السابع. أما بالنسبة لعلاقتي بالسينما، فأنا من الشغوفين بها، وتستهويني جميع أنواع الأفلام، ابتداءً بالدراما والكوميديا وانتهاءً بالرسوم المتحرّكة والأفلام التي تمثّل مناطق مختلفة من العالم.
هذه التفاصيل وغيرها تتابعونها في العدد الجديد من مجلة "سيدتي" المتوفر في الأسواق والمكتبات.