أَسْرُ اللاوعي

فيما أنتَ تُشاهد برنامجاً تلفزيونياً ترفيهياً، يُطلُّ الفنّان الشاب بأغنيته الجديدة، فيشرّع بندقيّته أولاً، ويُحاول شحنَها بالرصاص، موحياً بأنه يستعدّ للمعركة؛ فيما هو يُطلق أغنيةَ غزل. ويقابله وجهُ الحبيبة المفترضة، وتبدو مرحة راضية، وموافقة على ما يقوم به الحبيب من بطولة. والمفترض أن يكون ذلك المشهد موحياً بالغزل، وعلاقة المحبّة والتقرّب من الحبيبة.

وفي أغنية ثانية، يُطلُّ الفنّان ـ البطل، وكأنّه يستعد لحملة حربية، بزيّه، واعتلائه صهوةَ الجواد في طليعة حملة توحي بالحرب مثلما كانت أيام زمان.

وأنت تجلس أمام هذا الصندوق السحري ـ التلفزيون ـ كي تُرفِّه عن نفسك، وتنسى همومَ نهارك، وضغطَ العمل وأخبارَ الحروب.

لكن الأفلام التي تُقدَّم إليك، كما التسجيلات الغنائية، تنقل الوجه الكئيب والبائس من الوجود: الحرب، والعنف وما يدور في البلاد القريبة والبعيدة، من عدوان.

ولماذا يربطُ الفنان تلك المشاهد المأساوية، بالأغنية المفترض أن يكونَ هدفُها الترفيه، وذرّ المرح في النفوس، لكي ينسى المشاهدون، في نهاية يومهم، ما انسكب في وعيهم واللاوعي من مناظر البؤس والعداء. ولماذا؟

لماذا هذا الإنحراف، ويطالعنا في محطاتِ البثّ العربية.

هل هو جهلٌ لمعنى ما تُوحيه أغنية مدجّجة بالسلاح؟ أم تجاهلُ، لما توحيه من ذَرِّ العنف في النفوس؟

والأخطر هو اقتران مشاهد العنف بالمشهد الترفيهي المفترض أن تكون غايته نشر المرح والتفاؤل في نفوس السامعين والمشاهدين.

أحبُّ أن أفكّر، بأن وراء تلك المشاهد جهلاً لمعانيها وما توحيه، وليس فعلاً واعياً. وإلاّ، يكون الخَطرُ مضاعفاُ، بل ومن بعض التحريض الإجرامي، إذ يبلغ إيحاؤه اللاوعي، والذي، حسب علماء النفس، هو أرفع درجات الوعي.

ويكون، بالتالي، ثمرةً لنوايا غير بريئة، واعتداء على معنى الأغنية وهدفها.

خطرتْ لي هذه الأفكار، وأنا أشاهدُ بالصدفة، أحدَ البرامج التلفزيونية، بعدما قدّم لهما المذيع بكثير من الإعجاب.

وهنا تكمن الخطورة، حين لا يعي من يُعِدُّ البرامج أو يقدّمها، معنى المشهد.

كما أن الفنّان نفسه، يبدو وكأنّه لا يُدركُ تأثيرَ الأغنية حين تُقدّم بذلك الأسلوب.

أما علماء النفس، فيعتبرون أن محاولة التسلّل إلى اللاوعي هي من أخطر الوسائل للتأثير على العقل والسلوك