كنت أفتش في أوراقي القديمة بحثًا عن شيء ما.. فوجدت بينها كشكولاً أزرق، يكاد لونه أن يصير إلى رماد من أثر الزمن.. أربعون عامًا بالتمام والكمال.
فتحت الكشكول: الورق كله مصفرّ.. لم يكن هكذا في البداية.. كان صفحة بيضاء.. بيضاء من غير سوء..
ناعمة.. تكاد أن تكون لامعة.
تأملت النقوش: خط طفولي لم ينسجم بعد بفعل التدريب اليومي. حروفه ناشزة، لكن ألفاظه ومعانيه متناغمة، على الأقل بالقدر الذي يسمح به سن الخامسة عشرة.
من ذلك هذه السطور:
يستبعدني الزهر
أصبح طينًا من حول جذوره كي يكبر
كي يكبر
كي يختال بلون أزرق أو أصفر أو أحمر
أصبح طينًا..
وأنا كنت أريد الشمس
أن أركب فرسًا أسطوريًا نحو الشمس
بجناحين عظيمين يُظلان المدن جميعًا
كنت أريد الشمس
كي أصنع منها للناس ربيعًا
بالعدل أقسِّمها
ولكل فراش دفء
ولكل فقير أصنع خبزًا
أطعم قلبًا موجوعًا
...
لكن الزهد أتاني
من غيب عطري مؤلم
فأذل فؤادي
وسباني سيفي وجوادي
لم أتكلم
غنيت فقط
لحن عبودية
*
أخذت أقلِّب في صفحات الكشكول، وأنا أتعجب من هذه المرارة السابقة، يعني مثلاً، هذه القصيدة الغريبة، هذه الرؤية العجيبة، القاتمة، التي تكاد أن تكون مضحكة:
عيناك مثل هوّتيْن
فاغرتين
......
أنا.. مهرج عتيق
قفزت في الهوة أنشد التصفيق
فانكسرت ساقي
وقمت مرغمًا
أنط فوق ساقي الأخرى لأضحك الجمهور
واجتمع المهرجون يضربونني