أقول لذاتي: «لا يشيخ المرء إلا إذا فقد قدرته الإنسانيَّة على العطاء»، فدائمًا يأسرني احتياج من حولي، حتى أصبحت مسؤوليتي تجاه الآخرين تنسيني مسؤوليتي نحو نفسي.. ولكن ماذا أفعل عندما ينتابني الشعور بإحساس مرير، وبحاجتي إلى تفريغ شحنات الألم والضغوط المتراكمة التي تقبع بداخلي، وتراني أبعد عن تفكيري هذا الإحساس وأركز في عملي، فهو الكفيل بالخلاص من كل معاناتي، هذا ما يقوله عقلي، فأوراقي أمامي وعلى مكتبي وفي غرفة نومي، كل يوم وكل ليلة لا أكف عن العمل، وأسعى إلى مثاليَّة لا طاقة لي بها، متجاوزة بكل قدراتي إلى كمال لا وجود له في حياتنا ولن يوجد؛ لأنَّ الكمال لله، وأعود وأهدئ من روعي، وأخفف عن نفسي، فقد تجاوزت في السابق لحظات أعنف وأشد من هذه. نعم لديَّ قدرة أن أعيد لنفسي الحماس الذي فقدته وأحوِّل عجزي إلى قدرة، وتعثري إلى قوة، لكنني مع الأسف وصلت الآن إلى مرحلة أشهرت تضحياتي إفلاسها، وانهزمت كل أهدافي التي عشت من أجلها، بعدما جاهدت طوال حياتي، ولا أزال أجاهد، على أن أحتضن وأستمع للآخرين.. وتأتي عليَّ لحظات يصبح ذهني مشحونًا بعشرات الأفكار، وتفاؤلي يترصده التشاؤم، وأملي يفترسه الإحباط، وأظل أناقش نفسي باكية مستجدية متحدِّية وصارخة، لابد أن أبدأ من جديد، وأن أكون من جديد، فهذه المرة سأزرع بذرتي في قاع الأرض؛ حتى لا تدوسها الأقدام. كيف لي أن أهرب من أغلال الحزن وهو يقيدني بحبال غليظة؟ عدت لنفسي وحاورتها بأنَّ السعادة والتعاسة بأيدينا، نحن من نختارها، وهذه الدنيا إذا لم نضحك لها ستضحك علينا.. فإنني لا أريد أن ألقي مسؤوليتي على ظروفي ولا على واقعي، لكنني الآن في أمس الحاجة إلى من يفكر بدلاً عني، ومن يدبر لي ويسيرني ويقودني، إلى من يعطيني، ويمنحني، ويهبني.
أعرف أنَّ التجارب القاسية تبني الإنسان من جديد، حيث لا تنتكس به أهواء أو تهوي به أفكار، والمفترض أن أتقبل أمورًا تؤلمني؛ لأنَّ المقاومة معها لن تجدي، فالنجاح يحيل الآلام القديمة إلى مجرد ذكرى، كما أنَّ الاستسلام أحيانًا أقوى من محاولة المقاومة الفاشلة التي ستنتهي بالتسليم، وتترك آثارها السيئة بشكل أو بآخر في أنحاء حياتي. سأحاول بإرادتي الواعية أن أسعى إلى إدراك المواقف المؤلمة، رغم ما يشكل ذلك من صراع، فأحزاني دفينة تعلن هزيمتي مع السعادة، مع يقيني بأنَّ السعادة ليست أبديَّة، كذلك الحزن ليس أبديًا، لكنها القسوة التي تنطوي عليها أعماقي، ووجدت أنَّه كلما أدارت لي الدنيا ظهرها وتلبسني اليأس قسرًا وقهرًا وتدافعت فوق رأسي المحن، لا أجد غير ربي؛ أبثّ همي وحزني له، فرحمته وسعت كل شيء. سبحانه أدعوه جلَّ جلاله ليخفف عني، فهو أرحم من أنفـسنا على أنفسنا، فالله هو المحبة وهو الأمان وهو السلام، إنَّها متعة معنويَّة نفسيَّة وروحيَّة، إنها متعة اليقين والتيقن؛ أن أجد خالقي بقدرته قد فتح أمامي أبواب الأمل من جديد.