تحولت فاجعة ما بات يعرف في المغرب بـ«نزهة الموت» بأحد شواطئ مدينة الصخيرات إلى قضية «رأي عام»، حيث قضي نحب 11 طفلاً غرقاً، أثناء رحلة استجمام أطرها مدربهم الرياضي مصطفى العمراني، الذي تجرى محاكمته حالياً، وسط حملة تضامن واسعة مع «سيدتي – نت» تواكب الموضوع.
• اتصلنا بداية بزوجته حبيبة التي علمنا أنها هي رئيسة الجمعية، في البداية فاجأها الاتصال، وارتبكت، فالتقطت منها الهاتف شقيقتها، كما قدمت لنا نفسها، تقول: مصطفى العمراني بطل معروف ومحبوب في المدينة، ويحب الأطفال جداً، ما حصل قضاء وقدر، الكل متضامن معه، بمن فيهم عائلات الضحايا التي قدمت تنازلها عن متابعته، وتريده أن يعود من جديد لعائلته وحياته، ثم أخذ الهاتف منها من جديد شاب آخر قدم نفسه لنا بأنه مساعده وتلميذه، وبطل هو الآخر في رياضة التكواندو، يدعى صلاح الدين، وقال بحماسة: مستعد للإدلاء لكم بكل الصور والوثائق، نحن ننظم باستمرار نزهات وخروجات للتدرب والترويح عن الأطفال، ولم يحدث أن حدث شيء، يتمتع المدرب العمراني بسمعة طيبة، وحياته هم أولئك الأطفال الذين يبذل معهم جهداً كبيراً؛ لكي يتعلموا ويتربوا في فن التكواندو، لماذا يسجن؟ إنه أول المتضررين، لقد رزئ في أبطاله وفلذات كبده الذين سهر معهم الليالي.
لا جواب
• عادت زوجته في اليوم الموالي لتتصل بنا وتعتذر، تقول: كان يوماً قاسياً جداً، لقد خرج زوجي صباحاً باكراً لم يأخذ حتى فطوره وأعطيته بعض الأواني، قال لي إن الأطفال يفضلون إعداد طاجن في البحر، ودعته على أمل الالتحاق به مع مساعده صلاح الدين؛ لأشتري بعض الفواكه والحلوى، مضت ساعات وبعد عودتي من السوق بدأت أتصل بصلاح الدين، فلم يجب، اتصلت بزوجي فلم يرد، أعدت الاتصال وأعدت فلم يجبني أحد، آنذاك حدثني قلبي بمكروه ما وقع، وبدأت أرتعد، اتصلت بعائلتي وأخبرتهم، بعد قليل، اتصل زوجي وهو يبكي ويصرخ: ضاع كل شيء حبيبة، كل شيء، لن تريني بعد اليوم، الأطفال ماتوا ماتوا، هنا لم أشعر بنفسي، بدأت أصرخ من مات من؟ هل كل الأطفال؟ انقطع الخط ليحدثني من جديد أحد مرافقيه، ويخبرني بوفاة فدوى، إنها ابنتنا بالتبني، كان والدها الذي حرمت منه يرعاها ويتكلف بكل ما تحتاجه، وكنت بنفسي أعد لها ريجيم الأكل الخاص بها، وحققت بطولات عالمية رحمها الله، حتى الآن لا أستوعب ما حدث والطامة الكبرى هي سجنه هو الآخر، لقد تفهمنا في البداية ضرورة التحقيق معه، لكن لماذا يحرمونه من تشييع جنازة أبنائه، ولماذا السجن لرجل معروف بحبه لوطنه وأطفاله، التكواندو والأطفال هم حياته، تقريباً لا حياة لنا من دون أطفاله الرياضيين عالمه يدور وسطهم، وهو منهم وإليهم.
• تضيف: زوجي ضحى ويضحي كل يوم من أجل أن تستمر هذه الجمعية الرياضية، وترى النور، وقد سماها «النور» لتكون نقطة ضوء تنير حياة أطفال يعيشون حياة العوز، ويريد أن يصنع منهم أبطالاً، رغم محدودية الإمكانيات، زوجي ليس قاتلاً، بل كان مقاتلاً وبطلاً، وقلبه كله خير وحب لأطفاله هنا بمدينة بنسليمان.
من المسؤول؟
يقول المحامي منصف القادري، في هيئة الرباط، بأن مسؤولية هذه الفاجعة مسؤولية مشتركة يتقاسمها كل من صاحب الجمعية الرياضية مصطفى العمراني والدولة معاً، الأول لأنه نظم رحلة لأعضاء الجمعية إلى شاطئ غير محروس، وطبعاً يلزمه هنا إذن مسبق من أوليائهم، ثم هناك مسؤولية السلطات المعنية التي لم تضع علامة (ممنوع السباحة)، خصوصاً أن الحادث يتزامن مع حلول فصل الصيف، ولا وجود لإشارة خطورة هذا الشاطئ، المسؤول عن الرحلة يتابع في إطار القتل غير العمد، وفي إطار المسؤولية التقصيرية؛ لأنه المسؤول عن رعاية الأطفال وأعمارهم تتراوح ما بين 12و17 سنة، كما أن العدد كان يتجاوز 40 شخصاً، فحجم مسؤولية صاحب النادي واضح؛ لأنه كان يفترض أن يستعين بأطر أخرى تساعده في تتبع جميع حركات الأطفال في شاطئ غير محروس، فما وقع قضاء وقدر والجريمة لم تكن بقصد هذا القتل، ولو بالخطأ، لكن الخطأ جنائي يعاقب عليه القانون.
ليس قاتلاً
أما البطل المغربي السابق ومدرب منذ 26 سنة لجمعية (الوفاق) بمدينة الفقيه، بنصالح عمراني السعودي، عضو اللجنة التقنية الوطنية لرياضة التكواندو، ومدرب، يقول: إنه يعرف مصطفى العمراني معرفة جيدة، فقد كان يضحي مادياً ومعنوياً ويصرف من ماله الخاص على أبطاله، خاصة البطلة الراحلة فدوى الوردي الفائزة بالميدالية الفضية في البطولة الإفريقية للتكواندو، والغاية أساساً من الذهاب إلى الشاطئ هي إجراء حصة تدريبية، أقول بدوري: إنه ليس قاتلاً.
في السياق نفسه، يعتبر داوود موح، الكاتب العام للاتحاد الملكي المغربي لرياضة التكواندو، أن الفاجعة أصبحت قضية رأي عام، والواقع أن المسؤول عن الرحلة لم تكن له بالتأكيد نية مع سبق الإصرار لوقوع هذه الفاجعة، وأن القضاء هو من سيحدد المسؤوليات، موضحاً بأن لجنة من الاتحاد وقفت على حجم الفاجعة في المكان، والملاحظ أن أغلب الأسر تنازلت عن متابعة مصطفى العمراني في تهمة الإهمال المفضي للموت، ما ينبغي استحضاره هو أنه يجب أن يتحمل الجميع مسؤولياته كسلطات محلية، ووقاية مدنية.
تحمل المسؤولية
بيد أن سعيد بنحمود، مفتش محلف وإطار في وزارة الشبيبة والرياضة، فإنه يحمل المسؤولية بالدرجة الأولى للمسؤول عن الرحلة، الذي كان ينبغي أن يكون على علم مسبقاً بالمكان الذي سيقصده، ويعرف إن كان هذا الفضاء أو غيره سيشكل خطراً على الرياضيين، خصوصاً أنهم صغار وأعمارهم لا تتجاوز 17 سنة، والجمعية لها قانون داخلي، وبرنامج سنوي مفصل تحدد فيه جميع أنشطتها من منافسات البطولة وغيرها، الشيء الذي كان يفرض عليها إخبار السلطات المحلية بموعد الرحلة، والفضاء الذي ستقصده، صاحب الجمعية منخرط مع اتحاد رياضة التكواندو، وليس مع اتحاد السباحة، وأي نشاط خارج إطار برنامج جامعة التكواندو، فإن صاحب الجمعية يتحمل مسؤوليته وعواقبه.
يقول عبد الكبير بنغنو، المشرف العام على جمعية الوئام الرياضي بالحي الملكي بسلا، بأن فاجعة (واد الشراط) قضاء وقدر، ومصاب جلل لا مفر منه، رحم الله جميع الضحايا، ودعاؤنا بالفرج للعمراني، يجب أن تكون هذه الفاجعة وقفة للتأمل بالنسبة لجميع الأندية الرياضية، والجمعيات المنخرطة في الاتحادات الرياضية المغربية، وقفة للمساءلة والنقد الذاتي وإعادة النظر في طريقة اشتغالها.
رياضة غير منظمة
وأبدى العربي، مدرب كاراتيه، تعاطفه مع مصطفى العمراني، وقال هذه الرياضة غير منظمة ولا حوافز فيها، وللأسف مثل هذه الرحلات التي تبقى ضرورية للرياضيين الصغار، لا تحظى بالاحتضان والدعم من طرف السلطات، هناك واقع مر، فالمدرب في حقيقة الأمر مقاتل حقيقي، وليس قاتلاً، قد يكون قصر في أخذ كل الاحتياطات اللازمة، لكن البحر وأمواج الواقع الرياضي الذي نعيشه أقوى من إصراره وقدرته.
كواليس
رفضت الغرفة الجنحية التلبسية للمحكمة الابتدائية بمدينة تمارة، منح مصطفى العمراني، رئيس جمعية النور للتكواندو، السراح المؤقت، وأجلت الجلسة ليو18 يونيو الجاري.
طبقاً للفصل 432 من القانون الجنائي، فيعاقب جريمة القتل عن طريق الخطأ بـ3 أشهر وإلى 5 سنوات. وغرامة مالية تتراوح من 250 إلى 1000 درهم مغربي.