منذ طفولتي ولا أعلم بالضبط من سأكون، وماذا سأكون، كانت هذه الفكرة من أكبر هواجسي، ومن إحدى أهم النقاط التي دفعتني وكبلتني في آن، فكنت أحاول أن أكون كل شيء، وأعطي كل شيء إمكانية أن أكونه؛ أن أكون طالبة نجيبة، أن أصبح أول سباحة عربية تفوز بميدالية ذهبية، أن أخترع علاجًا لمرض السرطان، أو أن أدرس السياسة وأفهم ماذا يصير في هذا العالم الذي يظلم الفقراء والمساكين، وأن أشعر بالإنسانية أكثر، وأحاول أن أطعم أطفال قرن أفريقيا، أو أن أقف في ذكرى انفجار قنبلة هيروشيما؛ أبكي مع سرب الحمام الأبيض الذي طيّروه فوق رؤوسنا؛ حلمًا بأمان عالمي يضم العالم بأسره. مع جميع تلك المحاولات والرغبة في الاندماج في الصورة الرسمية لي ولوجودي في هذا العالم، أقف اليوم وأنا أضع حروفي على الورق لأقول؛ لا أعرف بالضبط من سأكونه، لا في المستقبل القريب ولا البعيد! ولكن الطموح مازال حيًا في أن أكون أنا في هيئة أقرب لقلبي دائمًا.
يسألني الأطفال من حولي ماذا سأكون عندما أكبر؟ وعندما أنظر إليهم بنظرة ممتلئة بالدهشة والحب، أجيبهم بأنني لم أكبر كفاية حتى أعلم؟ أشعر بأنني لربما أحرجتهم ويصرون عليَّ باستحياء: «شو بتكونين يوم بتكبرين؟»، دائمًا تتغير إجاباتي؛ فأحيانًا أقول ملكة، وأخرى كاتبة، وأحيانًا بليونيرة، وأخرى ابنة بطوطة وسأجوب العالم كله، وأحيانًا قطة أو لبؤة! أشعر بسعادة كبيرة بعد أن ألمح على وجوههم الدهشة وعيونهم اللماعة والصرخات التي تشي بأنه غير ممكن والضحكات المختلطة بـقولي الحقيقة، ولكنني أحيانًا أشعر بأن عدم وجود إجابة واضحة لهؤلاء الأطفال تتعبهم وترهقهم فكريًّا، ولربما يفكرون كثيرًا بماذا قلت لهم، وبأنه غير ممكن؛ لأن آباءهم لديهم وظائف أو شركات أو أعمال معروفة، أو أحيانًا أشعر بأنني محط إعجاب لهم، فأجدني دائمًا محط أسئلة الأطفال خاصة في عائلتنا؛ لأنني دون عمد أحاورهم في أمورهم الصغيرة بحذر، ومع وجودي معهم في هذه الحوارات القصيرة تجعلني أفكر كثيرًا بتلك الحدود التي كبرنا فيها، بأن الشخص يجب عليه أن يعرف تمامًا ماذا يود أن يكون عندما يكبر؛ يكون مهندسًا أو طبيبًا، ولكني أتمنى من كل قلبي أن إجاباتي تجعلهم يحلمون أكثر في أن كل شيء ممكن والوقت يتسع، وأنه حتى لو ظننا أننا كبرنا كثيرًا مازال ممكنًا أن نكون كل شيء نود أن نكونه، حتى لو أرادوا أن يكونوا بائعين للزهور، أو مروضين للأسود في السيرك. فأنا للآن مع كل إنجازاتي البسيطة أتمنى أن أعمل في الكثير من مجالات جديدة، وأتطوع وأحاول أن أحصد المال؛ لكي أجرب تجارب أكثر في هذا العالم، وأخاطر أكثر، وأرمي الصندوق الذي وضعت نفسي فيه والممتلئ بكلام البشر، وأمد ذراعيَّ وأعيش.