قرد بيكاسو!

 

«يذكر أن هناك مديراً عُين حديثاً على رأس منشأة ضخمة، وأنه أثناء تفقده لأحد فروعها خرج عامل من خلف ماكينته ليكيل المدح والثناء للمدير الجديد. فما كان من المدير إلا أن ربت على كتفه، وقال له: «أنا أعلم أنك تنافقني، ولكن لا بأس من هذا النوع من النفاق، فأنا أحبه». وتبسم المدير وتابع تفقده.

ورواية اللوحة الشهيرة التي قام أحد الأشخاص بعرضها على كثير من النقاد الفنيين، ذاكراً لهم أن اللوحة تعود إلى شخصية مرموقة في المجتمع، فما كان من النقاد إلا كيل المديح وأوصاف العمق والإبداع في استخدام الألوان، وأنها كثيرة العبر والإفصاح، لدرجة أن أحدهم شبهها بالجيوكندا.. والحقيقة الطريفة أن اللوحة تعود إلى قرد شامبانزي دربوه على الإمساك بالفرشاة.. ولتأكيد هذا السلوك في المجتمع، فقد قمت مرة بكتابة مقال وذيلته باسم أحد الكتاب المشهورين، وعرضته على بعض المهتمين بالصحافة والمقالات، فما كان منهم إلا المدح والإشادة.. ولم أخبرهم حتى اللحظة أنني أنا صاحب المقال. ومقال آخر لكاتب شهير ذيلته باسمي وعرضته عليهم أيضاً، ففندوه لدرجة أشعرتني أن كاتب المقال لم ينل حتى الشهادة الابتدائية.

نحن نعيش في عالم يحكم على الأشياء بمسمياتها.. فيكفي أن أقول لك إن الساعة التي بيدي لو ارتداها ثري ما، لتبارى الناس في تقدير ثمنها بالآلاف، والعكس صحيح، فلو ارتديت أنا ساعته الثمينة فإنه لن يثمنها أحد بدولارين.. النفاق هو كعمليات التجميل في مجتمعنا العربي، محاولات فاشلة لإخفاء عيوبنا النفسية من خلال إخفاء عيوبنا الخارجية، وهو التفاف على الواقع.

وقس على ذلك.. الإشادة بالمسؤولين في كل مواقعهم، نفاقاً مرة، وخوفاً مرات، حتى أنه يلتبس عليك الأمر، هل هم على حق في الإشادة أم على خطأ؟ ثم تتعود على هذا الشيء. ولا أنكر أنني من هذا المجتمع وأحتاج للمعالجة من إدمان النفاق، ونحتاج للتدريب على الصراحة والصدق حتى نتقنهما، كما اتقنا فنون النفاق والمجاملة، ولا ننسى الشعراء القدامى الذين أورثونا فنون المدح والثناء والذم والهجاء.. لابد لنا أن نعود إلى الفطرة. وإنني أحسد ابني كثيراً على جرأته وصراحته، مع أنه أوقعني في مواقف محرجة كثيرة، مرة عندما قال لصديقي إن وجهه بشع، وشكله مثل العفريت. وقال لآخر بأن أنفه كبير وقبيح. ولصديقة زوجتي بأنها قصيرة جداً، لكنني أخذت دور الناصح الواعي، وعنفته، وأعلمته بأن هذا عيب، ونبهته بأن عليه أن يكون مجاملاً، أو بصريح العبارة منافقاً، ولا يقول للأعور أعور في عينه، بل يقول له: ما أجملك!. وللقصيرة: ما أبدع قدك!. وسردت له قصة صغيرة تحكي أن أحد الأثرياء كان يسأل خادمه سؤالاً غريباً، وهو: مَنْ مِنْ الصفوة أشبهه؟ فرد الخادم بحزم وبغضب: ولا أحد. فزجره وطرده من العمل، وعاد ليسأل خادماً آخر نفس السؤال، فأجاب مستفيداً مما حدث لزميله، إنك تشبه أجملهم.. فتبسم الرجل وقال له: اطلب مني أي طلب فطلبك مجاب. واستحى الخادم بأن يطلب، وترك الأمر لسيده فأعطاه حتى أغناه.. انتهت القصة، ويا رب ابني يفهم المغزى فيعيش مرتاحاً وليس كأبيه.

 

للاشتراك في مسابقة المقال الساخر[email protected]