مثل حكاية في طورِ التكوين. هكذا بدتْ لي "سوزان بويل" عبْرَ الموقعِ الذي نقلَ وقائعَ حفلتِها الى الملايين.
***
إمرأةٌ عادية، في مظهرِها وشكلِها؛ واسمُها "سوزان". تقدّمتْ فوق المسرح في تلك الأمسية من 11 نيسان الماضي؛ مشارِكةً في مسابقةِ النجوم.
جاءتْ من قريتها في سكوتلندا لتشارك الشباب في مباراة المواهب.
***
بسخريةٍ ظاهرة، تناولها مديرُ الحلقة "بيرس مورغان"، وسألَها: كم هو عمرُك؟ فأجابتْ من دون أن يرفَّ لها جفن: 47 سنة.
وسُمِعَتْ شهقةُ الحضور الذين اكتظّتْ بهم القاعة؛ إذ ان تلك المسابقة مخصّصةٌ للشباب؛ فماذا تفعل هنا امرأةٌ في العقدِ الخامس من عمرها؟
***
لكن "سوزان" لم تكن خجلة أو معقّدة، إذ لم تلبثْ ان أضافت، وبابتسامةٍ ساخرة: وهذا جانبٌ واحد مني فقط!...
***
وبالطبع، أضافَ جوابُها سبباً جديداً لارتفاع حدّةِ سخريةٍ، ما لبثتْ ان انهارتْ أمام ارتفاع الصوتِ الهابطِ من أجواء علوية، وخارج المساحة الأرضية: "رأيتُ حلماً وكان هذا عنوانَ أغنيتِها من مسرحية "البؤساء".
وحلّقت القاعة، بمن فيها من حضور، على جناحَيْ حلم "سوزان"؛ وصوتُها "السوبرانو" يعلو، ساحراً، ومخترقاً كل التوقّعات.
***
كانت ردودُ فعلِ الجمهور مُضاهيةً للصوتِ الساحرِ والجميل، بل والذي فاقَ كلَّ الصفات. كذلك وقفَ أعضاءُ لجنةِ التحكيم، حيالَها، مبهورين.
أما الجمهورُ العريض خارجَ القاعة، وكان يتابع الحدث على مساحةِ الكرة الأرضية، فقد كان يشاهدُ أسطورةً في طورِ التكوين.
***
وهي امرأةٌ عادية، مغمورةٌ وعاطلة عن العمل. وكانت تُغنّي في حفلاتٍ متواضعة في قريتها، أو في جوقة الكنيسة. ويُتابعُ الإعلامُ سيرةَ حياتِها: عملتْ طبّاخةً لمدّةِ ستةِ أشهر. وهي عازبةٌ، لم تتزوّج؛ إنما اعتنتْ بوالديها حتى وفاتِهما؛ وبقيت وحيدة مع رفيقها القط الأليف.
***
ثم تتابع وسائل الإعلام وصفَ المرأةِ التي خالفَ شكلُها ما تعوّدته شاشات النجوم:
"وتبدو امرأةً ساذجة، ذات حاجبين كثيفين، وشعرٍ كستنائي أشعت، ومتروك على طبيعته وقد غزاهُ الشيب".
***
لكنها صاحبةُ الصوتِ الملائكي، الذي انتشر في العالم بفضل موقع "يوتيوب". وقد شاهدَها وسمعَها ما يزيد على المائة مليون، حتى ان "سوزان" أصبحت، بين عشيّة وضُحَاها، الحدَثَ في وسائلِ الإعلام، وتتسابقُ لاستضافتها، محطات التلفزيون، بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية، ثم في الصين واليابان وأوستراليا.
***
وكان ذلك كلُّه الجزءَ الأولَ من الحدثِ الذي يُذكّرُ بحكاية "سندريللا".
أمّا الجزءُ التالي فلم يكن مرحاً، إذ أُصيبتْ "سوزان" بصدمةٍ عنيفة، نُقلتْ على اثرِها الى مركزٍ طبّي خاص في "لندن"، وذلك بعدما خابتْ توقّعاتُها، وحلَّتْ في المرتبةِ الثانية من المباراةِ النهائية، وتقدّمت عليها فرقة "دايفرسيتي" التي تضمُّ راقصين من إثنياتٍ مختلفة.
***
لكن، وعلى الرغمِ من عدمِ فوزِها بالمرتبة الأولى، فقد حقَّقَت "سوزان" نجاحاً كبيراً، وبسرعةٍ فائقة، إذ راحتْ تنهالُ عليها العروضُ من شتّى أنحاءِ العالم، لتسجيل أغنياتها.
***
يبقى ان المفارقةَ الكبرى في ما حدثَ هو خروجُ المرأة من الظلِّ والنسيانِ الى عالمِ الشهرة والأضواء، وبسرعةٍ خيالية. ولذلك كلُّه ثمنُه وحسابُه.