أجمع علماء الأزهر على أن القرار الذي اتخذه وزراء الصحة العرب مؤخرا بمنع المسنين والأطفال والنساء الحوامل والمصابين بأمراض مزمنة من أداء فريضة الحج هذا العام بسبب انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير المعروف بـ»H1N1” قرار صائب، هدفه الحفاظ على صحة الإنسان من عدوى الوباء خاصة بعد وفاة عدة حالات بسبب هذا المرض في مصر والسعودية.
الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر والدكتور علي جمعة مفتي مصر بيانين أكدا فيهما موافقتهما على قرار وزراء الصحة العرب، مؤكدين أن هذا القرار جريء يصب في الحفاظ على حياة الحجاج، حيث إن الأطباء هدفهم تفادي انتشار المرض، وتفشي الوباء في البلاد الإسلامية، وطلب شيخ الأزهر والمفتي من جميع المسلمين الاستجابة لتعليمات الأطباء والمتخصصين.
وطالب د.أبو طالب الجميع باحترام القرار خاصة أنه جاء بعد دراسة عواقب انتشار المرض وكيفية مواجهة التزايد الكبير في عدد الإصابات الموجودة على مستوى العالم، وتفادي انتشار الوباء في الأراضي الحجازية، خاصة مع تواجد أكثر من مليوني حاج بمنطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة، فمهما كانت الإمكانيات يتعذر القيام بالإجراءات الطبية والوقائية المناسبة بما فيها عزل المرضى تفاديا لانتشار المرض.
ويضيف د.حامد: في الوقت الذي قررت فيه منظمة الصحة العالمية تحجيم أعداد التجمعات البشرية أصبح من الواجب أيضا إغلاق أماكن الزحام كدور السينما والمسارح، وما إلى ذلك فأي تجمع لابد من إلغائه أيضا؛ تحسبا لانتشار هذا الوباء، وهذا ليس بأمر غريب خاصة وأن هناك بعض الدول المصابة نصحوا الناس بالامتناع عن التجمعات بل وتم إيقاف الدراسة!
ويرى د.أبو طالب أن وزراء الصحة العرب كانوا طوال الفترة الماضية مترددين حول القرار الواجب اتخاذه أمام هذا الوباء، وفي مثل هذه الظروف الصحية المفاجئة حتى اتخذ هذا القرار الذي نؤيده بشدة؛ لأن الوزراء بنوا قرارهم من باب دفع الأذى عن المسلمين كما تقول القاعدة الشرعية «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع»، فإن كان أداء الحج مصلحة لبعض المسلمين فتركه وسط هذا الوباء مصلحة لجميع المسلمين.
حماية للنفس
د.آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر تقول: العالم يمر بمرحلة صحية حرجة، فالوباء يزحف على المجتمع البشري، ويزداد الخطر كلما وجدت التجمعات، ومنطقة مثل الحجاز حيث تقام فيها شعائر الحج يأتي الناس إليها من مشارق الأرض ومغاربها، ومن جميع أجناس الدنيا، والشريعة الإسلامية فرضت على كل مسلم الحفاظ على نفسه من المخاطر، وليس حماية النفس فقط، ولكن هناك أيضا حماية العرض والمال والدين، وحماية النفس من الأمور الأساسية في الإسلام، وهو الأمر الذي رخص للمريض الفطر في شهر رمضان، وسمح للمسافر بأن يفطر في أيام الصيام، وأن يقصر في صلاته، وكل هذه من الأمور التي سمح الله لعباده بها حماية للنفس وتفاديا للمشقة على النفس البشرية؛ تلك النفس التي لها ميزان عظيم عند المولى سبحانه وتعالى بدليل قوله تعالى “...من قتل نفسا بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
وتكمل د.آمنة كلامها قائلة: إن الأمر في الحج مختلف، ومع تلك الظروف الصحية واجتياح هذا الوباء لبقاع كثيرة على وجه الأرض ويأتي منها الحجيج إلى الأرض المقدسة، وقد يكون منهم المرييض بهذا المرض وهو حتى لا يعرف، أصبح من الضروري أن نحمي أنفسنا، ومهما كانت الاحتياطات والإجراءات الوقائية التي سوف تتخذها المملكة العربية السعودية إلا أن تفادي الخطر أصبح أمرا واجبا على الجميع.
والأولى على المرأة الحامل أن تكون أشد حرصا على نفسها، وولدها وهو نفس الحرص على الأطفال والمسنين؛ لأنهم في الغالب غير قادرين على رعاية أنفسهم.
وتطالب د.آمنة نصير بصورة مثالية أخرى قائلة: إنه على كل من أدى الفريضة، ولديه سعة من الرزق ويرغب في السفر إلى بيت الله الحرام مرة أخرى بنية الحج أو العمرة فعليه أن يتصدق بتكاليفها من أجل تنمية وإثراء المجتمع الذي يعيش فيه، فهذه حالة من التكافل بين المسلمين، فمثلا يمكن التبرع لعلاج الحالات المرضية الصعبة غير القادرة أو للمحتاجين أو حتى خلق فرص عمل جديدة بين الشباب، وهي دعوة عسى أن تجد صدى لدى المسلمين في شتى بقاع الأرض، وتبعث بالسعادة على أصحابها، وأن يكون ثوابها كبيرا عند الله.
وتتعجب د.آمنة من كل من يفكر في أداء الحج أو العمرة اعتقادا منه بسرعة استجابة الدعاء، وهذا اعتقاد خاطئ، فسبحانه وتعالى قال: إنه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، والدعاء يتقبله الله في أي مكان؛ لذلك يجب أن نكون أكثر رشدا، وننظر إلى الأمور بشكل مختلف ونحكم عقلنا، ونحمي أنفسنا وأبناءنا وذوينا، فالأمر خطير ولابد من الاستجابة لتعليمات الأطباء والمتخصصين.
رأى الطب أولا
الشيخ يوسف البدري يرى أن كل رجال الدين أجمعوا على أن الرأي الأول هنا للطب، فهو أمر ليس لنا فيه من شيء، وهم راعوا في قرارهم أن يكون في صالح المسلمين؛ للوقوف على طبيعة المرض، ودرجة حدته ومدى انتشاره بين الناس، وإن كنت في البداية ضد أن يؤجل الإنسان الحج هذا العام بسبب هذا المرض، إلا أنه وبعد اجتماع وزراء الصحة العرب، وإصدارهم تلك القرارات الهامة فما علينا إلا تنفيذها بل والمطالبة بتفعيل دور الطب الوقائي.
وفي عهد عمر بن الخطاب وقت الفتوحات الإسلامية انتشر الطاعون، وكان الجيش في حالة غزو، فقرر سحب الجيوش واعترض البعض وقالوا: أتفر يا عمر من قدر الله؟ قال: نعم أفر من قدر الله لقدر الله! وهو نفس ما نعيشه هذه الأيام مع انتشار مرض أنفلونزا الخنازير.
في ظل آية
من هدي النبوة الباقيات الصالحات
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الباقيات الصالحات: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله» أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم.
وجاء ذكر الباقيات الصالحات في قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا). وليس معنى ذلك أن الباقيات الصالحات محصورة في: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، لكنها هي رأسها، وكأنه -والله أعلم- قال: والباقيات الصالحات، هي التي تبقى؛ لأنه قابلها بالفاني، وهو قوله: (المال والبنون) يفنى ويزول ولا قيمة له، إلا ما كان في الله وفي طلب رضاه سبحانه وتعالى، لما ذكر الفاني ثم ذكر بعده الباقي حتى يحث النفوس ويدعوها إلى ما يبقى، ثم ذكر أنه هو الصالح الذي يصلح العبد في دنياه وفي أخراه (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).
وهذا هو المأمول الحقيقي الذي يكون للعبد ويبقى، بخلاف الآمال الزائلة التي تذهب وقد لا يحصل على شيء منها، وإذا حصل فلا حظ له في شيء من ذلك إلا ما قدمه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ قالوا يا رسول الله: كلنا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر» فبين أن الباقي هو المقدم، وأن الذي أخره ليس من ماله، وليس له من الدنيا إلا ما لبس فأبلى، أو أكل فأمنى أو تصدق فأمضى، كما رواه مسلم عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم بمعنى أنه لبس هذه الأشياء فهي له، بمعنى أنه تمتع بها، فإن كان في طاعة الله فهي له في الدنيا والآخرة، استعان بملبسه وبمأكله ومشربه على طاعة الله، ولهذا قال: أو تصدق فأمضى، وإن كان لغير ذلك؛ فتارة يكون في معصية فهو عليه ويعني في الآخرة، وإن كان ينتفع به في الدنيا، وإن كان في مباح فلا له ولا عليه، إلا ما كان معينا على طاعة الله سبحانه وتعالى.
و«سبحان الله، والحمد لله، ولا إله الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» كلمات عظيمة، تقال في دبر الصلاة، لفضلها جاءت فيها الأخبار، كما روى النسائي وغيره بإسناد صحيح.
