في الربيع أحبك. في الشتاء أحبك. وعيونك صيف، ليلة صيف على البحر ذات نسيم. في الصيف أحبك. في الخريف أحبك. وشفاهك شمس خريفية حمراء. ويداك مواسم قمح، وصدرك برج الحمام.
في الحالة الأمنية المتردية أحبك. أيتها السلام والأمان. شعرك كرْم من أعناب سوداء. قدماك زورقان من قشدة. صوتك حديقة كاملة بطيرها وحفيف أشجارها، بل صوتك كلام طير اليمام.
ولقد جئت هنا البستان ناسيًا أني موجود، موجود لا أُرزَق. جبت هذا البستان ولم أخرج منه. مر ربع قرن وأنا هنا. لم أتقدم في السن؛ لأني كنت أغتسل صباحًا في بحيرة عينيك، صرت ذا لحية كجناح الغراب، وشعري كثيف كدغل على حلقة استواء الموز والمانجو وجوز الهند. متوغل في الخضرة، ناسٍ كل ما هو أصفر. انتصري لي بنظرة منك ذات بسمات. مات ما مات مما من الخير أن يموت.. حَيَا ما حَيَا من رمان وقرنفل وعصفور جنة، من عصافير الحديقة. انتصري لي بكلمة منك تعيد كل ما قيل من شعراء المهجر والموطن، وكل ما خطه القوس على الكمان، وفضحته طيور صغيرة السن تسعى هنا وهناك تتكلم من أجل الكلام، وتشدو من أجل الغناء.
لا حول ولا قوة إلا بما أعطاني الله من منٍّ ومن بركة. يا حديقة قريبة من البحر، من فرّ من أخضرك يسقط في الأزرق.. في أزرق الرحمن الجميل.
إذن هي ليلة صيفية في عز الشتاء. رائحة الياسمين تدهم أغصان فبراير العارية. خمس وعشرون ياسمينة. كل ياسمينة تطرح ياسمين.. 25سنة منذ التقينا. كنا في عامنا الخامس والعشرين. وما زلنا. واهمٌ من يرانا خريفين ونحن في قمة الربيع.
أيتها الأم الشابة. احتضني وليدك العريان. أرضعيه ثم ضعيه على السجادة يحبو. مبتعدًا عنك نحوك.
إنه ينمو كشجرة. نامي في ظلي يا حبيبتي؛ فالشمس الربيعية ذات وَقْدٍ ولهب. في الحادي عشر من شهر فبراير. وأنا شجرة مكسوة مزهوة. قفطاني أخضر.. منقوش بمجمع أزهار الربيع.
إذن هو نهار ربيعي في عز أمشير «شهر البرد ذي النزوات» في التقويم المصري. قولي معي: «إن الله على كل شيء قدير».
سبحانه!! يخلق ما يشاء. خلق البردين يلتقيان. يتدفآن. يصيران صيفًا واحدًا. ربيعًا واحدًا. ليلة صيفية ونهارًا ربيعيًا واحدًا.
اقتربي بعينيك. أريد أن أسمع دقات قلبك. اقتربي بقلبك. أريد أن ألمس يدك. اقتربي بوجودك، أريد أن أترسّخ في مملكة الموجودات. اقتربي بماهيتك. ولأقترب بماهيتي ولنكن شيئًا واحدًا. وجودًا واحدًا. له ماهية واحدة.
ولا تستمعي لصوت الغربان. لا تنظري لنسج العناكب. لا تتأملي الغيم الأسود والغيم الرمادي. ابتسمي كسحابة بيضاء تتخللها الشمس. خيوط الذهب تلتف على القطن الناصع. أيتها السحابة الزورق الأبيض السابح في بحر سماء بحر الصيف السكندري. أنت شراع أبيض يعبرني. كجناح حمامة بيضاء، يمكث لا يبرح. يذوب البحر في الشراع في الشمس في السحابة الناصعة. ويذوب الوقت في الأبد، فنظل قلبين وجسدين جديدين، وقد مر ربع قرن على ربع قرننا، وما زلنا قوسي دائرة واحدة. تذوب المسافات فيها والأعوام.
نبتسم متعجبين: 25 عامًا؟! ما زلنا طفلين. طفلين كما كنا. كل شيء حولنا أطول عمرًا منا. حتى الورد والأطفال والفراش.