عروس الحياء «صفورا» زوج كليم الله موسى عليه السلام

فى حياة سيدنا موسى عليه السلام أكثر من إمرأة مؤمنة لعبت دوراً جوهرياً فى حياته... فأما المرأة الأولى فى حياة سيدنا موسى فكانت السيدة المؤمنة الصابرة «يوكابد» أمه التى حافظت على حياته، وكانت تضعه فى صندوق خشبى ترضعه وتُخفيه حتى لايراه جنود فرعون الطاغية الذى أمر بذبح كل وليد ذكر يولد من بنى إسرائيل، وذلك لخوفه من رؤية رآها فَسرها علماء ذلك الزمان  بأن مولودا نبىا يوُلد من بنى إسرائيل يدعو إلى عبادة الله الواحد وينهى عبادة الملوك والحكام الذى كان فرعون واحداً منهم يدعى أنه إله.

وأما المرأة الثانية فهى كلثم أخت موسى عليه السلام‘ تلك الفتاة الذكية المخلصة التى اقتفت أثر أخيها الرضيع حين التقطه آل فرعون حيث أرجعته الى أمه ثانية بفضل ذكائها وحُسن تبصرها حينما ذكرت لهم أنها تعلم مكان مرضعة أمينة ودلتهم على أمها وأم موسى وعاد موسى ثانية إلى حضن أمه والقوم لايعلمون.

 والمرأة الثالثة التى ظهرت فى حياة سيدنا موسى كانت السيدة آسيا أو إمرأة فرعون التى التقطته رضيعاً و تبنته وجعلته قرة عين لها، وكانت له خير الأم البديلة؛ التى أحبته ورعته وكانت له الحماية من بطش فرعون وعندما كبر وظهر نور الإيمان على يديه كانت أول من آمن بدعوته وسجدت لله الواحد الأحد رب موسى وهارون.



 

 

جزاها الله خير الجزاء بحسن صبرها وإختيارها طريق الحق فأصبحت سيدة من سيدات أهل الجنة.

أما المرأة الرابعة فى حياة سيدنا موسى فهى زوجته الخلوق الحيية التى أعجبت بشهامته وشجاعته ولم يصرفها عن الإعجاب به بساطة حاله ولا هيئته المتواضعة التى قابلها عليها  فقد كانت فتاة مؤمنة واعية تعلم أن المظاهر ليس من ورائها طائل، وأن جوهر الإنسان هو الأهم من مظهره وقد أكد العلماء أن اسم هذه الفتاة التى تزوجت موسى فيما بعد «صفورا».

 وقصة زواج موسى عليه السلام من زوجته هي قصة الفراسة والحياء، فلقد جاء النص القرآنى ووصف لنا طريقة السير التى كانت تمشى بها هذه الفتاة طريقة يملأها الحياء ودالة على حُسن الخُلق التى كانت تتمتع به هذه الفتاه المهذبة التى جزاها الله بحسن خلقها خير الجزاء بأن زوجها من نبيه وكليمه موسى عليه السلام.

 

هروب موسى إلى مدين

وعندما اطمأن موسى بأنه خرج من حدود مصر حتى وصل الى بلدة أخرى تسمى «مدين» تقع بالقرب من فلسطين  جلس يستظل تحت ظل شجرة بعد أيام من الفرارالمتواصل بلا ماء ولا طعام.

وبتدبير محض من الله عز وجل ، وباختياره سبحانه وتعالى إلتقى موسى فى طريق هروبه من مصر بفتاتين خجولتين تمسكان بأغنام لهما وتنتظران دورهما فى طابور طويل لسقاية هذه الأغنام، وتحاولان أن تمنعاها أن تفلت منهما بصعوبة شديدة  وهما في ذلك تبذلان جهدا كبيرا لا قبل لهما به فهذه مهمة الرجال لا النساء وعندما وقع نظر موسى عليهما أثار ذلك دهشته ولم يستطع رغم شدة تعبه وإعيائه أن يترك الفتاتين هكذ فغلبت شهامة موسى على تعبه وتوجه فى أدب بالغ إلى الفتاتين  فسألهما عن سبب وقوفهما هكذا كما يحكى النص القرآني:

«وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ»

وكانت على البئر الذى يتجمع الناس حوله للسقاية صخرة كبيرة لايقوى على زحزحتها إلا عشرة من الرجال فرفعها موسى وحده؛ فسقى للفتاتين وسقى الأغنام وأمسك بزمامها ومشى بها حتى أوصلها إلى بيت الفتاتين ثم جلس تحت ظل شجرة وناجى ربه قائلا: «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير».

فسمعته إحدى الفتاتين التى رثت لحال ذلك الفتى الشهم، وأرادت أن تساعده كما ساعدهما؛ فذهبت لتحكي لأبيها ماحدث فكانت سمة الفتاة الصراحة مع أبيها وسمة الأب مع ابنته الثقة ويُقال إن هذا الأب كان رجلاً صالحاً.

وقالت الفتاة لأبيها:  «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين»

فقال الأب الصالح لإبنته :

أما القوى فقد عرفناها، فمن أين لك بمعرفة صفة «الأمين» عند هذا الفتى يا ابنتى؟

فأجابت الفتاة الأمينة الصريحة الأب الحنون :«عندما أمسك الفتى بزمام الأغنام ياأبتى؛ كان يمشى وراءنا وكنا نسبقه، فلما أتت رياح خشى أن يتتبعنا ببصره فطلب منا أن يتقدمنا وأن نرمى إليه بالأحجار حتى ندله على الطريق، فأعجب الأب بأمانة ذلك الفتى وأدبه، وأمر ابنته أن تناديه.

 وتخرج الفتاة إلى موسى تسير فى مشية مدحها الله عز وجل فيقول تعالى فى كتابه الكريم:

«فجاءته إحداهما تمشي على إستحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا»

 

الأب البصير

وأُعجب موسى بحياء الفتاة وبحسن تربية أبيها لها ولكنه كتم إعجابه فى صدره حتى روى قصته للأب الصالح الذى تأكد من خُلق موسى وعلم أنه من خيرة الرجال فعرض عليه الزواج من إحدى ابنتيه ولم يتردد فقد كان أباً بصيراً عالماً بمعادن الرجال وكان أباً ذكياً لم يجعل الفرصة تفوته ويضيع من أمامه رجل  بخلق وأمانة وقوة الفتى موسى.

أما موسى فقد اختار الفتاة التى جاءته تمشى بحياء وأدب فكافأها الله على حُسن خُلقها وحيائها وزوجها الفتى موسى الذى سيصبح كليم الله.

وفرحت أختها لها فرحاً كبيراً، وكان الأب الحكيم يعلم أن موسى الفتى ليس لديه من المال مايستطيع ان يتزوج به فجعل مهر ابنته أن يعمل موسى فى مزرعتة  ثمانى أو عشر سنوات وخيَره فاختار موسى أن يتم العشر سنوات.

 

زواج موسى من عروس الحياء:

وتزوج موسى الفتى الذى سيصبح نبياً فيما بعد؛ وكانت عروس الحياء التي زُفت إلى كليم الله وكما يقول ربنا سبحانه وتعالى «الطيبون للطيبات».

وأكملت زوجة موسى صفورا رحلتها مع» نبى الله» موسى عليه السلام الذى أوحى الله إليه ومنَ عليه بأن أسمعه صوته وناجاه فكانت نعم الفتاة المؤمنةالحيية التى رزقها الله تعالى بالزوج الصالح والتى جاء ذكرها فى القرآن مرة اخرى ولكن بصيغة الزوجة فيقول تعالى: «فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إنى آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون»

وهنا قال موسى لزوجته أقيمي في هذا المكان، فإني بصرت نارا ، لعلي آتيكم بشعلة من النار تستدفئون بها، أو أجد هاديا يدلني على الطريق !!

وقد قال إبن عباس رضى الله عنه في شرح هذه الآيات:  كان موسى قد أخطأ الطريق وكان مرتحلا هو وزوجته في رحلة طويلة من مدين متجها إلى مصر بعد زواج دام عشر سنوات قضاها موسى في مساعدة والد زوجته ذلك الرجل الصالح الذي جعل مهر إبنته مساعدته ثماني أو عشر سنوات فاختار موسى أكملها.

 ولما حان وقت عودته إلى مسقط رأسه «مصر» كانت ليلة باردة في الشتاء فجعل موسى يقدم الزناد ليقدح النار فلا يخرج منها شرر ، فبينما هو كذلك أبصر أضواء من بعيد على يسار الطريق، ظنها نارا فبشر زوجته بذلك فلما أتى النار وجدها بيضاء تتوقد في شجرة خضراء، كأضوأ مايكون من النور، نورا يغلب الأنوار ، فوقف متعجبا من شدة ضوئها، ومن شدة خضرة الشجرة، فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوءها فبينما هو في تأمله وتعجبه، سمع نداء إرتعش له قلبه سمع نداء الله جل جلاله، وهنا بدأ موسى يُكلف برسالة ربه وبإيصالها إلى فرعون وقومه، وبدأت زوجته معه رحلة جديدة تسانده وتشد من أزره وتتحمل معه أعباء الرسالة وذلك بعد أن سمع نداء ربه.

وليس موسى وحده الذى سمح الله له بمناجاته فيقول تعالى فى الحديث القدسى :

(أنا جليس من ذكرني، وأنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإذا ذكرني في ملأٍ ذكرته في الملأ الأعلى في ملأ خير من ملئه)

وأوحى الله تعالى إلى سيدنا داود عليه السلام:  (أخبر أهل الأرض بأني حبيب لمن أحبني، جليس من جالسني، مؤنس لمن أنس بي) فاللهم اجعلنا منشغلين بذكرك وشكرك وحسن عبادتك.