ربما التقينا وسمعنا وقرأناعن قصص الكثير من المصابين بمرض نقص المناعة الإيدز، ومعاناتهم وشعورهم بالنظرة الدونية والتهميش من قبل المجتمع، ولكن قصة خالد وزوجته فاطمة تعد مختلفة في بعض تفاصيلها، اذ أصيب كل منهما بالمرض بطريقة مختلفة، إلا أن خالداً فضل أن تكون إصابته بالمرض سرية وفي طي الكتمان، حتى عن أهله وأقرب الناس له، بينما اكتفت فاطمة بمعرفة عدد محدود من عائلتها، وعلى الرغم من ذلك استطاع خالد أن يتجاوز مرحلة العزلة، وأن يتحول إلى مرشد متطوع في مجال التوعية بالمرض، واستحقت تجربته أن تتحول إلى قصة بطل بعنوان «متعايش في الرياض» قام برصدها الكاتبان عبدالله صايل ومبارك الدعيلج.
"سيدتي" التقت خالد وزوجته التي تتحدث للمرة الأولى لمطبوعة إعلامية من خلال التفاصيل الآتية:\
بداية الصدمة
قبل 9 سنوات وبينما كان خالد يستعد للزواج من ابنة عمه نورة، لجأ خالد إلى أحد المراكز الطبية لإجراء فحص الزواج الإلزامي، فظهرت نتائج الفحص التي تبددت معها جميع الأحلام، فقد أظهرت الفحوصات إصابته بمرض نقص المناعة الإيدز، والتي جعلته في حالة من الدهشة، فكيف أصيب بالمرض؟ وفي أي مرحلة؟ وهل أصبحت نهايته قريبة؟
يقول خالد: «حتى الآن لا أدري الطريقة التي تلقيت بها الخبر، وقدرتي على قيادة السيارة والعودة إلى المنزل، وقد حاصرتني الأسئلة والاستفسارات العديدة التي كادت تفتك بي».
الصديق عند الضيق
بعد أن تلقى خالد تلك الصدمة العنيفة، كان أول ما فكر به كيفية مواجهة أهله وعروسه بهذا الخبر، وكان بحاجة لمن يبوح له ويرتمي في أحضانه باكياً، ولمن يفضفض له عن معاناته التي عجز أن يحتمل مرارتها، ووقع اختياره على صديق عمره الدكتور الذي استطاع أن يحتويه، ويبث إليه الكثير من مشاعر الطمأنينة.
السرية التامة
ورغم تقبل خالد للصدمة تدريجياً وبصعوبة، إلا أنه رفض وبشكل قاطع أن يكشف لأحد من أهله وأصدقائه حقيقة مرضه؛ فنظرات الشفقة وكلمات المواساة ستقتله آلاف المرات، وستسارع بالقضاء عليه قبل يومه.
وكان على الصديق الدكتور أن يفكر مع خالد في كيفية البحث عن سبب لإيقاف هذا الزواج، من دون أن يكشف عن حقيقة مرضه وينفضح أمره، فاتفق مع صديقه الدكتور أن يتولى إخبار والده والأهل بأن نتائج الفحوصات أثبتت إصابته بمرض الكبد الوبائي، وهو من الأمراض المعدية التي لن يتمكن معها من إتمام الزفاف، واستطاع الدكتور إقناعهم بإلغاء الزواج وسط الكثير من علامات الاستفهام، وأجبر لاحقاً على أن يعتزل المجتمع، ويترك وظيفته، عاش خلال الفترة في صراع نفسي رهيب، وبعدها قرر أن يواجه الحياة، واضطر للعمل كسائق سيارة أجرة، فجميع الوظائف تتطلب منه تقديم فحص طبي، وهو ما كان يحول بينه وبين الحصول على وظيفة.
وعن معاناته في هذا الجانب يقول خالد: «يفترض أن تعيد وزارة العمل النظر في توظيف مرضى الإيدز، فهناك وظائف يمكنهم مزاولتها من دون أن يتسببوا بنقل العدوى إلى الأصحاء، فذلك يقلل من معاناة هؤلاء المرضى والضغوط النفسية، فلماذا يتم حرمانهم من حقهم المشروع في العمل والتعامل معهم كأشخاص منبوذين؟».
مرحلة العلاج والعمل التطوعي
لم تدم قوقعة خالد مع نفسه طويلاً؛ إذ استطاع وبتشجيع من طبيبه المشرف وصديقه المقرب أن يبدأ بالعلاج وأن يسخر الكثير من وقته في القراءة عن هذا المرض والالتحاق في دورات توعوية متخصصة داخل وخارج السعودية، وانضم لفريق المتطوعين للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بوزارة الصحة برئاسة الدكتورة سارة فلمبان، كما أصبح أحد المرشدين، وله العديد من المشاركات في البرامج التي تقام في اليوم العالمي للإيدز، ولكن من الغريب أن خالداً وعلى الرغم من كل ما حققه من قفزات في التعايش مع المرض، إلا أنه ظل يقوم بتلك المبادرات من خلف الستار ومن دون الإفصاح عن نفسه، وعن ذلك يقول: «حالت ظروفي وأسباب أخرى في حياتي في أن أواجه المجتمع وأعترف بإصابتي بالمرض، فلا زلت خائفاً من ردة فعل المجتمع الذي لا يزال يفتقد التوعية والتثقيف بالمرض، ورغم مرور تسع سنوات على إصابتي، إلا أن أهلي يجهلون أنني مصاب بالمرض، ولكنني أعتقد أنها مسألة وقت، وقريباً بإذن الله سأعلن للجميع عن شخصيتي».
مستشفى خاص
وعن المعاناة التي لا يزال يواجهها مرضى الإيدز، بعد مرور 9 سنوات على إصابته يقول خالد: «نحتاج إلى مستشفيات متخصصة أسوة بمستشفى الملك سعود في جدة، والذي يقدم العلاج للمرضى وفق اشتراطات صحية معينة ودون انتظار قوائم طويلة من المرضى».
أما عن نظرته للمستقبل فيقول: «استطعت تحويل محنتي إلى منحة، ومع استمراري في العلاج تجاوزت مناعتي الآن الـ1000، والفيروس غير مقروء، وأتطلع مستقبلاً إلى تحقيق المزيد من الإنجازات».
زواج خالد
تزوج خالد من أرملة أصيبت بالمرض قبل نحو 25 عاماً، حيث انتقل إليها من زوجها السابق، وقد تعرف عليها خالد من خلال المستشفى الذي يتلقيان العلاج فيه، والمثير أن أهل خالد لا يعلمون بحقيقة مرضه ولا مرض زوجته، وما زال الاثنان يتكتمان على ذلك استجابة لرغبة خالد في أن يظل مرضه في السر.
«سيِّدتي» التقت الزوجة فاطمة التي قالت عن إصابتها: «أصبت بالمرض من زوجي الذي انتقل إليه عبر علاقة عابرة أثناء وجوده في مهمة عمل خارج السعودية، ولم يكن يدرك حينها أنه أصيب بالمرض، وكان من الطبيعي أن ينتقل المرض إلي، والحمد لله تقبلت الأمر بقلب راضٍ بقضاء الله، وساعدني في ذلك وجود أسرتي التي تفهمت الأمر ووقفت إلى جانبي لدعمي ومساعدتي وإقناعي بالعلاج».
انتكاسة الزوج
وأضافت: «شكل خبر إصابتي بالمرض صدمة لزوجي ووالد أبنائي؛ لأنه هو من تسبب في ذلك وفي إصابتنا وإصابة مولودنا الذي قمت بإرضاعه، وأنا أجهل أن ذلك يتسبب في انتقال المرض إليه، وعشنا بعد ذلك بشكل عادي كأي زوجين متعايشين مع المرض، لكن إحساس زوجي بالذنب وتأنيب الضمير كان يلازمه بشكل مستمر، وكان دائماً يكرر اعتذاره لي وطلبه أن أسامحه حتى وصل لمرحلة تدهورت معه حالته النفسية والصحية نتيجة رفضه لتعاطي العلاج إلى أن توفاه الله».
تشير فاطمة إلى أن الدولة لم تقصر في ما يتعلق بالعناية بالمريض، ورغم ذلك إلا أن المرضى مازالوا بحاجة إلى حماية حقوقهم من خلال تفعيل دور الجمعية الخيرية لرعاية مرضى الإيدز في الرياض، وحقهم في العمل والدراسة من دون التعرض للفصل.
النظرة الدونية
وعن قصص المتعايشين حولها تقول: «رغم النظرة الدونية التي نواجهها كمرضى والتهميش، وأحياناً الرفض من قبل أقرب الناس، إلا أن هناك الكثير من الحالات التي تجاوزت مرحلة الصدمة وتتعايش مع المرض بشكل إيجابي، وفي المقابل منهم من وصل به الأمر إلى درجة الانتحار، فالمرض ليس كما يظن الكثيرون في المجتمع بأنه مرض جنسي فحسب، بل من الممكن أن ينتقل بطرق أخرى، ومنها: تعاطي المخدرات، وعمليات زراعة الأعضاء، ونقل الدم».
وعن رغبة الانتقام التي من الممكن أن تسيطر على بعض المرضى، والرغبة في نقل المرض للأصحاء تقول فاطمة: «هؤلاء المرضى بشر، ومنهم من يحمل الخير ومنهم من تسيطر عليه عاطفة الشر».
كما وجهت فاطمة كلمة شكر لطبيبها المعالج فهد الربيعة، والاختصاصية منيرة الدهام، وطبيب الأطفال سامي الحجار قائلة: «أرفع لهم راية الشكر والعرفان».
رواية «متعايش في الرياض»
قصة خالد ومعاناته وتكيفه مع المرض كانت جديرة بأن تكون ضمن كتاب صدر مؤخراً تحت عنوان (متعايش في الرياض)، وسيكون ضمن معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته القادمة، وفي تصريح لسيدتي يقول الكاتب وفنان الكاريكاتير عبدالله صايل: قيامنا بمثل هذا العمل هو واجب اجتماعي تجاه فئة هي جزء من النسيج البشري لمجتمعنا، وخاصة أن تجاهل المجتمع لهم قد يؤثر سلباً عليهم وعلى المجتمع، فقد يتحولون لأشخاص انتقاميين من المجتمع، وهذا تسلسل طبيعي لعملية النبذ التي يواجهونها من المجتمع بطريقة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، ومن هذا المنطلق كان لابد لمتعايش في الرياض أن تخرج لتوعية الناس بهذه الفئة وحقوقها، والتأكيد على وجوب التعايش معهم.
فيما أكد لسيدتي مبارك الدعيلج مدير الإعلام والنشر، ورئيس تحرير صحيفة شباب الأعمال، أن رواية متعايش في الرياض لا تمثل حكاية خالد أو «أبو راكان» كما أحب أن أناديه، هي تمثل عينة من مجتمع يعيش في عالمنا العربي، ويواجهون نفس الظروف ولكن باختلاف التركيبة الاجتماعية والبشرية والجغرافية، فالإيدز واقع في مجتمعنا السعودي والخليجي والعربي، ولكن كيف نحد منه ونسيطر عليه؟ بالتعايش مع أفراده والتعامل معهم بإنسانية؛ حتى يكون هؤلاء المتعايشون جدار الحماية الأول لمن لم يصب.
«أبو راكان» شخص رائع، وقبوله بتحويل قصته لعمل روائي يدل على محبته لهذا المجتمع وحرصه عليه.
الرأي النفسي
شدد استشاري الطب النفسي الدكتور أسامة النعمي، على أهمية تكثيف برامج التوعية والتثقيف المتعلقة بالإيدز، واعتباره كأي مرض مزمن، ويمكن السيطرة عليه في حال أخذ العلاج بانتظام، وأن هناك أمثلة لمرضى عاشوا حياتهم بشكل طبيعي من دون أن تظهر عليهم أعراض المرض، ويعيشون حياتهم بأمل وأهداف، إضافة إلى آخرين لم يتم اكتشاف إصابتهم بالمرض إلا بعد وفاتهم من خلال التشريح.
ويرى النعمي أن من الضروري الاهتمام بالبرامج العلاجية المقدمة للمرضى، بعد اطلاعهم على حقيقة إصابتهم بالمرض، وهذا الأمر يقع على عاتق وزارة الصحة والإعلام ورجال الدين والمجتمع على أن تتضمن تلك البرامج علاجاً عضوياً ونفسياً من خلال معالجين نفسيين، إضافة إلى إلحاقهم بعدد من الدورات التثقيفية، ومنحهم فرصة الالتقاء بمرضى آخرين متعايشين مع المرض.
لمتابعة المزيد من القصص الإنسانية هنا