عندما يكون "السرير" هو اللوكيشين المُفضَّل لعدد كبير من مَشاهد مسلسل بذاته، وعندما تدور جلّ قصصه حول العلاقات غير الشرعيّة المُستهجَن منها والاستثنائي، فاعلم أنّك تُشاهد المسلسل السّوري "صرخة روح"؛ وليعلم أي صحفي يريد أن يكتب مادّة عن هذا العمل أنّ آراء النّقاد والصّحافيين ستكون ذات اتجاه واحد، فلا رضا نقدياً أبداً عن مضمون هذا المسلسل.
في إحدى حلقات الجزء الثالث من مسلسل "صرخة روح"، التي حملت عنوان "يا عاشقة الورد"، تشكّ الزّوجة بأنّ زوجها يخونها، فتصارحه بشكوكها. لكن الموضوع لم يتوقّف لديها على العتاب والمصارحة بل وصل حدّ التهديد باستعدادها الكامل لخيانة زوجها، ولسان حالها يقول: "دقة بدقّة.. إن زدت زادت الدقة"، في إشارة إلى ردّ الصّاع صاعين.
وعدا عن الإسفاف في اختيار القصص والموضوعات التي تُبنى عليها حلقات العمل، تبدو الحبكة الدراميّة مكرورة ومُتوقّعة من قِبل المُشاهد. ففي هذه الحلقة التي تُبرّر الخيانة بسبب إهمال الزوجة زوجَها، "يلتقي الزّوج بالمرأة التي ستصبح حبيبته لاحقاً عن طريق صدفة مأساويّة حيث تصطدم سيارته بسيارتها، لينزل هو ويطمئن إلى حال الفتاة الجميلة ويسعفها إلى المشفى، وتبدأ النّظرات ويبدأ الحبّ". ولكن قصّة أن يلتقي شخصين ويحبّان بعضهما عبر حادث سير أصبحت مُستهلكة ومطروحة بكثرة.
أمّا إن أردات الفتاة السورية الاحتفال بعيد ميلادها، فستجد "الديسكو" بانتظارها، لمَ لا وهو المكان الأمثل للثياب الفاضحة والرقص المُبتذل والاستعراض الذي يعتمد عليه صُنّاع العمل لترويج بضاعتهم. نعم، هذه المنتجات الدرامية هي أقرب لـ"البضاعة". فنحن اليوم في سوق فُرجَة، والمُنتَج الفني سلعة، وهذا النوع من الأعمال بات خياراً مضموناً للمُنتج، إذ هو غير مضطر إلى المراهنة والقلق إن كان عمله سيُباع أم لا، فهكذا عمل وبلا شك سيُباع بسرعة البرق لأنّ "الفضائيات العربية عاوزة كدة"!.
في هذا المسلسل، تصل الخيانة إلى أعلى مستوياتها. فالرجل يخون مرّة ومرتين وثلاثة، فالخُماسيّة الأولى من المسلسل، حملت عنوان "خلخال"، تطرح قصّة رجل متزوج يخون زوجته مع امرأة متزوجة أيضاً، ومع امرأة ثانية هي صديقة زوجته أيضاً. ومن ضمن الحوارات المطروحة في قصّة الخيانة المُشوّقة هذه الآتي، حين تقول له حبيبته المتزوّجة "هلأ بلّش يرجع حبيبي أمير الأزعر"، فيجيبها "إنت مو هيك بتحبيني أزعر؟" فتؤكّد كلامه وترد بغنج "إي هيك بحب".
دراما صفراء
الناقد الدرامي السوري ماهر منصور يقول في تصريح خاص لـ "سيدتي نت": "تلعب دراما "صرخة روح" على حدود المُحرَّم والمحظور والعيب وغير اللائق دون احترام لخصوصية المحتوى التلفزيوني المَعني بالعائلة تحت يافطة عريضة اسمها "الجرأة في الطرح". ولكن ما معنى الجرأة في الدراما؟! الجرأة تعني طرق موضوعات لم يسبق لأحد أن تصدّى لمعالجتها، ولم يحدث أن سمحت الرقابات الرسمية بها، وهي من الموضوعات المسكوت عنها، ولكنها لا تعني بأي حال من الأحوال جرأة الصورة، والجرأة اللفظية كما طالعتنا بها حكاية "صرخة روح"، التي لا ترقى بمضمونها إلى أن تكون في مسلسل تلفزيوني يدخل البيوت كمادّة للفرجة العائلية، وتكاد أحياناً لا تصلُح إلا لصالات سينمائية يحظر دخول من هم دون سن الثامنة عشر إليها".
ويتساءل منصور: "ألا يبدو غريباً أن تنشغل ثلاثة مواسم من العمل بثيمة الخيانة المحرّمة. وقد بدأت الشركة بإنتاجه في وقت كشفت الأحداث الدائرة في سوريا، منذ 15 مارس 2011، عن عشرات الحالات التي تنخر كالسوس في المجتمع السوري وتحتاج لفن مستنير لطرحها ومعالجتها؟ ولكن هناك من يأخذ الدراما إلى مستوى البزنس بعيداً عن الفن. إنها دراما صفراء تسعى إلى ما تسعى إليه الصحافة الصفراء". ويتفاءل منصور ويقول "نحن محكومون بأمل ما يقدّمه كُتّاب ومخرجون ومنتجون من دراما راقية ومسلية وهادفة بآن معاً".
مسلسل "تعرّي الأجساد"
الصّحافية السورية العاملة في المجال الفنّي آمنة ملحم تقول في تصريح لـ "سيدتي نت": " في الحقيقة إن "صُنّاع مسلسل تعري الأجساد "صرخة روح" شرعوا الأبواب لأنفسهم للتطرق لكل ماهو مستهجن وغريب على المجتمع السوري ومرفوض عُرفياً وأخلاقياً، وقدّموه على أنه الواقع المعاش دون أي احترام لهذا المجتمع المُحافظ، ولكن التّعري يشكّل عامل إغراء للمحطات لشراء هكذا أعمال، ولكن يبقى الأمر على حساب سمعة الصناعة الفنية السورية التي باتت تتدهور على أيدي هؤلاء عاماً تلو عام".
وتضيف ملحم "لعلّ أكثر ما يثير تساؤلاتنا هو جدوى دخول فنانين لهم مكانتهم الاجتماعية ومعجبيهم على مستوى العالم العربي في مشاهد السرير والإيحاءات الجنسية التي قد تؤدّيها ممثلة كومبارس، فأين رسالة الدراما السورية التي بنت أمجادها على الفن الحقيقي الملتزم الهادف؟، وأين الفنانون السوريون من دق ناقوس الخطر اتجاه هذه الأعمال التي باتت أجسادهم عبرها سلعة بيد تجار الدراما يحصلون منها على أسعار عالية؟".
ويتّفق الناقد الدرامي ماهر منصور مع الصّحافية ملحم بما يتعلّق بمشاركة نجوم سوريا الكبار مثل عباس النوري وبسام كوسا في هذا العمل ويقول: "كيف لصُنّاع الدراما، بوصفهم فنانين لا تجّار، أن يستسلموا لقناعة "الجمهور عاوز كده"، دون أن يحموا الدراما العربية والسورية على وجه التحديد من الانحدار من موقعها كفن هادف إلى موقع تصير فيه مجرد مادة للاستهلاك والإغراء"؟ وهل التسليم بسطوة السوق يعني أن يقف الفنان المثقف جانباً في موقف المُتفرّج أو الشريك، ليصير هو الآخر مادة للاستهلاك الكلامي ينتهي مفعوله مع انتهاء مشاهدته؟ ألا يُدرك هؤلاء أنهم يشاركون في لعبة تجارية، يقع في ذيل اهتماماتها نقل الواقع لمعالجته وتوعية المشاهد تجاهه".
"الدراما الجُثّة"
الدراما السّوريّة التي قدّمت في السّابق أعمال اجتماعيّة معاصرة من نمط "قوس قزح"، و"الفصول الأربعة"، و"نساء صغيرات"، وأعمال سورية أخرى لم تعتمد على مشهد ساخن واحد، ولم تُقحم في نصوصها أيّ حوار خارج عن المألوف، وقدّمت مُحتواها للمشاهد العربي بحلّة بسيطة وواقعية وجذّابة وهادفة، ولازالت تُعرض لحد اليوم على أهم المحطّات وتلقى اهتماماً ومتابعة واسعة. فماذا يستفيد المشاهد العربي من قصص الخيانة المحرّمة؟ هل ندلّه على طرق جديدة كان يجهلها؟! أم نجد حِيلاً له لتبرير الخيانة؟
كَثُر نقد "صرخة روح" وكثرت الصّرخات التي تعلن رداءة محتواه. ولكن ـ على ما يبدو ـ كما يقول المُفكّر البريطاني توماس بين، فإنّ "محاولة التّحاور مع شخص تخلّى عن أي منطق، أشبه بإعطاء الدواء لجثّة".
تابعوا أيضاً:
أخبار المشاهير على مواقع التواصل الإجتماعي عبر صفحة مشاهير أونلاين
ولمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"