كل ماسبق مصطلحات وألفاظ علمية تدخل بشكل كبير في علم الاقتصاد وتُعنى به وتعطينا فكرة كاملة عن الوضع الاقتصادي, وهل وصلنا للأسوأ في الدورة الاقتصادية (أي القاع) وأننا الآن نمر خلال نقاط التحول؟ وهل ارتفعت مؤشرات الشعور في الأسواق لتدفع بها من جديد نحو وقف الكساد وبداية الانتعاش الاقتصادي العالمي وبالتالي المحلي مرة أخرى؟
يقول الخبير الاقتصادي (سعيد الخريجي):» مما لاشك فيه أننا في المملكة والخليج وبطبيعة الحال في المنطقة العربية جزء لا يتجزأ من منظومة الاقتصاد العالمي، ومهما كانت حظوظنا جيدة في أنّ آثار الأزمة المالية تأخرت في الوصول إلينا، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنّ المنطقة العربية ككل والخليجية بشكل خاص قد تأثرت بالأزمة, ولقد كان هذا التأثير نسبياً تبعاً لمدى ارتباط الاقتصاد المحلي بالعالمي، فنحن نستورد الكثير من الخارج وإن لم نكن نستورد فنحن نصدر ونستورد الموارد الأولية، ونتعامل مع الشركات الأجنبية والعالمية، ونستقبل السياح وغير ذلك في مناطقنا العربية، وبالتالي فنحن مرتبطون بشكل أو بآخر بما يحدث بالعالم ولا يمكن أن نسلخ أنفسنا ونقول إننا بعيدون عن الأزمة المالية بأي شكل من الأشكال».
مؤشرات التفاؤل:
أما فيما يخص مؤشرات التفاؤل فيؤكد (الخريجي) أنها ليست مجرد مصطلحات يتم إلقاؤها من وقت لآخر، بل هي أرقام حقيقية يتم حسابها من وقت لآخر لمعرفة اتجاه السوق وهل لا يزال باتجاه الهبوط أم الاستقرار؟ أم أنه بدأ يتعافى بالفعل ويتجه للصعود ولو كان هذا الصعود بطيئاً؟ وقد ظهرت على مدى الفترة الماضية مؤشرات من عدد من الاقتصادات الكبرى تنبئ بوصولها إلى القاع فعلاً وبدء مرحلة الصعود من جديد, فأرقام اقتصاد فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والصين تشير إلى تحسن طفيف في قيمة تلك المؤشرات، أي أنها توقفت عن النزيف وبدأت تسير بالاتجاه المعاكس، ومن الجدير أن نشير إلى ماقاله السيد (جان كلود تريشيه) محافظ البنك المركزي الأوروبي منذ فترة بأنه يعتقد أنّ الاقتصاد الأوروبي قد تجاوز نقطة الانحدار، وبطبيعة الحال فإنّ عمل المحافظ يتطلب أن يعلن التفاؤل، ولكنه كان حريصاً على التأكيد بأنّ هذا التعافي قد يكون مؤقتاً قد تعقبه انتكاسة خاصة إذا لم يواكبه تحسن في اقتصادات الدول الأخرى، أو كان هناك تباطؤ في سياسات التحفيز الاقتصادي.
والمؤشر الأكثر أهمية هو مؤشر الاقتصاد الأمريكي، وهنا نجد مؤشرات متناقضة، فأرقام العاطلين عن العمل مازالت في ارتفاع، ومازالت أرقام المخزون من السلع مرتفعة، ومصادرات المنازل ذات الرهون المتعثرة مستمرة، والحصول على قروض أمر صعب، وفي نفس الوقت هناك مؤشرات إيجابية مثل أرقام المنازل الجديدة التي بدأ أصحابها في بنائها، حيث زاد عدد فسوح البناء بنسبة 2.7% في شهر أبريل، وارتفع مؤشر الشعور بالثقة sentiment index لأول مرة في شهر مايو منذ ثمانية أشهر. وبالتالي فمؤشرات التفاؤل قد بدأت بالظهور من جديد، بالرغم من أنّ الاقتصادات العالمية ككل لم تتعافَ بالشكل المطلوب ولم تعد لنصف ما كانت عليه في السابق ولكن ما يعتقده الجميع أنّ التعافي قد بدأ، وأنّ الأسلحة التي واجهت بها جميع دول العالم الأزمة كانت ناجحة إلى حد كبير، والمهم جداً بل والأكيد أنّ التراجع قد توقف وهو ما يبعث على التفاؤل ويؤكد أنه وبما أنّ التراجع قد توقف أو أنّ حدته خفت فإنّ التقدم لابد أن يأتي سواء بشكل مباشر وحتى بالتدريج علماً بأنّ التوقعات تؤكد أنّ العودة ستكون بطيئة جداً وأنّ تمام الشفاء العالمي لن يكون قبل خمسة أعوام على الأقل.
متى تنعكس علينا مؤشرات التفاؤل؟
في الوضع العادي فإنّ مؤشرات التفاؤل تحتاج إلى مجهود ضخم من قِبل الحكومات لتبدأ بالظهور، وهذا ما حدث من قِبل كل حكومات العالم في الدول الاقتصادية، وكما نعلم فقد كان تأثير الأزمة علينا بالمنطقة ذا آثار محدودة وليست بالكبيرة كما هي بالخارج في مختلف دول العالم، مما يساهم ويساعد في سرعة التعافي والاستجابة للعلاج، والمهم جداً ّوما أودّ أن ألفت الانتباه له هو أنّ دول الخليج تمتلك السلعة التي يصعب تأكيد نمو الاقتصاد بدونها، فهي تملك وقود الصناعة ووقود آلية دوران العجلة الاقتصادية في كل دولة وفي أي مكان بالعالم وهي البترول، فمعنى أن يتعافى أي اقتصاد بالعالم يعني أنّ الدولة صاحبة الاقتصاد المتعافي سترفع من استيرادها لهذا الوقود وبالتالي فإنّ أسعار النفط ستعاود الارتفاع مرة أخرى مما يعني أنّ مؤشرات التفاؤل قد انعكست على دول المنطقة بشكل سريع ومباشر, وأننا قد وصلنا نحن أيضاً إلى قاع الدورة الاقتصادية وبدأنا بالصعود من جديد بإذن الله تعالى.
وماذا قبل أن نعود للصعود؟
إنّ مرحلة توقف النزيف والتراجع بمؤشرات الهبوط وبداية الصعود هي مؤشرات غاية بالأهمية، وتعتبر مؤثراً اقتصادياً ونفسياً مهماً جداً له أكبر الآثار على مدى إقبال الدول والأفراد على فتح اقتصاداتها من جديد، ولكن وبعد هذه المرحلة التي مر بها الاقتصاد العالمي وبعد هذا الزلزال الذي كشف عن ضعف في أساسات البناء، ألا يجدر بنا مراجعة مدى تحمل هذه الأساسات، ولماذا حدث هذا الانهيار بهذا الشكل السريع؟ هل هذه الأساسات غير قوية ولا تتحمل هذا البناء؟ أم أنها غير صالحة وبحاجة لتغيير من الأساس؟ أم أنها بحاجة لأنواع من التدعيم والتثبيت؟ هذا ما يتوجب علينا معرفته ودراسته قبل العودة من جديد، فما حدث كان قاسياً ولكن إن تكرر فإنه بدون شك سيكون أقسى بكثير ففي المرة القادمة الأزمة المالية ستضرب اقتصادات غير متعافية وغير قوية كما فعلت هذه المرة.