لماذا ولمن أعيش؟

دائمًا تبهرني الفتاة عندما تتسم بالنضج والحيويَّة والمعرفة والثقافة والتفاؤل، الفتاة التي تعرف كيف تتحدث وتناقش وتحلل، لكن في هذه المرة صدمتني فتاة لم تتجاوز العشرين من عمرها، لمحت علامات الحزن على وجهها، فتاة لم تعرف عن الحياة سوى عالمها الصغير الضيق، ليس لديها أية اهتمامات، أخبرتني بصوتها الطفولي ووجهها البريء قائلة: «لا أدري لماذا ولمَ ولمن أعيش؟!، أشعر وكأنني أحيا داخل سجن انفرادي لا باب فيه ولا حتى شباك، فالخروج ممنوع والمناقشة ممنوعة، حتى الحلم ممنوع، وأي حوار أو اعتراض قد يفقدني بعدها مستقبلي، ولا أذهب لمدرستي، يعني حرماني من المنقذ الوحيد، فأنا من وجهة نظر أسرتي كائن لابد أن يحفظ داخل صومعة، لا حق لي في الحياة إلا من خلال ما يرونه مناسبًا، فالكل يتحكم فيَّ ولا يمكن أن ترد أوامرهم، فالقرار يصدر بعقليَّة حجريَّة، فقدري أن أعيش على طريقتهم وأتعلم بأسلوبهم، فأنا لا دخل لي في اختيار مصيري، حتى زواجي سيكون على طريقتهم، وكم حلمت أن أعيش سنيي وأن أحيا حياة طبيعيَّة وأتكلم وأسأل وأضحك معهم. تمنيت أن أقول رأيي وأخطئ وأجد من ينصحني وأشعر بمن يحتويني ويضمني ويمسح دمعي، من يسألني ماذا أريد أو هل أريد.

 في أعماقي تقبع مشاعر الضيق والألم والخوف من مجرد فكرة الزواج، فلا يوجد حبٌّ ولا عشرة ولا مودة ولا رحمة في هذا الزمان، وبدوري أقول: إنَّ أخطر ما في الموضوع لمثل هذه الحالات لبعض الفتيات تكون بسبب التجارب التي أوصلتها إلى مرحلة استخلاص نتائج عامَّة ومطلقة زرعت في كيانها معاني وقيمًا وسلوكيات سلبية. عزيزتي: لابد من الاستعانة والدعاء لله سبحانه وتعالى، وأن تدركي أنَّ القرار قرارك في تغيير نفسك، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأنت الوحيدة التي يمكنك زرع التفاؤل في نفسك، ووضع قوانين داخليَّة بضوابط تصل بذاتك لطريق ناجح. قاومي مخاوفك وتعاملي مع مشاكلك على أنَّها هدايا من الله؛ ليدربك على مواجهة الحياة، ويعلمك تحديات جديدة، فقد خلقك سبحانه بطاقة ربانيَّة كبيرة تؤكد أنَّك قادرة على فعل الكثير، ولا توهمي نفسك بأنَّك ضحيَّة ظروف؛ لأنَّ ثقافة أسرتك ثقافة ممتدة لن تتغير بسهولة أو تتبدل بالنظرة السلبيَّة والبكاء والاستسلام.. انظري حولك وشاهدي من هم أسوأ من حالتك وظروفك، وبرغم ذلك صنعوا نجاحهم بأنفسهم، وأنت قادرة على إنجاز أمور لها قيمتها، المهم أن تتعلمي وتعيشي بمنطق: سأتعلم لأنجز، وسأبذل مجهودًا؛ حتى أستحق الراحة والسعادة.

ابنتي أغلقي كل ملفاتك وافتحي ملفًا جديدًا يتجدد فيه الأمل، ونظرة تشتاقين فيها بغير حدود لغدأفضل، تعاملي مع ذاتك على أنَّك إنسانة قادرة على مواجهة التحديات التي خلقك الله بهابكفاءة، واستخدميها لصالحك، وستجدين نفسك دومًا في حالة تقبل ورضا، وبالقدر تقبليننفسك كإنسانة لها كيانها واحترامها وقدراتها التي تسعى دومًا لرضا الله وطلب عونه ومساعدته،وستنجحين بإذن الله وتتجاوزين هذه المرحلة بسلام